هل اطلقت واشنطن “داعش” لتمزيق العرب وهزيمة محور المقاومة ؟؟

كتب ساطع الزغول

ما لا شك فيه ان شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة والتوبة والاستغفار، لكن رمضان الفائت شابته، داخلياً وخارجياً، ممارسات جرمية وعنفية اقل ما يقال عنها انها لا تمت للاسلام والانسانية والاخلاق بصلة.
فعلى المستوى الداخلي وقعت خلال ايام الشهر الفضيل حوالي 13 جريمة، نتج عنها 24 ضحية تنوعت ما بين هجومين ارهابيين جبانين، وجرائم قتل وايذاء ارتكبها افراد ضد آخرين، واللافت ان جرائم الافراد الاحدى عشرة والتي خلفت 12 ضحية في مختلف مناطق البلاد، كان بعضها غريباً على المجتمع الاردني تمثل في قتل، وحرق، وقتل جائر لمواطن يستغيث.
هذه الجرائم التي وقعت في شهر يمتاز بخصوصيته الروحانية والتعبدية كونه احد اركان الاسلام الخمسة الذي نتفيأ ظلاله شهراً واحداً في السنة امر يحتاج الى دراسته دراسة معمقة تبين لماذا انحرف العديد من الناس الى الغرق في مستنقع التوحش، بدلاً من الارتقاء مع قيم الرحمة وبها.
في عطلة العيد، كان حديث الارهاب والفقر والبطالة حاضراً في كل المجالس والدواوين والصالونات السياسية، لكن الارهاب والتطرف استأثرا بالحصة الكبرى من التداول والتجادل مع اجماع اطراف الجدال والحوار على ضرورة ان يكون الناس اكثر حرصاً على وطنهم، مؤكدين على ضرورة ان يكون ذلك نابعاً من ادراك حجم الخطر الكبير المتأتي عن هذا التهديد.
في تلك الجلسات كان البعض يتطوع لاطلاق التحليلات العسكرية والجيوسياسية، او طرح الاسئلة، على شاكلة : كيف نبت هؤلاء الارهابيون والمتطرفون بيننا ؟ ومن اين جاؤوا ؟ ثم تنطلق الاجابات وتتعدد المقاربات والنظريات من كل شكل ولون، وتجد امامك من يحمل نظرية المؤامرة مسؤولية ما يحدث قائلاً : ان اجهزة مخابرات عالمية صنعت هذا التيار الظلامي لتكسر صورة الاسلام وتلطخها بالدم.
بالمقابل تجد بين المتجادلين والمتحاورين من ينحو الى الداخل، فيجزم ان اوضاعنا المحلية، هي من شكلت بيئة حاضنة لمثل هذه الفيروسات القاتلة، حيث استطاع الارهاب اغتيال عقل ووعي الكثير من ابناء الاسر الاردنية، ما دفعهم بسبب هذا الاغتيال وتلك الاوضاع المعيشية وغيرها، الى الالتحاق بداعش، والارتماء في حضن التطرف والارهاب، في غفلة من المجتمع والجهات الرسمية المعنية والوالدين.
جزئية الالتحاق بداعش تحت ضغط الظروف الداخلية دفعت المراقبين الى القول ان الشعور بالظلم وعدم قدرة السلطتين التنفيذية والتشريعية على حيازة ثقة المواطن بكل ما يصدر عنها من اجراءات واوامر ومواقف يضرب بلا هوادة في نفسية الاردني، وهنا يستشعر تهديد الارهاب وقوته وخطره على حياته، كما ان عدم حصوله على عمل يكفيه شرور الايام ويبعد عنه غائلة الحاجة وقلة الحيلة، يجعله فريسة سهلة لعملاء الارهاب والتطرف الذين يسارعون لاغتيال عقله والسيطرة على فكره، فيجد نفسه وقد تورط في سلوك طريق لا يفضي الا الى الموت او السجن او احتراف الاجرام.
الامير الحسن بن طلال استوقفته كمسلم ومفكر وانسان هذه الممارسات الجرمية الارهابية التي ضربت في غير مكان، خارجياً وداخلياً، خلال الشهر الكريم المنصرم، فاصدر بياناً حول هذه الاحداث استهجن فيه تلك الممارسات الارهابية، وقال انه من غير المعقول ان تشهد الايام الاخيرة من شهر رمضان المبارك تنفيذ تفجيرات ارهابية انتحارية آثمة تعيث بأمن البلاد واستقرارها، وتفتك بأمن البشر وطمأنينتهم، كما تسلب الابرياء حياتهم وتدمر حياة آخرين، رافضاً المزيد من الاساءة للاسلام والمسلمين باسم الدين، ومبيناً ان الارهاب لا وطن له، ولا ينتمي الى اي دين او عرق او قومية.
وحث الامير على نبذ الحقد والكراهية والفتنة الطائفية، ودعا الى نشر قيم الاحترام والاخوة والوحدة، وتأكيد انسانية الآخر، متطلعاً الى خطاب مستنير يدعو الى الاصلاح والتقارب والالتفاف حول الثوابت والاعتصام بحبل الله، والتمسك بمبدأ الشورى الذي يجب ان يمثل اساساً للحوار بين ابناء الامة عرباً وعجماً، سنة وشيعة.
ولفت الى ان وحدة الامة العربية والاسلامية وجمع شملها من جديد سيمكنها من ان تقف سداً منيعاً في وجه آلة التوحش التي طالت حرمة الانسان في غير مكان، متسائلاً : أما آن الاوان كي نستمع الى خطاب تملؤه المحبة والمغفرة والاخوة الصادقة بين ابناء الامة على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم الثقافية والعرقية ؟؟
الى جانب البيانات والحوارات والمجادلات التي دارت خلال شهر رمضان وعطلة العيد وما بعدها، برز العديد من التساؤلات والتحليلات، سواء في الداخل او الخارج، حول الارهاب والتطرف والطائفية، ابرزها السؤال عن كيف استطاع تنظيم داعش ان ينمو ويكبر وتكون لديه هذه القوة والتسلح والتجهيزات والاعداد الغفيرة من المقاتلين ؟ واين كانت عيون اجهزة المخابرات العربية والاجنبية، الاقليمية والدولية، عن كل ذلك، خصوصاً وكالة الاستخبارات الامريكية واقمارها التجسسية التي لا تغمض لها عين ؟ وهل سكتت اجهزة الاستخبارات الامريكية والاوروبية ودولها وحلفاؤهم عن قيام وتنامي هذا التنظيم الارهابي المتطرف، تقديراً منها انه سيوجه قدراته ضد ايران ونفوذها في العراق ؟ وهل ساعدته ورعته تلك الاجهزة والدول لينطلق من العراق الى سوريا في سياق رغبتها الجامحة التي تتلاقى مع رغبات الكيان الصهيوني في التخلص من النظام الحاكم في سوريا، وبالتالي قطع الشرايين التي تمد حزب الله بالحياة وصولاً الى اضعافه حتى ”تسيد اسرائيل وتميد” على تخوم الجنوب اللبناني، وتصبح في مأمن من التهديدات التي يمثلها ذلك الحزب للكيان الاسرائيلي العدواني.
فاذا كان الامر كذلك، وثبت للمراقبين والمحللين صدق استخلاصاتهم آنفة الذكر، فان السؤال الذي يطل برأسه هو : لماذا انشأت الولايات المتحدة الحلف الدولي لمحاربة هذا التنظيم ؟ وهل يدها قاصرة رغم كل قدراتها وامكاناتها، عن النيل منه والاجهاز عليه ؟ وهذا يقود الى طرح سؤال يقول : لماذا تراخت امريكا وتحالفها الدولي عن مواصلة ضرب داعش، وهو يتوسع في احتلال اراضي العراق وسوريا، ويعيث فساداً واجراماً في غير مكان من المعمورة ؟؟
وفي سياق البحث عن اجابات قاطعة مقنعة، ثمة تحليلات واستنتاجات تعلن عدم قناعتها ببراءة الولايات المتحدة الامريكية من التورط في الوقوف بمختلف الوسائل خلف هذا التنظيم، سواء بتسهيل تسليحه او السكوت عليه، باعتبارها الام التي انجبت نظرية ”الفوضى الخلاقة” لاعادة رسم خرائط المنطقة العربية وتمزيق ما مزقته اتفاقية سايكس- بيكو.
وفي سياق هذا الاستخلاص يقول المراقبون ان تراخي امريكا الواضح في ضرب تنظيم داعش يعني انها اوكلت لداعش إلباس الدين الاسلامي ابشع صورة يمكن ان يتخيلها العقل البشري، عندما يتم ذبح الانسان وحرقه حياً، وصلبه باسم شرع المسلمين، وكان آخر هذا الشذوذ تفويض الصبيان في منظمة داعش بعمليات الذبح، ويدعمون اتهامهم لامريكا بالوقوف خلف داعش قائلين : أليست الولايات المتحدة هي من حشدت بقرار من رئيسها، اكبر جيش اسلامي مغسول الدماغ ”القاعدة” ليتصدى للسوفييت في افغانستان، تحت ذريعة ”محاربة الكفار واقامة دولة الخلافة”، والعودة الى نمط الحياة الذي كان يعيشه السلف ؟ وهل كان يمكن لاي عاقل ان يتصور ان بمقدور امريكا اقناع القاعدة وطالبان ان الاسلام يقتضي الغاء مفاعيل اربعة عشر قرناً من الزمان ليأتي من يخلفهم باسم تنظيم داعش ويطرح ذات المفاهيم ؟؟
انشغال المحللين بتفكيك وتركيب مواقف واشنطن من تنظيم داعش الارهابي والتكفيري، جعلهم يطرحون سؤالاً يقول : هل نحن امام فتوى شرعية امريكية جديدة لداعش من اجل احداث شرخ عمودي بين سنة وشيعة ؟
وفي معرض محاولة الوصول الى جواب عن السؤال.. تم طرح سؤال آخر يقول : لماذا اعلنت امريكا ان التخلص من داعش يحتاج ما بين عشر سنوات وعشرين سنة، ثم يقولون: يبدو ان السنوات العشر او العشرين التي تقدرها امريكا للقضاء على تنظيم داعش، تشكل عند امريكا الوقت الذي تحتاجه عملية ايصال الشرخ العمودي بين السنة والشيعة الى منتهاه، عن طريق تغذية صدامات وصراعات وحروب اتباع المذهبين، تنتهي بتمزيق اكبر للوطن العربي، واقامة دول طوائف ومذاهب واعراق، ليزداد ضعف الامة ضعفاً فوق ما هي عليه من ضعف وهوان.
المحزن- برأي المراقبين والخبراء – ان نغمة الصراع بين المذهبين السني والشيعي قد بدأت قبل ظهور داعش، وانتشر صداها داخل مجتمعات العديد من الدول العربية التي ابتلعت الطعم الامريكي رغم خطورة هذه النغمة وعدم استنادها الى اي اساس في العقيدة.
والمحزن اكثر، انه بعد ان استقرت نغمة التشكيك في اسلام الشيعة، ظهر تنظيم داعش ليبشر بوصايته على اهل السنة، واصبح يوظف وصايته هذه في قتل الشيعة باسم المذهب السني، ويرفع يافطات ويطلق اوصافاً تخرج اتباع المذهب الشيعي من ملة المسلمين.
ولدحض صحة تلك الوصاية، وتكذيب الاوصاف التي تطلق للنيل من الشيعة، استحضر المحللون والباحثون فتوى اطلقها الامام الاكبر المرحوم الشيخ محمود شلتوت، شيخ الازهر خلال الفترة ما بين 1958 و1963، حذر فيها من خطورة نغمة الصراع السني الشيعي، من خلال الرد عن سؤال ورده يقول : ”ان بعض الناس يرى انه يجب على المسلم لكي تقع عبادته ومعاملاته على وجه صحيح ان يقلد احد المذاهب الاربعة المعروفة، وليس بينها مذهب الشيعة الاثنى عشرية مثلاً ؟”.
وكان جواب الشيخ يرحمه الله نصاً : ”ان الاسلام لا يوجب على احد اتباع مذهب معين، بل نقول ان لكل مسلم الحق في ان يقلد بادئ ذي بدء اي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً، والمدونة احكامها في كتبها الخاصة، ولمن قلّد مذهباً من هذه المذاهب ان ينتقل الى غيره، ولا حرج عليه في شيء، وان مذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الامامية الاثنى عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب اهل السنة، فينبغي للمسلمين ان يعرفوا ذلك وان يتخلصوا من التعصب بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته تابعة لمذهب، او مقتصرة على مذهب، فالكل مجتهدون عند الله، يجوز لمن ليس اهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات”.
كما استحضروا فتوى للشيخ نور الدين علي جمعة، مفتي الديار المصرية اطلقها عام 2008 واستند فيها على فتوى المرحوم شلتوت حيث قال : ”يجوز التعبد بالمذاهب الشيعية ولا حرج، وقد أفتى بهذا شيخ الازهر الراحل محمود شلتوت، فالامة الاسلامية جسد واحد لا فرق فيه بين سني وشيعي، طالما الجميع يصلي صلاة واحدة، ويتجه لقبلة واحدة ”، وهذا ما اكده ايضاً الامام احمد الطيب شيخ جامع الازهر في دروسه الفقهية خلال شهر رمضان من عام 2015.
على صعيد ذي صلة حذر المراقبون من تعمد الدوائر الامريكية ومن خلفها اسرائيل والصهيونية، توسيع شقة الخلاف بين السنة والشيعة، وشيطنة احدهما امام الآخر لخدمة المخططات الامبريالية- الصهيونية الموجهة للمنطقة، وتسهيل تنفيذها، والا ما معنى ان يتعمد اوباما – في مقابلته المطولة مع توماس فريدمان، كاتب العمود الاشهر في امريكا والمنشور في جريدة نيويورك تايمز بتاريخ الخامس عشر من تموز العام الماضي- اطلاق وصف ”دول المذهب السني” عشر مرات على الدول العربية.
وما يلفت النـظر ويدعو الى الحذر واستشعار الخطر هذه النغمة التي استخدمها اوباما ومعه مراكز الفكر والبحث الامريكية في استخدام الاسلام السني، مقابل الاسلام الشيعي، واختفاء كلمات عرب وعروبة وقومية عربية من القاموس الامريكي المستجد ومن ثم الباس المفاهيم المذهبية اثواباً سياسية !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى