رباعية عربية لـ”دحلنة اوسلوستان”

يمكننا القول أنه لم يعد هناك ما قد نفاجأ به في وطننا العربي، وهذا ما يمكن سحبه تلقائياً على الساحة الفلسطينية. لكن هذه الساحة، وعلى قدر ما، شاءت مفاجأتنا بنذر منازلة دونكشوتية مكشوفة لا تدور رحاها في جنباتها وبين أطرافها كالعادة، وإنما بين اوسلوييها وداعميهم من عرب التصفية. والمفاجئة اللا مفاجأة هي ليست حصراً في انكشاف مستورها على وقع تداعيات ورطة الانتخابات المحلية وخشية الداعمين من خسارة عشائر الأوسلويين المتناحرة فيها، او عدم انصياع رام الله لنصائحهم بتأجيلها حتى لا تحصد حماس نتائجها، وإنما في تعمُّد كشفها وتقصُّد تسريب ما دعيت بخطة “الرباعية العربية” الهادفة كما قيل “لرأب الصدع” و”تحريك الملف” الفلسطيني، وبالتالي ما قوبل هذا التسريب به من رد وصف بالناري من فتحاويي أوسلو، وكذا الغضبة العارمة لسلطة رام الله المستعيدة لشعار “القرار الوطني المستقل”، والتي باتت على حين غرة “ترفض التدخُّل في شؤونها”، ولم تني فأخبرت هذه الرباعية، وعلى لسان عضو اللجنة التنفيذية احمد مجدلاني، بأن “عهد الوصاية قد انتهى”!

بالنسبة للانتخابات تكفَّلت المحكمة العليا بالانصياع فعلّقتها، أما ما نبشته فبقي على حاله، وعليه، وقبل الدخول إلى صلب ما سُرِّب، أو ما وصف بالتدخُّل المرفوض، لابد من الانتباه إلى أنه لم يسرَّب إلا بعد رفض رام الله لما سبق وأن قبلته وحتى يقال أنها قد طفقت في الاستعداد له، وهو ما شاع عن ازوف ساعة المصالحة بين فتحاويي ابومازن وفتحاويي دحلان، أو رأب  الصدع بين هذين الفريقين اللدودين بإعادة المفصولين من عضوية “فتح السلطة”إلى عضويتها، والأهم الأهم هو عودة عضو مركزيتها المفصول محمد دحلان إلى حمى “أوسلوستان”، كاستجابة من رام الله للمساعي الحميدة المعلنة للأشقاء في “الرباعية العربية”. بيد أن ما كان حميداً تحوَّل لاحقاً إلى تدخل مرفوض في الشأن الفلسطيني من شأنه أن يدفع أبا مازن للرد عليه منذراً متوعِّداً: “كفى الامتدادات هنا وهناك. الذي له خيوط هنا أو هناك الأفضل أن يقطعها، وإذا لم يقطعها فنحن سنقطعها”…اذن، هذه المنازلة تدور رحاها في الساحة التصفوية نفسها، وتحتدم داخل ذات الخندق الواحد، وبين الداعم والمدعوم، ولنتبين السر علينا العودة للمُسرَّب من خطة “الرباعية” الشقيقة ليتضح لنا من خلف سطوره ذاك الكامن وراء اكمتها…بالمناسبة، مسماها في حد ذاته يذكِّرنا برباعية بلير الدولية سيئة الصيت.

يمكن تلخيص الخطة وفقما جاء في وثيقتها المسرَّبة بالنقاط العامة والفضفاضة التالية: توحيد “فتح السلطة”، وتحقيق المصالحة الوطنية، و”تحريك عملية السلام على أساس المبادرة العربية”، ودعم الشعب الفلسطيني داخلاً وشتاتاً، ووضع الخطط والبرامج لتفعيل المنظمة. هذا من حيث الشكل، أما اذا دلفنا للمضمون ومنه إلى الدوافع، فهنا لا يخلو الأمر مما لا يخفى على أحد ومنه: إن معسكر التصفية العربي، الذي لطالما سعى للتخفف من مسؤولياته القومية، والذي يهمه في هذه المرحلة المنحدرة بالذات المسارعة لتصفية القضية الفلسطينية، باعتبار أن الخلاص منها في تصوره يعد شرطاً اساساً يمكن صرفه في بازار محاولات اخماد بؤر الأزمات المشتعلة في هشيم المنطقة، قد لاحظ تآكل السلطة واهتراء وشائج حزبها وشريحتها، لاسيما في ظل استحقاق يفرض نفسه على اجندتها وهو خلافة ابي مازن التي باتت مطروحة أكثر من أي وقت مضى. يضاف إليه ما اشرنا اليهً، وهو خشية هذا المعسكر من افادة حماس المؤكدة من هذه الانتخابات، إن لم يك فوزاً ممنوعاً في الضفة، فأقله شرعنةً مضمونةً لمؤسساتها في غزة.

يبقى الأهم من كل ما سبق وهو احتدام بؤس الواقع الفلسطيني بين مطرقة الاحتلال وسندان السلطة وخشيتهم من انفجاره وما سيتأتى بالتالي عنه من تداعيات ستطول سائر المنطقة ولن تستثنيهم.

وليس يخفى على أحد أن هذا التسريب كان يرمي فيما يرمي إلى تحذير أبي مازن من عاقبة الانتخابات ومن مغبة رفضه المصالحة مع دحلان ومنع عودته إلى رام الله. ولعل الأوضح منه أن هذه “الرباعية العربية” تعيدنا الى حيث تذكِّرنا بما علينا أن لا ننسى وهى عملية تحضيرهم لأبى مازن الشهيرة وفرضه خليفة لأبي عمار، وكنا قد اشرنا إلى هذا في مقال سابق على هذه التسريبات.

…باختصار إنهم، وهم لا يختلفون هنا في موقفهم عن المحتلين، والمانحين، والأميركان، والغرب المتصهين عموماً، يريدون “دحلنة اوسلوستان” باستخلاف  دحلان على ركامها إن دنى أجل أبي مازن أو ودًّع اوسلوستانه لسبب أو لآخر، الأمر الذي لا من سواه اوسلوياً إذا ما آن أوان مثل هذا الاستحقاق وسبقته المصالحة المرادة بينه وبين حليفه يوم تم فرضه واستخلافه وخصمه اللدود الطامح بوراثته فيما بعده.

..وإلا…ونعود هنا إلى الوثيقة المسرَّبة، لنجد بيت القصيد فيها ماثلاً نصاً وروحاً  يقول: إنه ” في حال لم يقم الفلسطينيون بما عليهم واستمروا في الانقسام على انفسهم، فستضطر بعض الدول العربية لدراسة بدائلها الخاصة في التعاطي مع ملف الصراع”…ماذا يعني هذا؟؟!!

أننا لسنا هنا إزاء فاعل خير يسعى لرأب الصدع وإصلاح ذات البين ولو اوسلوياً، وانما فاعل تصفوي عربي للقضية المركزية للأمة العربية سبق وأن أعطاه الأوسلويون الفلسطينيون, ويعطونه ولايزالون, كل ما يلزمه من ذرائع ليمضي قدماً فيما هو عليه.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى