نتنياهو الفاتح !
بقلم : عبداللطيف مهنا
“إننا نفتح افريقية أمام اسرايل من جديد”. قالها نتنياهو من عنتيبي الأوغندية مزهواً. كيف لايكون له ذلك وقد خف للقائه فيها ثلة من سبعة حكام لسبعة دول من شرق هذه القارة مرة واحده. وقَّت نتنياهو غزوته الأفريقية هذه مع الذكرى الأربعين لواقعة عملية طائرة مطار عنتيبي الصهيونية التي اختطفها فدائيو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقتل ابانها شقيقه ناثان نتنياهو قائد وحدة متكال الخاصة التي أرسلت لنجدتها، واختار أن يجتمع مع الهابِّين خفافاَ لاستقباله في ذات المطار، لاعطاء فتحه المستجد بعداَ رمزياً، يهدف منه اسطرة تلكم الحادثة وتكريسها بالباسها عنوةً مسوح الحرب على “الأرهاب”، وليفز بأمرين: تكريسه لنفسه فاتحاً عند صهاينته، وتكريس مضيفه موسوفيني له محارباً كونياً للارهاب، ذلك عندما يشهد الأخير دون أن يرمش أو يرف له جفن بأن “إسرائيل ليست جنوب افريفيا”، بمعنى انتفاء كونها عنده كياناً استعمارياً عنصرياً، وأن يزد فيقول: “والنضال الوطني لا يبرر اللجوء إلى الإرهاب”، وهو يعني ادانة المقاومة الفلسطينية للاحتلال، التي يحاربها ضيفه ووصمها بالإرهاب!
الدول الأفريقية السبع، التي شهد زعماؤها السبعة تتويج نتنياهو لنفسه فاتحاً لقارتهم ومحارباً للارهاب في العالم، يشتركن جميعهن في بضع من خصال منها: أنهن الفقيرات اللوتي لايمتلكن ترف مقاومة من يرشوهن، كما لم يكن يوما بالعصيات على من يبتغي شراء الذمم فيهن، ولا على من يلوُّح لهن بجزرة الوساطة مع السخاء الأميركي. يضاف اليه، ونحن هنا نتحدث عن النخب الحاكمة، أن أغلبهن إما الكارهة تاريخياً للعرب، أو المستلبة ثقافياً ونفسيا لمستعمرها السابق، أو المفتونة بالغرب. هذه الخصال من شأنها مجتمعةً أن تشدهن إلى الشرك الصهيوني وأن تدفعهن راضيات مرضيات لتتويج نتنياهو فاتحاً للقارة السمراء ومحارباً لايشق غباره للإرهاب العربي، وكلهن بالمناسبة دول تتحكم في منابع النيل، وإذا ما عددناهن تبيَّن لنا كل ما تقدَّم جليا. إنهن، اوغندا موسيفيني الغني عن الوصف، وتنزانيا التي بات هذا اسمها عقب المذابح التي دبَّرتها لعرب زنجبار، واثيوبيا العداء الدائم للعرب منذ هيلاسيلاسي وحتى زيناوي، وكينيا التي لم تخرج يوماً من الفلك الغربي، حتى في عهد محررها جومو كنياتا، واربعتهن، وبالتعاضد مع الصهاينة والغرب وكنائسه، اسهمن في صناعة خامستهن جنوب السودان باحتضان تمرُّده والعمل على فصله عن شماله العربي، أما ما تبقَّى، رواندا وزامبيا ففوق الحساب والدائرات في ذات الفلك.
هنا تكمن الخطورة وأيضاً مكمن المفارقة. هاته الدول، ومثلها غير قليل في القارة لجهة الاختراق الصهيوني، كن من بين جميع دول القارة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني في العام 1973 تضامناً مع العرب، بينما اليوم هن ومعهن اغلب دولها بتن مشاعاً تسرح وتمرح فيه التجارة الصهيونية في المواد الأولية، واسواقاً لصناعات الكيان العسكرية، ومجالا مفتوحا لمشاريعه الزراعية…اخبر نتنياهو جمع مطار عنتيبي أن “البقرة الإسرائيلية تدر أكبر كمية حليب في العالم”…ناهيك عن التعاون الأمني وتصدير الخبراء والمتخصصين والمستشارين الأمنيين، وحتى الحرَّاس الشخصيين لبعض حكامها…لماذا؟!
انهم العرب، فمن لايكون مع نفسه فمن ذا الذي سيكون معه؟؟!!
لقد نجحت الناصرية، التي رأت في مصر دوراً وريادة في دائرتها العربية، وادركت أن هذا الأمر لا يستقم ولا يكتمل بدون عرى تتصل ولا تنفصم بدائرتين رديفتين هما الافريقية والإسلامية، نجحت في قطع كافة الحبال وفك الحبائل الصهيونية، التي حاولت، ومنذ قيام الكيان الغاصب في فلسطين وبرعاية غربية، الالتفاف على عنق القارة الحديثة العهد بالاستقلال، فكان أن غدت القاهرة في نظر الأفارقة انموذجاً لتوقهم التحرري وملهمةً وملاذاً آمناً له، بيد أن الساداتية بدايةً، ومن بعدها اسقاطاتها العربية المختلفة، قد أسهمت بإدارة ظهرها لأمتها أولاً، وبالتالي لدورها، ومعهما افريقية، أيما اسهام في مساعدة الصهاينة على وصل عرى ما انفك وانقطع بينهم وبين القارة، كما اسهم الضعف والعجز والغياب العربي، وصولاً إلى راهن هذا الانحدار في الواقع العربي، في اطلاق العنان لبراغماتية أفريقية وجدت تحت طائلة العوز والهجران العربي ما سهل عليها الارتماء في أحضان الصهيونية، وبالتالي انتهاز نتنياهو فرصتة لإطلاق صفارة فتوحاته الافريقية من على خشبة مثل هذا المشهد في مطار عنتيبي، والذي سبقه تصويت نيجيريا لصالح رئاسة فاشي من امثال داني دانون رئيساً للجنة قوانين العدالة الدولية!
مشهد عنتيبي سبقته جملة من مؤشرات على فداحة الغيبوبة العربية العامة الطامة، اخيرها لا آخرها تقرير اللجنة الرباعية الدولية لتصفية القضية الفلسطينية، إذ بعد مماطلات وتأجيلات وتعديلات وتشذيبات صهيونية بأقلام أميركية صدر هذا التقرير منتقداً بحياء التهويد ومقابله ادان “العنف” الفلسطيني و”التحريض” عليه، وحمَّل تعاظم قوة المقاومة وصمودها في غزة نصيباً من مسؤولية استمرارية الحصار الإبادي المضروب عليها…وإذ انكرت اللجنة على الفلسطينيين حق مقاومة محتلهم وساوت بين الضحية والجلاد، ماذا كان رد نتنياهو على تقريرها؟!
إنه الإعلان عن جملة من القرارات التهويدية القاضية ببناء ما يصل إلى 1361 وحدة سكنية في القدس وسائر الضفة، واعلانه قبل توجهه إلى عنتيبي: “إننا سنتخذ إجراءات كثيرة، بما فيها إجراءات عدائية لم نتخذها من قبل، منها فرض طوق امني على قضاء الخليل”، كعقاب جماعي لانطلاق العمليات الفدائية الثلاث مؤخراً منه…أما العرب فهم ما زالوا حيث إن لم تك مع نفسك فمن ذا الذي سيكون معك؟؟!!