ثورة 23 يوليو في ذكراها الــ64

بقلم : عبدالهادي الراجح

لشهر تموز/ يوليو خصوصية أممية وعربية فهو شهر الثورات التحررية في العالم ابتداء من الثورة الفرنسية في 14 تموز/ يوليو وهي أم الثورات التحررية والتنويرية في أوروبا مروراً بالثورة العراقية بنفس التاريخ بفارق قرنين من الزمن، وصولاً لثورة 23 يوليو/ تموز المصرية العربية- وهي أعظم الثورات في وطننا العربي والأم الكبرى لكل حركات التحرر العربية والإفريقية والآسيوية واللاتينية- التي نحتفل اليوم بذكراها العطرة وكأنها حدثت بالأمس وليست قبل أربعة وستين عاما لكثرة مؤيديها ممن تهفو أفئدتهم لأيام العز والفخر والرجولة وشرف الانتساب لأمة (الضاد) التي قادها وأسسها الزعيم جمال عبد الناصر وهي تناضل لطرد الاستعمار والقضاء على صنائعه من دويلة بني صهيون وصولا لدويلات بني الاعراب أو من أعدائها الذين لا يزالوان يخشون عودة روحها المتمثلة في المبادئ الستة الخالدة التي أعلنتها .
لقد تكالبوا على العراق واحتلوه لأنه رفع راية الوحدة التي ناضلت من أجلها ثورة 23 يوليو المجيدة وكذلك ليبيا لأن قائدها العقيد الشهيد معمر القذافي كان يفاخر بأنه على خط ثورة 23 يوليو رغم الانقلاب الذي أصاب ثورة 23 يوليو ذاتها تحت قيادة أنور السادات ومن جاء من بعده من المخلوعين حسني مبارك ومحمد مرسي الذي ما أن وصل للسلطة حتى حلف أغلى الإيمان بأنه على نهج أنور السادات وحسني مبارك وكبادرة حسن نية قام بتقليد اسم المقتول أنور السادات أعظم وسام في مصر كرسالة للصهاينة في واشنطن وذيولهم في فلسطين المحتلة بأنه على نفس النهج ولكن على الطريقة الاخوانية، وزيادة في ذلك كتب لرئيس القتلة الصهاينة في حينها شيمعون بيرس مجرم قانا يصفه بالصديق العظيم ويبارك له بذكرى الاستقلال المزعوم الذي هو نكبتنا العربية الكبرى التي ما زالت جرحنا النازف حتى العودة والتحرير ورجوع فلسطين عربية من نهرها إلى بحرها .
ثورة 23 يوليو ليست حدثا عابرا في التاريخ العربي والإنساني لكنها مناسبة عظيمة لأخذ الدروس والعبر وما مرت به من مؤامرات ودسائس وحروب وصلت لذروتها بعدوان حزيران/ يونيو الأليم عام 1967م ، الذي كان خلاصة المؤامرات، ليست الصهيو أمريكية فقط كما كنا نعتقد ولكن هناك أعداء الداخل الذين كانوا المشاة التي مهدت لدبابات العدو من أجل احتلال أقدس المقدسات وغيرها من الأراضي العربية المحتلة ولم يكن أحد يعلم مثلا مدى التنسيق بين دويلات الاعراب والصهاينة في أمريكا وفلسطين المحتلة، ورسالة فيصل بن عبد العزيز عاهل آل سعود للرئيس الأمريكي ليندون جونسون واضحة وبها يطالب بضرب مصر لأجل إسقاط جمال عبد الناصر وسوريا واحتلال جزء من أراضيهم إضافة لدعم الانفصاليين الأكراد في العراق حتى لا يأتي أحد بعد إسقاط عبد الناصر يدعو للوحدة العربية وتحرير فلسطين ، للأسف لم نعرف مثل تلك الرسالة إلا مع الثورة التكنولوجية التي اجتاحت العالم وكشفت المستور في كل شيء وعن أي شيء .
ان أهمية ثورة 23 يوليو تتمثل بتلك اليقظة التي أحدثتها بين أبناء الأمة الواحدة من المحيط إلى الخليج وجعلت الاستعمار ووكلاؤه في المنطقة يفقدون أعصابهم، وبالتالي فان تلك الملحمة العظيمة وقيمتها التاريخية لا تحسب من منطلق فشلها في تحقيق ما ناضلت من اجله ولكن قيمتها هي في التمسك والإصرار على الثالوث المقدس الحرية والاشتراكية والوحدة في مجتمع عربي جزأته قوى الاستعمار ونهبت ثرواته القومية وأعطت وكلاءها من الإعراب ضمان رفاهيتهم الشخصية وإشباع غرائزهم وهم مستعدون للتحالف مع الشيطان في سبيل تلك المصالح الضيقة.
ان الحرب التي نراها تزداد كل يوم في مصر والأمة العربية على ثورة 23 يوليو وقائدها ومؤسسها الزعيم جمال عبد الناصر ليست حرب على حدث مضى ولكنها حرباً على ذاكرة الأمة ومستقبلها بهدف عدم تكرار تلك التجربة مع التركيز على بعض الأخطاء التي وقعت بها الثورة كأي تجربة إنسانية يقودها بشر وليست ملائكة وتحويل تلك الأخطاء لخطايا وشيطنتها مع التركيز على نفس حزيران وكأنها نهاية التاريخ .
ثورة 23 يوليو كانت المحطة الأكثر أهمية في تاريخ الامة العربية، والثمانية عشر عاما التي هي عمرها الحقيقي هي أخصب فترات التاريخ العربي الحديث، وما زالت تلك الثورة هي الأكثر حضورا لدى شعبنا وأمتنا والأحداث شبة الثورية ألمسماه الربيع العربي التي شهدتها المنطقة قبل التدخل الصهيو أمريكي الناجح للأسف مستغلا بعض الأخطاء كانت أكبر دليل أن ثورة 23 يوليو كامنة في نفس وضمير كل عربي حر وهي خارطة الطريق الوحيدة لمستقبل الأمة حيث لم نر في الشوارع المصرية ولا العربية عموما إلا الشعارات الناصرية وحتى ثورة 30 يوليو تموز التي كانت نموذجا وحتى يوم خلع مرسي لم ترتفع إلا صور جمال عبد الناصر مع استثناءات بسيطة للرئيس عبد الفتاح السيسي.
ثورة 23 يوليو خالدة بدعمها لحركات التحرر في القارات الثلاثة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وما جعل قادة الاستعمار من انطوني ايدن في لندن الى جي موليه في باريس وجون دالاس في واشنطن يصرخون بأن مصالحنا في خطر طالما بقيت مصر تحت قيادة جمال عبد الناصر، وهو نفس المصطلح الذي استخدمه خلفاؤهم فيما بعد لاحتلال العراق بحجة وجود صدام حسين وفي ليبيا واحتلالها بحجة وجود معمر القذافي ولا يزال تآمرهم على سوريا مستمر بحجة وجود الرئيس بشار الأسد والهدف ضرب كل من يقول لا للسياسة الصهيو أمريكية في المنطقة والعالم .
وفي هذه المناسبة العطرة والغالية على قلوب كل أحرار وحرائر الأمة والمناضلين في العالم نحيي أرواح قادتها الأبطال وفي مقدمتهم الزعيم والقائد المؤسس جمال عبد الناصر، ونعاهد الله وروحه الطاهرة أن رايتنا لن تكون إلا عربية وناصرية حتى يتحقق لأمتنا ما تصبوا إليه من وحدتها السياسية والاقتصادية وتحرير قلبها فلسطين ،وثورة 32 يوليو ستبقى هي القاعدة والأساس لمستقبل أمة الضاد ومكانها تحت الشمس بين الأمم والشعوب .
وبعد يقول جمال عبد الناصر: ان هذه الثورة وجدت لتبقى وستبقى كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى