صمد الرئيس الاسد وترك لاخوان اردوغان ان يهزموا انفسهم

في حومة خمس سنوات طاحنات، صمد الرئيس الاسد وجيشه المغوار والاغلبية الوطنية والعروبية من شعبه السوري الاصيل.
للقاصي قبل الداني، وللعدو قبل الصديق، اثبت هذا ”الاسد” انه اسطوري الشجاعة لا يعرف قلبه غير دقات الاستبسال، وانه في ذات الوقت ثاقب النظر يتمتع ببصيرة نافذة وبعيدة المدى، فضلاً عن انه استاذ بالغ المهارة في علم الرهانات السياسية، وفن التحالفات الاقليمية والدولية.
قال انه لن يسقط، وها هو بعد خمس سنوات عجاف واقف بثبات وشموخ فوق ذرى قاسيون، وحذر رعاة الارهابيين من عاقبة اعمالهم، وها هم الارهابيون يعيثون قتلاً في باريس وانقرة وبروكسل واسطنبول، ونصح رجب اردوغان الا ينقض عهد الصداقة السورية- التركية، نزولاً عند هلوسات الاخوان المسلمين، وها هو السلطان اردوغان يغرق في بحر الازمات والظلمات، ويبحث عن اطواق النجاة في موسكو وطهران بعدما خذله الاوروبيون والامريكان، ويعترف ان موقف الاسد من الانقلاب افضل من بعض الاصدقاء، ويستعد للدوران حول نفسه، والانقلاب على مواقفه، والاقتراب من جادة الصواب.
فقد أفاد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم امس الاول السبت، بأنّ تطورات مهمة ستحدث في سوريا خلال الأشهر الستة القادمة.
وجاءت تصريحات يلدريم هذه خلال لقائه بالصحفيين في مقر رئاسة الوزراء التركية بالعاصمة أنقرة، حيث قال فيه: ”لا أحد يستغرب إنّ حصلت تطورات هامة بالنسبة للأزمة السورية خلال الأشهر الستة القادمة”.
ويأتي تصريح يلدريم هذا عقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا ولقائه بنظيره فلاديمير بوتين ومناقشته الأزمة السورية معه بكل تفاصيلها.
كما أعقب زيارة أردوغان إلى روسيا، قيام وفد مكوّن من هيئة الاستخبارات ووزارة الخارجية وهيئة الأركان التركية بزيارة إلى موسكو لمناقشة آخر التطورات السورية على الصعيدين الميداني والسياسي مع انداد لهم في الجانب الروسي.
وقد أفاد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو يوم الجمعة الماضي أنّ تركيا وروسيا ستنسقان عسكرياً في سوريا، ملوّحاً إلى إمكانية قيام المقاتلات التركية بعمليات داخل الأراضي السورية خلال الأيام القادمة.
ويمكن إعتبار التسريع في عقد الاجتماع الأول للجنة التنسيق الروسية التركية بمثابة مؤشر لافت للنظر في الانتقال الفوري من مستوى التوافق السياسي إلى مستوى الالتزام الميداني، حيث تحدثت الأوساط الروسية عن مشروع اتفاق تتم بلورته الآن حول تحديد مصير نحو 330 ألف ارهابي أجنبي يعملون في سوريا وكان معظمهم قد دخل إليها عبر الحدود التركية.
بين هؤلاء عشرات آلاف الأتراك تقيم معهم حكومة انقرة صلات وعلاقات وطيدة، وهي ليست في طريقها للتخلص من هؤلاء تماما وقطع الإمدادات عنهم، ولكنها عازمة على إيجاد ملاذات آمنة ووظائف محددة لهؤلاء المقاتلين وإعادة إدماجهم عبر النفوذ التركي بينهم في عملية سياسية ترافق البرنامج الروسي السياسي في سوريا.
وقد بدأت أوساط روسية في تسريب محتوى اللقاء الذي جمع الرئيس بوتين بنظيره التركي أردوغان بخصوص الملف السوري، لافتة إلى أن موسكو اشترطت على أنقرة وقف تسلل المسلحين إلى سوريا قبل البدء في تنفيذ المشاريع الاقتصادية التي تمّ الاتفاق عليها.
ولم تستبعد الأوساط أن يكون الردّ التركي بالقبول سريعا في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه أنقرة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وفي ظل حالة البرود مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
فقد كشف رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الروسي (الدوما) فيكتور فودولاتسكي في تصريح لصحيفة ”إيزفيستيا” أن موسكو عرضت ”مسألة غلق الحدود التركية السورية لمنع تدفق الأسلحة والإمدادات والمسلحين إلى سوريا”، وأنها مستعدة لـ”تزويد الجانب التركي بالصور التي تلتقطها الأقمار الاصطناعية عن الممرّات، التي يستخدمها الإرهابيون في نقل الأسلحة والمؤن”.
واعتبر محللون أن الطلب الروسي أمر متوقّع، خاصة أن تركيا هي من بحثت عن التهدئة مع موسكو والاعتذار لها على إسقاط الطائرة الروسية، وأن الرئيس التركي الذي بحث عن استرضاء بوتين كان في وضع صعب بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده.
ويرى المحللون أن التصريحات التركية التي تشير إلى توافق روسي تركي بشأن الملف السوري لا تعكس بدقة ما جرى في لقاء التاسع من آب بين بوتين وأردوغان، لافتة إلى أن الموقف التركي صار متماهيا مع الموقف الروسي تجاه سوريا وليس العكس.
وفي هذا السياق، اعتبر السفير التركي في موسكو أنّه بالإمكان أن يكون لنظام بشار الأسد دور في المحادثات الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية عن أوميت يارديم، قوله إنّ:” حكومة تركيا تعتقد أن القيادة السورية الحالية يمكن أن تشارك في المحادثات الرامية لحل الأزمة في سوريا”.
وبحسب الوكالة فإنّ يارديم أضاف خلال مؤتمر صحفي في موسكو:” نرغب في أن تشارك القيادة السياسية الحالية للبلاد في عملية التفاوض، كاشفًا أنّ أنقرة لا تعارض قيام القيادة السورية الحالية بدور ما في عملية انتقال سياسي”.
كما تعهدت تركيا لدى استقبال وزير الخارجية الإيراني الجمعة، التعاون مع إيران لإيجاد حل للنزاع في سوريا، رغم الاختلافات الجوهرية في مواقف البلدين اللذين يدعمان فريقين متعارضين.
وقد التقى محمد جواد ظريف نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، قبل أن يلتقي الرئيس أردوغان، وهذه أول زيارة لمسؤول رفيع المستوى من المنطقة منذ الانقلاب الفاشل في 51 تموز الماضي.
وقال تشاوش أوغلو بعد اللقاء إن تركيا ”ستتعاون تعاونا وثيقا حول هذه المسائل” (سوريا). وأضاف ”ثمة مسائل اتفقنا عليها وخصوصا حول وحدة الاراضي السورية”.
وصرح وزير الخارجية الإيراني من جهته أن طهران وأنقرة ”تريدان حماية وحدة أراضي سوريا”، وأن ”على الشعب السوري أن يقرر مستقبله بنفسه”.
وفي الاخير، أكدت صحيفة ”الإندبندنت” البريطانية أن الجماعات الإرهابية وقطر والسعودية هم الخاسر الأكبر من التقارب الروسي – التركي الأخير.
وقالت الصحيفة في تقرير لها بقلم الكاتب والمحلل السياسي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط ”روبرت فيسك” بأن روسيا وإيران تحركتا بحنكة وذكاء إزاء ما حصل مؤخراً في تركيا في إشارة إلى الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته البلاد قبل عدّة أسابيع.
وأضاف التقرير أن اللقاء الذي تم مؤخراً بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في ”سان بطرسبورغ” يحمل في طياته بوادر تشير إلى أن الجماعات الإرهابية التي تنشط في سوريا وعموم المنطقة والدول الداعمة لها لاسيّما السعودية وقطر ستكون الخاسر الأكبر من وراء هذا اللقاء. مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه من الأفضل للدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا أن تعيد النظر في حساباتها فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا بعد الإنقلاب الفاشل، خصوصاً فيما يرتبط بمحاولاتها الرامية إلى إسقاط نظام حكم الرئيس السوري وكيفية السيطرة على الأزمات الناجمة عن نزوح أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الأوروبية عبر تركيا.
وتابع فيسك مقاله بالقول بأن أردوغان الذي تصفه الصحافة الغربية بالرجل المريض شعر بالارتياح الشديد خلال لقائه نظيره الروسي، وهو ما ظهر جليّاً في التصريحات التي أدلى بها قبل وأثناء زيارته إلى روسيا ومن بينها تصريحه الذي أكد فيه بأن هذه الزيارة تمثل تغييراً جوهرياً في علاقات أنقرة تجاه موسكو، وإعرابه كذلك عن شكره وتقديره لروسيا خصوصاً للرئيس بوتين الذي رحب أيضاً من جانبه بتطبيع العلاقات مع أنقرة والتي تأزمت قبل عدّة أشهر إثر قيام المضادات الجويّة التركية بإسقاط طائرة السوخوي الروسية في سوريا.