كيف تستعيد القضية الفلسطينية بوصلتها بعد مرور قرن على وعد بلفور المشؤوم؟

 

 

تمر القضية الفلسطينية ومنذ سنوات في أسوأ مراحلها ، جراء تضافر عوامل عديدة فلسطينية بحته وعربية و(إسلاموية) وإقليمية ودولية ، تتقاذفها الريح حيث يريد أعداء الشعب العربي الفلسطيني والعروبة من التهميش والإهمال والتواطؤ والتآمر

فبعد مرور قرن على وعد بلفور البريطاني المشؤوم ، ومرور نحو 7 عقود على قرار الأمم المتحدة الظالم بتقسيم فلسطين ، بضغط فاضح من الولايات المتحدة الأمريكية ، أقر به وزير خارجيتها في حينه ؛ لاحقاً ، ما زال الشعب العربي الفلسطيني ، إما لاجئاً في الشتات أو تحت الحصار أو تحت الاحتلال الأول أو الثاني، من قبل كيان صهيوني عنصري توسعي عدواني إرهابي ، وما بينهما من قضم هنا أو هناك من الأرض الفلسطينية كـ ( المثلث ) وغيره ، وما لحق بعد ذلك كله من بناء للجدار وما اقتطعه من أراض حال دون إتصال ما قد تبقى من أرض وشعب فلسطيني ببعضه بيسر ، فضلاً عن الإستيطان ومصادرة المزيد من الأراضي والمنازل وتجريف للأراضي الزراعية وسرقة للمياه ، وما يجري الآن من بناء جدار أخر في الأغوار الفلسطينية وما سيقتطع من أرض فلسطينية جديدة ويحول دون الاتصال الجغرافي المباشر مع الأردن .

لقد تمكنت العصابات الصهيونية بدعم من الدولة المستعمرة بريطانيا، من احتلال ما أقرته الأمم المتحدة في قرار التقسيم، وأجزاء واسعة أخرى، بالقوة العسكرية ، وتنفيذ نحو 90 مجزرة إرهابية ضد المدنيين الفلسطينيين العزل، رافق بعضها إغتصابٍ لنساء فلسطينيات ، وهي المجازر التي أرخ لها مؤرخون يهود محايدون ، وبذلك كان الصهاينة أول من مارس الإرهاب في بلاد الشام، فيما مارسته الوهابية في شبه الجزيرة العربية، على مدى عقود ، ضد كل من يخالفها الرأي أو العقيدة التكفيرية الوهابية الظلامية .

والآن يكتسب الوضع الفلسطيي، تعقيدات جديدة، حيث الإنقسام بين شطري ما (تبقى) خارج  فلسطين المحلة سنة 1948 ، فضلا عما هو عليه من حصار واحتلال واستيطان واجتزاءِ أراضٍ في الضفة خلف الجدار وما سيلي من إجتزاء أراض اخرى خلف جدار الأغوار الفلسطينية، ( كما أسبقنا ) وأسرى بالآلاف من الأطفال والنساء والمسنين والمرضى والرجال ومن المجلس التشريعي والوزراء والقيادات الفلسطينية، وعرقلة تصدير المنتج الفلسطيني،واعتداءات المستوطنين وقتل المدنيين في الساحات وعلى الحواجز وفي القرى وكل مكان، وإنتهاكات لحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية وهدم وتلويث واستباحة للمعالم التاريخية والإيمانية وتسريب انتقال أراض وعقارات مسيحية للصهاينة بطرق احتيالية مخادعة .

والأهم من كل ذلك ، أن الكيان الصهيوني يرفض تنفيذ القرار الأممي المرتبط بشرط قيامه، وهو عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم والتعويض عليهم ، وإصرار هذا الكيان الصهيوني الغاصب ، على استمرار احتلال ما هو خارج القرار الأممي ، على ما به من تحدٍ للإرادة الدولية ، واستمرار احتلال أجزاء من الجولان العربي السوري ومن لبنان ، وانتهاك الأجواء السورية واللبنانية وتنفيذ عمليات عدوانية بين حين وآخر.

وتنتهز (إسرائيل) الأوضاع العربية الراهنة في كلٍ من سورية والعراق واليمن ومصر وليبيا وإلى حدٍ تونس والجزائر ..حيث تشن حرباً إرهابية دولية عليها بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي والكيان الصهيوني والرجعيتين العربية والتركية ، فتتوغل أكثر في استراتيجيتها العدوانية ، وعرقلة أية حلول سياسية رغم ما تتضمنه كل تلك الحلول من ظلم صارخ للشعب الفلسطيني.

لا بد أن منظمة التحرير الفلسطينية ارتكبت بعض الممارسات الخاطئة بحق القضية الفلسطينية ، لا مجال للتفصيل بها الآن ، كما ارتكبت حركة حماس أخطاء أخرى لا مجال للتفصيل بها الآن أيضاً، فهذه الأخطاء ليست مجهولة بل معلومة لدى النخب السياسية على الأقل ، قدمت بشكل أو بآخر خدمة مجانية للكيان الصهيوني .

لكن أهم تلك الأخطاء، تسويغ المنظمة والسلطة ؛ فلسطنة القضية والإبتعاد عن عمقها القومي العربي بذرائع محاكة جيداً ، وطرح ما أسمته البرنامج المرحلي في وقت مبكر ، ما أتاح افتراسها وانحراف بوصلتها ، وسمح بتخلي  بعض الدول العربية الراغبة بالتخلي عنها بالتحلل من التزاماتها تجاهها ، في حين حرصت قيادات فلسطينية على خلق هوامش تناقض ونشر دعاوى غير دقيقة عن تخلي الداعمين الحقيقيين للقضية ، والإنتقال بهذه الذريعة إلى المعسكر العربي الآخر، ما أتاح استخدامها من قبل الرجعية العربية لغايات التعريض بالعرب الداعمين للقضية الفلسطينية ، وبالتالي الإبتعاد بالبوصلة نحو المشاريع التسووية العبثية ( كما رأينا لاحقاً ) وما جرت على الشعب والقضية تالياً من مآسي .

إن المناخ السياسي السائد في المنطقة، والعروض العربية المتهافتة على ( إسرائيل ) وقرارات الشرعية الدولية الملائمة لها، كل ذلك، لم يقنع الكيان  الصهيوني الغاصب لإغتنام الفرصة  والولوج إلى حلول سياسية، ما يؤكد مجددا الطبيعة العدوانية الصلفة الإرهابية التوسعية العنصرية ، واستحالة تحقيق أي سلام مع إستدامة هذا الكيان  .

ومن أخطاء قادة فلسطينيين تغليب خيار محدد على خيارات أخرى ، كالقول بالمقاومة الشعبية أوالحلول السياسية، دون المقاومة المسلحة (الراشدة) التي تستهدف القدرات العسكرية البحتة للكيان الصهيوني وقياداته العسكرية والأمنية والسياسية والإقتصادية، بعيداً عن الأهداف المدنية والمدنيين..والقائلون بخيار المقاومة الشعبية أوالحل السياسي أحدهما أو معاً، لم يحسنوا حتى استخدام هذا الخيار الهام محلياً وعلى صعيد العلاقات الدولية ، بل مارسوه بخجل شديد، ورضخوا في مرات كثيرة للضغوط بعدم ممارسته فيما أتقنوا تغييب خيار المقاومة المسلحة (الراشدة ) تماماً .

وأما الداعون  إلى خيار المقاومة المسلحة ، فقد مارسوه في التسعينات أحياناً كثيرة ضد أهداف مدنية ومدنيين صهاينة، الأمر الذي لم يسهم في تغيير المعادلة لصالح القضية الفلسطينية ، في وقت كان يبدو ولو ظاهرياً احتمال تحقيق حل سياسي، ما منح المتطرفين الصهاينة والأحزاب الدينية اليهودية ؛ الذرائع ونحا بـ ( المجتمع ) الصهيوني إلى مزيد من التطرف ،فوق ما هو عليه من تطرف ، وأعطى إنطباعاً غير صحيح ، عن ميل الفلسطينيين للقتل المجاني.

لكن كيف للقضية الفلسطينية تصحيح بوصلتها باتجاه تحرير فلسطين، في ظل كل هذه الأوضاع غير الملائمة فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودولياً ؟

لا بد أولاً من استعادة وحدة الضفة والقطاع ( ولعل الاتفاقات التي تم التوصل إليها فلسطينياً، تحقق هذه الإمكانية ) ، بالتزامن مع انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية ، وإقامة حكومة وحدة وطنية ، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ، بعقد دورةٍ جديدةٍ للمجلس الوطني الفلسطيني ، وفق تشكيلة جديدة تدخل فيها كل القوى الفلسطينية دون استثناء وفق أحجام عادلة .

ثم لا بد من التوافق على برنامج سياسي متوازن ، ينص ويحقق المقاومة بكل اشكالها معا ؛ الشعبية والسياسية والمسلحة .

ومن الضروري إستعادة القضية الفلسطينية عمقها العربي القومي المناصر للقضية وليس المستسلم ، القابل ببرنامجها ومشروعها الوحدوي المقاوم الجديد ، ودون أي تدحل فلسطيني سلبي في الشؤون الداخلية للدول العربية .

ومن الممكن للحيلولة دون الإستغراق في اللفظيات والشعارات السياسية المناقصة والمزاودة، ولتمكين الأطراف من التوصل لإتفاق ، ولمحاصرة مبررات نكوص البعض والتهرب من تنفيذ إستحقاقات اتفاق الوحدة أو تبرير الهروب ـ تجنب  الخوض في الأهداف المرحلية أو الإستراتيجية للقضية الفلسطينية .. فالمهم الآن الإجماع على ممارسة المقاومة بكل أشكالها وبالتزامن وتحقيق الإنتخابات المتزامنة وتفعيل المنظمة ومجلسها الوطني ، وتجنب الأهداف المدنية والإنسانية والمدنيين، والإقتصار على الأهداف المشار إليها آنفاً، والتأكيد على العمق العربي للقضية الفلسطينية وعدم التورط في أية أعمال إرهابية  أو سياسية ضد أي دولة عربية ، والحيلولة دون إستخدام القضية مشجبا أو هرواة أو وسيلة تضليل إعلامي في يد الرجعية عربية كانت أو تركية أو عواصم استعمارية غربية أو في يد أحلاف عسكرية لم تقدم للعرب غير الدمار والاستعمار والصهيونية .

أقول، لعل الإنحدار الهائل المذهل لقضية الشعب الفلسطيني؛ تدفع الأطراف القيادية الوطنية الحيّة للإتفاق ، ووضع حدٍ ذاتي على الأقل لهذه الحالة ، وإذكاء روح المقاومة بأشكالها كافة ، بما يسهم بالتالي إلى خلق رافعة ملائمة على الصعد الأخرى ، الأمر الذي يفرض استعادة القضية الفلسطينية ألقها وبالتالي تحقيق آمال الشعب العربي الفلسطيني كاملة .

وأرى أن الشعب العربي الفلسطيني ، لن يعدم الوسائل والأساليب والعقيدة المقاومة والشرعية في أخذ زمام المبادرة بيده واجتراح ما يلزم في حال استمر تقاعس أو عدم قدرة القيادات والفصائل الفلسطينية عن أخذ زمام المبادرة ، فما إنقضى من إضاعة الوقت يكفي وزيادة، ولا بد من التحرك واستعادة البوصلة.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى