فالس يعود بخُفّْي الحمدلله!
بقلم : عبد اللطيف مهنا
رغم مآلها، الذي ما كان من غير المتوقع سلفاً، لازال الفرنسيون يحدِّثون العالم عن مبادرتهم الموؤدة. ويصرُّون على تمسِّكهم بأهداب مؤتمرها الدولي المقترح باعتباره المتكفِّل بمحاولة تخليص البسيطة من حكاية المسألة الفلسطينية لو قيِّد لهم عقده. والمفارقة أنهم أيضاً ليسوا من بين المتفاجئين بمثل هذا المآل، إذ أنهم كانوا يدركون سلفاً كسواهم، وقبل ارسالهم لوزير خارجيتهم، ثم لاحقاً رئيس وزرائهم، أنها مرفوضة قطعاً من اسرائيلهم، وهذه لم تألو جهداَ في إيضاح ذلك مقدَّماً لهم ولسواهم، ويعلمون أنه لن يجدي مبادرتهم نفعاً ترحيب رام الله بها وحماستها لها، حتى قبل إعلانها واتضاح مضمونها، ولا موفور الدعوات الصالحات من قبل معشر الأطراف التسووية العربية…لم تكتف رام الله الملتاثة تسووياً بالترحيب والحماسة، بل علَّق اوسلويوها على مذبحها كل عدة شغلهم المعهودة تسهيلاً منهم لأمرها وانتظاراً لخلَّبي بروقها. اجَّلوا مشروع شكواهم العتيدة لمجلس الأمن حول التهويد المستفحل والمستعمرات المتضخمة، ووضعوا جانباً حدوثة ازماعهم التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية، ومعها مقولة نيَّتهم دعوة مجلس الأمن لحماية الشعب الفلسطيني.
والآن، وقد عاد فالس من حجيجه للكيان خالي الوفاض، إلا من التزام الحمدلله بمبادرته المرفوضة، محدداً في نفس الوقت موعداً لمؤتمره المقترح هو الثالث من الشهر الآتي، فلسوف تكثر في ديارنا التكهنات وتُستحب التأويلات لسر تمسُّك الفرنسيين بجدث مبادرتهم الفقيدة، وفي غموض ذلك التمسُّك، لسوف يجد الحمدلله واوسلويوه في رام الله ومساندوهم من معشر العرب ما سيدفعهم للمزيد من التعلق بقشتها وإن فشلت والتعلل بأوهامها وإن انقشعت.
في تعقيبه الغاضب على تصويت صديقته التاريخية فرنسا لصالح قرار اليونيسكو بشأن الأقصى، لم يجد نتنياهو في جعبته عبارة الطف وقعاَ من قوله “إن فرنسا لاتخجل من نفسها”، وبالنظر إلى سرعة تبدل المواقف الفرنسية التي أعقبت ردة الفعل الصهيونية التي لخصتها هذه العبارة النتنياهوية، ومعها مجمل المواقف الفرنسية التي رافقت مآلات المبادرة منذ بداياتها وحتى عودة فالس الخائبة، قد لا نجد ما هو افضل لتوصيفها، أو ادق، من استعارة عبارته هذه، لكن لتدليل على ماهو غير ما قصده صاحبها، لاسيما وإننا قد شهدنا سلسلةً من التراجعات الفرنسية المتلاحقة في كل من التصويت والمبادرة تزلفا لنتنياهو واسترضاءً له دون جدوى، وصولاً إلى ابداء الندم على خطيئة التصويت، ومسخ المبادرة شيئاً فشيئاً بتراجعات تنقِّيها من كل ما يوحي بتعارض ما مع جوهر الاستراتيجية الصهيونية أو يخرج عنها، أو تكيِّفها قدر الإمكان مع ما قد يرضي نتنياهو عنها. ومع هذا رُفضت.
بشأن التصويت سارع الفرنسيون للقول أنهم لم يصوتوا لقناعة منهم، وانما كانت محاولةً منهم لإغراء الفلسطينيين وجرِّهم لحضور مؤتمرهم الدولي المقترح، ووصف رئيس الوزراء فالس قرار اليونيسكو بالبائس والذي كان يجب عدم اقراره، ولاحقاً ابغ وزير الخارجية ايرلوت نتنياهو بأن خطأ التصويت الفرنسي هذا نابع عن سوء فهم “ويتعهَّد شخصياً بأن لايتكرر”، وتفانى الزائر توددا فكرر جوهر ذات اللازمة الغربية التليدة، لقد ” جئت برسالة واضحة. الصداقة مع إسرائيل دوماً في قلبي”، كما وليست في قلبه وحده بل إن “امن إسرائيل في قلب اهتمامات فرنسا”…هذا ما يتعلق بزلة التصويت غير المغفورة في اليونيسكو ، فماذا عن التراجعات الي شهدتها هذه المبادرة، التي كل ما تهدف اليه اصلاً هو انقاذ أوسلو حرصاً على مصلحة المحتلين، بتحسين شروط وجود واستمرارية سلطتها في ظل احتلالهم، لاسيما وقد تحوَّلت موضوعياً إلى مجرَّد ذراع أمني في خدمتهم؟
بادىء ذي بدء تراجعت فرنسا عن ازماعها طرح مقترح قرار في مجلس الأمن بشأن المؤتمر المنوي، مرجئةً ذلك إلى ما بعد ما دعته التوافق الإقليمي الدولي عليه قبل طرحه على المجلس. وكذا تنازلت عن الجدول الزمني لإنهاء المفاوضات التي كانت تنص عليها المبادرة. كما تخلَّت عن وعدها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا فشلت مبادرتها. هذا دون أن ننسى أن مشروع قرارها المقترح يتضمن اعترافاً بيهودية الكيان الصهيوني، وإنها، أما وقد ندمت على خطيئة تصويتها لصالح قرار اليونيسكو ، فقد وعدت بتصحيح ما اقترفته في التصويت القادم.
وإذ عاد فالس من زيارته الترويجية لفلسطين المحتلة بخفي الحمدلله، فلعل عزاؤه أن نتنياهو، الذي رفض مبادرته جملةً وتفصيلاً، قد ابدى استعداده للجلوس وحيداً مع أبو مازن في ضيافة باريس، وأن لا مانع لديه من تسمية استضافتها لهما بالمبادرة الفرنسية!
قبل عودته خائباً، وابان استقبال الحمدلله له في رام الله، تذكَّر الأخير أن “22 عاماً من المفاوضات لم تؤدي إلى شيء مع الإسرائيليين”، لذا اكمل “لانريد هذه المرة أن يفلت نتنياهو من الأسرة الدولية”…كيف؟! يجيب: إن “على الأسرة الدولية أن تمارس الضغوط عليه حتى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة”!
…بينما نتنياهو يستبدل وزير حربه يعلون، صاحب نظرية “كي الوعي الفلسطيني” بلبرمان، صاحب فكرة تدمير السد العالي في مصر وتحويل قطاع غزة ملعباَ لكرة القدم، ويحل حاخام هدم الأقصى يهودا غليك عضواً في الكنيست خلفاً للمستقيل يعلون، تغيب عن الحمدلله أن ال22 عاماً من المفاوضات التي لم تؤدي إلى شيء قد سبقتها ووازتها سبعون عاماَ من المراهنة البائسة على مجتمعه الدولي…