الانقلاب الفاشل قد يدفع اردوغان للتعجيل بالمصالحة مع الاسد
حبس السوريون أنفاسهم طيلة ساعات من ليل الجمعة – السبت الماضي يترقبون ما يمكن أن يتمخض عنه انقلاب العسكر على عدوهم الأشرس، الذي يتهمونه بتدمير مدنهم وإزهاق أرواح أبنائهم، وإطالة أمد الأزمة التي تعصف ببلادهم ومدها بكل أسباب الاشتعال.
انجلت الساعات سريعاً ليستفيق الجميع على حقيقة فشل محاولة الانقلاب. ولكن، ليتشكل، رغم ذلك، ما يشبه اليقين عند هؤلاء السوريين بأن الانقلاب مع فشله، لن تمر تداعياته مرور الكرام.
ولعل أبرز المرشحين لهذه التداعيات ستكون سوريا بأزمتها المستعصية، وميادينها الملتهبة، وتحديداً في الجبهات التي تغذيها تركيا في حلب وريف اللاذقية الشمالي, فقد صمت صوت الرصاص في هاتين الجبهتين بضع ساعات انتظاراً لمآلات الحدث التركي الكبير، ولكن سرعان ما استعادت هذه الجبهات الأنظار إليها، بعد أن حقق الجيش السوري إنجازاً قد يكون فاتحة لتغيرات ميدانية كبيرة في الأيام المقبلة، بعد أن أكمل الطوق على مدينة حلب بإغلاقه طريق الكاستيلو.
لقد نجح الجيش السوري في استثمار المعنويات المنهارة للألوف من عناصر “جيش الفتح” والعديد من المجموعات المسلحة التي تأتمر بأمر التركي المتخبط في معركته الداخلية، فباغتها وضرب ضربته المنتظرة؛ مغلقاً آخر المعابر الواصلة بين أحياء حلب الشرقية والحدود التركية.
وتزامناً مع ذلك, وتحديدا في ريف اللاذقية الشمالي، انتزع الجيش السوري منطقة كنسبا والعديد من التلال الحاكمة حولها، ليعيد المسلحون المدعومون من تركيا تجميع صفوفهم التي فرقتها الغارات الروسية – السورية المشتركة, ويعيدوا الهجوم والسيطرة عليها، قبل أن يشن الجيش السوري هجوماً معاكساً سطر خلاله مقاتلوه ومجموعات الدفاع الوطني ملحمة حقيقية، وكانت النتيجة أن عادت كنسبا إلى كنف الجيش.
وقد جرى هذا التطور الكبير، بينما كان الرئيس التركي غارقا في مشكلاته. فمشروع الانقلاب الداخلي طغى على كل ما عداه، وصرف الجهود التركية العدائية عن الأزمة السورية ومنعرجاتها.
وعلى الرغم من أن أنقرة أرسلت العديد من الإشارات الإيجابية إلى دمشق قبيل الانقلاب، فمن المتوقع أن يساهم الوضع الجديد في بلورتها رغم التصريحات المتناقضة بخصوص العلاقة مع دمشق، لان هموم أردوغان اليوم باتت في مكان آخر أكثر أهميةً وإلحاحاً، مع استمرار عمليات التطهير للعناصر الانقلابية في الجيش وخارجه، ومع وجود مخاوف حقيقية من أن يعيد بعض الجيش الكرّة مرة أخرى في أوقات ليست بعيدة بسبب البطش الذي يتعرض له العسكريون الانقلابيون، والإهانة التي لحقت بهم وبصورة الجيش التركي عموماً من قبل أردوغان وميلشياته في حزب العدالة والتنمية التي مرغت وجه الجيش بالإهانات والمذلة أمام عدسات الكاميرات على مرأى من العالم أجمع.
من هنا، تتصاعد الرهانات على موقف تركي أكثر عقلانيةً تجاه الأزمة السورية؛ حيث يجمع كثيرون على أن سياسة أردوغان في سوريا كانت أحد أقوى الأسباب في محاولة الانقلاب. وذلك جراء تدخله السافر ومراهنته على إسقاط الأسد ودعمه أكثر المتشددين الإسلامويين راديكاليةً وتطرفاً، ما أدخل تركيا في أتون معركة باتت شوارع بلاده ساحةً لها، سواء عبر التفجيرات المتنقلة في المدن التركية من قبل “داعش” المنفلت من علاقة الحليف الضمني لأردوغان إلى العدو الصريح له. والأهم عبر الحرب المباشرة مع الأكراد في الداخل وخلف الحدود, في ظل سعي حثيث مدعوم أمريكياً لإقامة كونفيدرالية هي أقصى ما كان يخشاه أردوغان.
ومن هنا جاءت التحليلات الكثيرة حول ملابسات الانقلاب التركي, حيث جزم بعضها بأن محاولة الانقلاب ضد أردوغان ما كانت لتحصل لولا وجود ضوء أخضر أمريكي أو إيحاء به في مكان ما.. في المقابل، كان لافتاً جداً الموقف الروسي من الانقلاب في ذروته، حين شدد لافروف على متانة العلاقة مع الحكومة الشرعية برئاسة اردوغان.
إيران هي الأخرى سارعت إلى التنويه بالعلاقة مع الحكومة الشرعية ورفض الانقلاب، ووضعت موقفها هذا في سياق دعمها للحكومات الشرعية وعلى رأسها الحكومة السورية، في غمز واضح من قناة تركيا التي تعادي الحكومة الشرعية في دمشق.
كل هذه المؤشرات قد تدفع الرئيس التركي الى الاستمرار في ما بدأه مع الروس من تقارب وتغيير في الموقف حيال سوريا. ذلك أن رصيد روسيا بعد الانقلاب بات أكبر لدى أردوغان من رصيد حلفائه التقليديين في واشنطن وبروكسل المتهمين بعلاقة ما لهما في الانقلاب حتى يثبت العكس، وخاصةً في ظل التصريحات الأوروبية التي تنهال عليه بخرقه الدستور والإجراءات القانونية في تعاطيه مع الانقلابيين.