الانتخابات النيابية بين المشاركة والمقاطعة

نحاول بقدر ما نستطيع ونتحمل انسانيا أن نبتعد عن الحديث أو حتى الكتابة عن الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في العشرين من أيلول المقبل ، ليس تهربا أو تقصيرا في حق الوطن او بسبب ما نعتقد أنه صحيح، ولكن لأن الكلام ليس مجديا وأن من نخاطبهم خطوطهم دائما خارج التغطية، وسياستهم تأتي من خارج السياق، فالسياسة الأردنية لا تصنع قرارات أو حتى تشارك بها ولكن دورها هو العوم على سطح الماء كما قال ونستون شيرشل في لقائه الوحيد بالملك حسين رحمه الله ناصحا اياه وفق ما تحدث به الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله في احدى حلقاته الممتعة التي بثتها قناة الجزيرة تحت عنوان تجربة حياة منذ سنوات مضت، لذلك الكلام عندنا لا يسمع.
راهناً، كل اجهزة الدولة مشغولة في اخراج موضوع الانتخابات لحيز الوجود تحت شعار الاستمرار بأي ثمن، وليس مهما كم عدد الناخبين وحجم نسبة المشاركة التي سيجري رفعها وفق سياسات اعتدنا عليها، وفي النهاية سنجد أنفسنا أمام صورة طبق الاصل عن المجلس السابق مع تعديل طفيف حتى ان رئاسة المجلس القادم أصبحت محصورة بين أسماء بعينها ، وما قانون الانتخابات الجديد كما يسمونه إلا مجرد زيادة في الديكور والمكياج الصاخب وإنتاج نفس القديم ولا جديد يذكر .
لذلك نحن اليوم أمام مرحلة فاصلة وحرجة في تاريخ الوطن بحيث نفتقد الكثير من حكماء الدولة الاردنية بعضهم غاب بالإقصاء والبعض الآخر بالتجاهل، ومنهم من رحل ولفه عالم النسيان، خلت الساحة، إلا من الانتهازيين حيث أنتجتهم مرحلة ما بعد معاهدة الذل والعار في وادي عربة مع العدو الصهيوني، وهؤلاء لا يهمهم إلا مصالحهم الطبقية الضيقة التي تأتي على حساب الوطن وكرامته وحتى وجوده .
على هذا الأساس نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على وطننا ونحن نرى التهور والغرور الذي أصبح يعشعش في رأس حكومات وادي عربة خاصة بعد خروج الأردن سالما بفضل وعي شعبه أولا، ومن نيران الربيع الصهيوني أو الخريف العربي ثانياً، وليس العكس كما يقول البعض وأصبح الاصلاح السلمي الديمقراطي في خبر كان وأخواتها .
ان الانتخابات النيابية تأتي وسط ظروف صعبة، واستحقاق لسياسات الخنوع والتبعية وسيكون مطلوباً من الوطن أشياء أبسطها الخضوع لأملاءات صندوق الفقر الدولي برفع الأسعار ناهيك عن الاستحقاقات السياسية المطلوبة في هذه المرحلة التي لا نستطيع التعبير عنها بشكل واضح كتابة لأنها تحتاج لعمل ونضال في الميدان لجانب القلم وقدسية الكلمة التي تصبح مثالية وطوباوية اذا لم تجد القوى السياسية التي تحققها.
ان ارادة الشعب قد جرى الالتفاف عليها قديما، وليس بعد الربيع العربي فقط ، فقد جرى الالتفاف على ارادة الوطن وأبنائه منذ هبة 17 نيسان المجيدة عام 1989م ، و قانون الصوت الواحد الذي استنفذ وجوده وصولا لآخر قانون انتخابات ليس له علاقة بالوطن أو المواطن إلا خدمة النخب الحاكمة ، وقد زعم أصحاب القرار أنه عودة لقانون عام 1989م ، والحقيقة بأنه أسوأ من قانون الصوت الواحد.
ان نتائج الانتخابات سيكون نصيب الأسد فيها لرؤساء القوائم وهم خليط ما بين أرباب المال والأعمال، وما يعرف بشيوخ العشائر في أكبر تحالف يشهده تاريخ الأردن بين السلطة ورأس المال، وسوف يتعزز أكثرو يعلن عن نفسه وبشكل أكثر فجاجة بعد الانتخابات التي نضع ايدينا على قلوبنا كلما اقترب موعدها.
إن أخشى ما نخشاه أن تتكرر تجربة مجلس أحمد عز في مصر في وطننا خاصة أن ظروف الوطن لا تسمح مع ما تمر به المنطقة من أحداث وأيضا الاردن المهدد بالإرهاب الذي قد يجد له حواضن اجتماعية في ظل سياسات الاصفار للحكومات المتعاقبة .
الملاحظ ان الانتخابات تأتي هذه المرة في ظل تجاهل ولا مبالاة شعبية واضحة، وهذا ما يجب أن يعرفه وينتبه اليه أصحاب القرار ، خاصة وانها من المفترض أن تكون حديث الشارع لكننا لا نجد لها أي اهتمام إلا من الأوساط التقليدية حيث المرشح هو شيخ العشيرة .
ان هذا التجاهل والإهمال الشعبي جرس انذار يقرع بقوة ويقول : احذروا فإن الوطن في خطر …..احذروا فان شعبنا ليس غبيا ولا جاهلا …. احذروا فان المرحلة القادمة خطرة جدا….. احذروا فان الشعب قد ينفجر بركانا يحرق الاخضر واليابس معا …..احذروا فان المرحلة خطيرة والظروف دقيقة ورحم الله عميد الدبلوماسية العربية الدكتور محمود فوزي وزير خارجية مصر الأسبق عندما سئل عن المستقبل وهو على فراش الموت في مطلع سبعينيات القرن الماضي أجاب (المرحلة خطيرة جدا ولكن الرجال صغار) وما أشبه اليوم بالأمس في كل بلاد العرب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى