هل اختلطت طلاسم السحر بمعالم السياسة ؟؟
هل انتحر العقل العربي، واغترب عن وظيفته الطبيعية في التفكير المنطقي السليم، وانتسب الى عالم السحر والجن والتنجيم وباقي سلالة الخرافات والغيبيات ؟؟
سؤال عسير بات يتردد في سائر ارجاء العالم العربي، بعدما ارتوى الآلاف من شُبّانه، على يد داعش واخواتها، من ”نهر الجنون” طوال السنوات الخمسة الماضية.. غير ان هذا السؤال الحائر والمحير ما لبث ان طرح نفسه مؤخراً على الساحة الاردنية التي تشهد هذا الاوان رواجاً لاعمال السحر والتبصير والتعزيم وقراءة الطالع وفك العقد والاستعانة بالجن والعرافين.
فقد تداولت صالونات عمان السياسية، خلال سهراتها الرمضانية، سلة اخبار وحكايات حول اقبال شرائح من مختلف الطبقات الدنيا والوسطى والعليا على كتب السحر والتنجيم عبر الشبكة الالكترونية، وتهافتهم على اوكار السحرة والعرافين داخل البلاد وخارجها، وتحديداً في مدينة مراكش المغربية المعروفة عالمياً بالمهارة في تجارة السحر وقراءة الطالع واستدعاء الجن لقضاء حاجات الزبائن.
وتقول هذه الصالونات، ان اعداداً لا بأس بها من الطبقة السياسية تتردد حالياً على مراكز السحرة والعرافين في مراكش، شأنها في ذلك شأن بعض الساسة الامريكان والاوروبيين الذين يقصدون تلك المدينة المغربية لذات الاهداف.
وتروي صالونات عمان حكايات غريبة عن بعض كبار الساسة الاردنيين الذين يؤمنون بقوة السحر في رسم خط حياتهم، ومساعدتهم على نيل مبتغياتهم في المناصب والمكاسب، زاعمين ان لجوءهم الى السحرة والمنجمين قد جلب لهم الحظ الوافر والتوفيق في اعمالهم، وازالة العُقد والعقبات التي كانت تعترض سبل نجاحهم.
وتفيد هذه الصالونات ان هذه الظاهرة الغريبة قد انتقلت الى الساسة والمسؤولين الاردنيين من لدن امثالهم من الامراء والشيوخ والساسة السعوديين خاصة، والخليجيين عامة، الذين دأبوا منذ القدم على الاستنجاد بالسحرة والبصارين كلما المت بهم المحق والازمات، كما اعتادوا على السفر الى المغرب لمشاورة السحرة العرب واليهود هناك، واستطلاع ارائهم سلفاً فيما يتعرضون له او يعتزمون القيام به.
المؤسف ان ظاهرة الاقبال على قراءة كتب السحر، ومراجعة اوكار السحرة، لا تقتصر على بلد عربي دون الاخر، فالوطن العربي الذي يمر حالياً بظروف صعبة، شهد مؤخراً موجة من التهافت على كتب السحر المعروفة، مثل كتاب شمس المعارف الكبرى للبوني، وكتاب السحر الاحمر لسيد الطوخي، حيث انتشر الكتاب الاول (شمس المعارف) بين الناس عموماً والشباب العرب خصوصاً بعد زيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فيما كان قبل ذلك يتم تداوله في السر، ولكن مع موجة الصفحات الإلكترونية التي تُساعد على اختيار الكُتب المرغوبة جرى ترويج هذا الكتاب لاغراء الشباب على دخول عالم السحر والجن، فكل شاب يُريد أن يُثبت لأصدقائه أنه خبير بهذه الأمور، ما عليه الا ذِكر هذا الكتاب في حديثه.
لقد اشتهر كتاب ”شمس المعارف الكبرى” لأحمد بن علي البوني من خلال زعم العديد من الناس أنه يساعد في تحضير الجن واستخدام السحر في العديد من الأمور، ومن كثرة الإقبال على هذا الكتاب ارتفع ثمنه الى ارقام باهظة، وبعد صدور فتوى تحريم قراءته التي تزامنت مع منع نشره وتداوله، ازداد الطلب عليه وشغف القراء في شرائه واقتنائه.
اما الكتاب الثاني (السحر الاحمر) فقد انتشر بصورة بالغة خلال فترة من الفترات، خصوصاً فترة ما قبل مواقع التواصل الاجتماعي، ويتضح من الاسم أنه يهدف إلى تعليم السحر للعامة، الذي يساعد بدوره – كما يقول المؤلف – في تسخير الجن وحل العُقد، فالكتاب من تأليف سيد الطوخي الذي كَتب العديد من المؤلفات التي تنتمي لنفس المجال، منها سحر هاروت وماروت في الألعاب السحرية، مدهش الألباب في أسرار الحروف وعجائب الحساب، أحكام الحكيم في علم التنجيم.
شُهرة الكاتب الطوخي في هذا المجال، ضاعفت تداول الكتاب بين الناس بصورة جنونية سراً، ولكن تم نسيان الكتاب بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وطفا على السطح كتاب شمس المعارف فقط.
ويبدو أن فكرة الاتكال على قوى خارقة وغيبية لخِدمة البشر ضُعاف الشخصية قد أصبحت فكرة مُستساغة لدى العديد من المحبطين والمهمشين في عالمنا العربي، فكتاب ”اللؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجان” كما هو واضح من الاسم يدور حول هذه الفكرة الخيالية التي لا يصدقها اي عقل سليم، فالكتاب يحتوي على عزائم وطلاسم تحل المشاكل المُعقدة، بجانب تقديم طُرق تسخير الجن للقارئ بشكل مبسط.
ومن أشهر كتب السحر والسحرة التي يجري تداولها هذا الاوان: تسخير الجان لمنفعة الإنسان.. تسخير الشياطين في وصال العاشقين.. ومرشد الإنسان إلى رؤية الجان.
وبعد انتشار كُتب تسخير الجن، والسيطرة على كل القُوى في هذا الكون، لم يتبق لدى مهابيل الخرافات والغيبيات سوى كتب معرفة المستقبل والتكهُن به، فقد اصدر سيد الطوخي مؤلف كتاب السحر الأحمر السابق ذكره كتاب ”البيان في علم الكوتشينة والفنجان” بدعوى تعليم الناس علم قراءة الكوتشينة والفنجان، ونظراً لخبرة سيد الطوخي في فبركة مثل هذه الكتب، أصبح هذا الكتاب مرجعاً موثوقاً بالنسبة لعاشقي القراءة في هذا المجال، ومع انتشار المتخصصين، او بالاحرى الدجالين في ميدان التنجيم وقراءة البخت والطالع، فقد زاد الاهتمام بمثل هذه الأمور بين مختلف القطاعات والمجتمعات العربية التي تهرب الى الاوهام بحثاً عن معالم مستقبلها المجهول !!