مطلوب مضاعفة الجهود لتوفير الحلول المناسبة لمشكلة الطلاق

معروف منذ القدم ان ابغض الحلال عند الله الطلاق، فهو مرفوض بوجه عام على الصعيدين الديني والدنيوي، الا في اضيق الحدود، وحين يصبح ضرورة ملحة بعد استحالة العيش المشترك بمودة ورحمة، وذلك لانقاذ احد الطرفين او كليهما، وايضاً انقاذ الابناٌّء- في حالة وجودهم- من جحيم المشاكل والشجارات اللامتناهية بين الابوين، وهو ما يؤثر سلباً على الحالة النفسية والتكوين الخلقي لهؤلاء الابناء.
ومن المتعارف عليه ان الطلاق يتم عادة بعد فترة لا بأس بها من الزمن، اي بعد محاولة التعايش بطرق واساليب متعددة، عسى ان يتم التوصل لحل هذه الخلافات وتجاوزها، والا فالانفصال هو الحل، او هو – في الحقيقة – اهون الشرين.
راهناً، بتنا نرى حالات مستعجلة من الطلاق بعد زواج لم يتجاوز الاشهر احياناً.. وهذه ظاهرة مرعبة، لانها تعبر عن خلل ما في نظرة الشباب من الجنسين لبعضهما ولطبيعة العلاقة التي تقوم على اساسها مؤسسة الزواج، اضافة الى انها تخلخل بنية المج تمع بسبب ما تتركه من آثار اجتماعية تطال الجميع، فالطلاق صدمة تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية للمطلقين حيث تتغير مكانتهما الاجتماعية، وكذلك نظرة الناس لهما وبما قد يفقدهما – المطلق والمطلقة- الكثير من اصدقائهما ويعانيان الوحدة، ويتحملان اللوم وتبعات الفشل في الحياة الزوجية، ناهيك عن الشك والريبة في سلوك احدهما او كليهما، ما يجعلهما يعيشان على هامش الحياة الاجتماعية.
ففي دراسة احصائية صدرت قبل نحو اسبوعين عن دائرة الافتاء تم الكشف عن تسجيل 14362 حالة طلاق ”واقع” خلال العام الماضي، مقابل 18739 طلاق ”غير واقع” خلال نفس الفترة.
ويعرف الطلاق ”الواقع” بانه الطلاق الصادر عن الزوج وهو واع مدرك لما يصدر عنه من تصرفات قولية وفعلية مختاراً غير مكره، وذلك انسجاماً مع نص المادة 80 من قانون الاحوال الشخصية الاردني الذي يقول : ”يكون الزوج اهلاً للطلاق اذا كان مكلفاً واعياً مختارا”.
وهنا نلاحظ ان القانون قد اضاف شرط التكليف، وهو ان يكون الزوج واعياً مدركاً لما يصدر عنه من تصرفات قولية وفعلية، وان يكون مختاراً غير مكره.
اما الطلاق ”غير الواقع” فهو الصادر عن الشخص السكران والمدهوش والمكره والمعتوه والمغمى عليه والنائم، وهو ما نصت عليه المادة 86 من قانون الاحوال الشخصية التي بيّنت انه لا يقع طلاق السكران ولا المدهوش ولا المكروه ولا المعتوه ولا المغمى عليه ولا النائم.
ويعرف الشخص المدهوش بانه ذاك الذي غلب عليه الخلل في اقواله وافعاله نتيجة غضب او غيره، بحيث يخرجه عن عاداته.
اما ما يلفت الانتباه فهو موضوع التباين في الارقام والاحصائيات بين كل من دائرة الافتاء ودائرة قاضي القضاة، حيث سبق ان صدرت في النصف الثاني من العام الماضي احصائية عن دائرة الافتاء العام في البلاد اشارت الى وقوع 37615 حالة طلاق خلال السنوات الثلاث الاخيرة ((2014 ,2013,2012.
وبحسب هذه الاحصائية فان مجموع حالات الطلاق الواقعة عام 2012 بلغ 11078، ووصلت عام 2013 الى 12602 حالة، فيما بلغت 13935 حالة طلاق عام 2014.
مقابل ذلك اظهرت الاحصاءات الصادرة عن دائرة قاضي القضاة تبايناً في عدد الحالات، حيث بينت ان اجمالي حالات الطلاق لعام 2010 بلغ 4883 حالة، اما عام 2011 فقد بلغ 3727 حالة، وفي عام 2012 بلغ 4800 حالة، وفي عام 2013 بلغ 2479 حالة، وفي عام 2014 بلغ 3810 حالات.
وقد تم تبرير هذا التباين في الارقام بين دائرتي الافتاء العام وقاضي القضاة بالقول ان الاولى قد يحصل منها المستفتون على فتوى الرجوع عن الطلاق، اما الثانية فهي تقوم بالفصل النهائي في وقوع الطلاق.
كما اظهرت احصائيات دائرة قاضي القضاة ان 3787 زوجة اردنية خلعن ازواجهن خلال السنوات الخمس الاخيرة، وذلك بعد تعديل قانون الاحوال الشخصية لعام 2011، مبينة هذه الدائرة ان العام الماضي قد سجل ارتفاعاً ملحوظاً في اعداد هذه القضايا، حيث ارتفع عدد الاردنيات اللواتي رفعن دعاوى خلع ضد ازواجهن الى 589 امرأة، بعدما كان عددهن 392 امرأة عام 2014.
واظهرت الاحصائيات ان العمانيات هن اكثر النساء خلعاً لازواجهن، ما يعكس قوة شخصيتهن في تقرير مصير حياتهن الزوجية، ناهيك عن ارتفاع امكانياتهن المالية التي تمكنهن من اتخاذ قرار خلع ازواجهن دون تردد بعد ان يُعدن اليهم حقوقهم المالية التي قاموا بدفعها عند عقد القران.
وقد بلغ عدد هؤلاء النسوة المقيمات في حدود محافظة العاصمة، واللواتي رفعن دعاوى خلع العام الماضي 435 عمانية، بينما سجلت باقي محافظات المملكة 253 قضية، منها 120 لزوجات زرقاويات، و137 لزوجات اربديات، فيما تبين ان نساء محافظتي عجلون وجرش هن اكثر نساء الاردن تمسكاً بالحياة الزوجية، اذ لم تسجل المحافظتان اي حالة خلع خلال الفترة المذكورة.
كما كشفت الاحصائيات عن تسجيل589 قضية خلع خلال العام الماضي، اضيف اليها 76 قضية كانت قد سُجلت عام 2014 ولم يصدر بها قرار، حيث تم تأجيل القرار الى العام اللاحق 2015، لتصبح اعداد الدعاوى التي نظرتها المحاكم الشرعية العام الماضي 665 قضية، وفصلت المحاكم في 250 منها فقط، فيما جرى اسقاط 263 قضية، وتم تأجيل او تدوير 152 قضية للنظر فيها خلال العام الجاري.
وهكذا تشير الاحصائيات الى ان عام 2011 كان الاقل من حيث تسجيل دعاوى الخلع، بينما كان العام الماضي هو الاعلى تسجيلاً، ويليه عام 2014، والذي سجل 526 دعوى، ثم عام 2013، والذي سجلت فيه 505 دعاوى.
في ذات السياق، اشار تقرير صدر عن دائرة الاحوال المدنية عام 2013 الى ان الازواج العشرينيين المطلقين هم الاعلى نسبة بين المطلقين من كافة الفئات العمرية، وان نصف المطلقات تقريباً من هذه الفئة، حيث ان اكثر حالات الطلاق التي وقعت عام 2012 كانت لازواج تتراوح اعمارهم ما بين 25 و29 عاماً، وبنسبة بلغت %25,9، فيما سن الزوجة ما بين 20 و24 عاماً، وبنسبة %28,4.
وجاء في المرتبة الثانية- بخصوص سن الزواج عند الطلاق- الفئة العمرية بين 20 و24 عاماً، وبنسبة %11، بينما يتراوح سن الزوجة ما بين 25 و29 عاماً، وبنسبة %21,3.
وخلص التقرير الى القول – بناء على النسب التي ذكرها- ان نسبة الطلاق عند الرجل في الاردن عندما يكون ضمن الفئة العمرية ما بين 20 و29 عاماً بلغت %36,9، ولدىٌّ الزوجة في هذه الفئة العمرية بلغت %49,7، اي ان نحو نصف المطلقات عام 2012 كن في العشرينات من اعمارهن، وان 3916 فتاة عشرينية تطلقن في ذات العام، وان 2910 شباب في العشرينيات من اعمارهم قد اقدموا على تطليق زوجاتهم في ذات الفترة.
وبحسب دراسة لدائرة الافتاء رصدت فيها اسباب الطلاق خلال الاشهر الخمسة الاخيرة من عام 2014، احتل الطلاق بسبب تهديد الزوج لزوجته المرتبة الاولى، مبينة ان الحلف بالطلاق ظاهرة يستخدمها الازواج، معرضين بذلك اسرهم للانهيار والعلاقة الزوجية للانفصال.
وقد احتل المرتبة الثانية من هذه الاسباب، عنصر عدم التسامح واظهار اللطف والمودة بين الزوجين، وفي المرتبة الثالثة جاء تدخل الاهل والاقارب، وفي المرتبة الرابعة عدم الالتزام الديني، وفي المرتبة الخامسة عدم استماع كل من الزوجين للآخر، وفي المرتبة السادسة عدم تحمل مسؤولية البيت والاولاد، وحلت الامكانيات المادية في المرتبة السابعة، وحلت في المرتبة الثامنة الغيرة وعدم الثقة بين الزوجين.
وحسب الدراسة ايضاً فانه تم تسجيل 57 حالة طلاق بسبب الخيانة الزوجية، و15 حالة بسبب وسائل الاتصال الحديثة (هاتف نقال، انترنت، تلفزيون)، في حين آثر 175 شخصاً عدم ذكر السبب الحقيقي للطلاق.
خلاصة القول.. ان انتشار ظاهرة الطلاق يؤثر على المجتمعات بفعل النتائج التي تنجم عنه، وعلينا كمجتمع ودولةان نتكاتف في البحث عن الاسباب والحلول التي من شأنها محاصرة هذه الظاهرة، وتعزيز الترابط بين افراد الاسرة الواحدة لحمايتها من التفكك والضياع !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى