نموذجان في النظام العربي “الحاكم” يطرحان تخيلات واوهام
بقلم : محمد شريف الجيوسي
من غرائب الأمور في منطقتنا العربية، أن بعض القيادات ممن عُلّقت عليها بعض آمال، نراها اليوم تتداعى إختيارا، وتتجه نحو (الإنتحار الوطني السياسي) تصر على تجريب المجرّب بعد نحو عقدين ونيّف من المفاوضات العبثية مع الكيان الصهيوني والعروض والجوائز التشجيعية المجانية التي قدمت لهذا الكيان ليقبل بحل سياسي ، من مبادرة عربية مغرية جرى تحسينها ، ومبادرة أممية دولية ( حل الدولتين ) والتزام رسمي فلسطيني بعدم رفع السلاح في وجه إسرائيل ، واختتم بتهدئة منفردة مع غزة .
وفي عالمنا نجد وزراء خارج التاريخ والواقع و( التغطية ) لا يرون ؛ لا يسمعون ، لا يستوعبون ما يجري حولهم من تحولات ، وما ينتظر بلادهم من مخاطر وويلات في حال بقيت الرؤية كحالها الآن في بلاده ، يصرون على انفاق ما يكتنزون من ثروات في الباطل ، ولأجل إقامة الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية وإنصاف (السنة) في العراق ، فيما شعوبهم أعوز الناس وأفقرهم للديمقراطية وحقوق الإنسان والإنصاف .. بل ويريدون تغيير رئيس دولة عربية خارج عن طوعهم ، ودون إرادة شعبه المعني الوحيد بذلك .
لقد كانت إزاحة أخونيي مصر بناء لإرادة شعبها، إنجازا هو محل تقدير ، ولكن السعي لتجريب مجرب لأكثر من 20 سنة ، واعتبار ذلك قد يحقق إنجازا ، يفوق ( إنجاز ) كامب ديفيد ، التي هي بذاتها شكلت كارثة على مصر والقضية الفلسطينية والأمة ،وغير ذلك من توجهات وممارسات ، وعدم إعادة سفير سورية إلى القاهرة ؛ التي كاد “العياط” يورط جيش مصر في حرب عليها ، جعل المسافة بين السابق واللاحق محدودة جداً ، بخاصة عندما يخاطب السابق رئيس الكيان الصهيوني بـ ( صديقي العظيم ) ويعمل على التوصل لتهدئة ( إسرائيلية ) غزية فقط في معزل عن التنسيق مع الضفة مكرسا بذلك الإنقسام ، وعندما يسعى الثاني لـ ( كامب ديفيد فلسطينية جديدة ) كأنما الامة العربية في حاجة لكوارث جديدة .
وهنا لا ينبغي أن يُفهم أن ما دأبت عليه العصابات الإرهابية ضد مصر وجيشها عملا مقبولاً بأي حال، فهذه العصابات مجتمعة ومنفردة تعمل باوامر عمليات أمريكية غربية صهيونية رجعية عربية وعثمانية جديدة ، لتقويض الجيوش الوطنية العربية واحداً بعد آخر ، وإن قَصَرَتْ هذه العصابات حروبها الآن على سورية والعراق واليمن وليببا ومصر، وفي تونس والجزائر إلى حدٍ ما .. إلا أن التحالف الأمريكي الأوروبي الغربي الصهيوني سيتوجه بعد استكمال أي إنجاز إلى بقية الدول، حتى منها تلك المشاركة في الحرب على الدول آنفة الذكر ، بل بدأت بعض مؤشرات ذلك قبل إنجازها .
لقد استوعبت الدول العربية المستهدفة في جيوشها بخاصة، وفي مقدراتها وأنظمتها وقياداتها ، الحرب التي تشن عليها ، بمعنى أنها آخذة على التأقلم مع هذا الواقع ، ولم يستطع ( فيروس الحرب ) أن يفتك بها رغم كل الدمار والخسائر ، وأصبحت على قدر من المناعة الذاتية الكافية لإحباط مقتضيات وجوب الحرب من وجهة من عملوا على إشعالها ، والخروج منها قوية ، برؤى جديدة سياسية واقتصادية وثقافية وتربوية ومجتمعية .
لكن السؤال ، كيف سيواجه من أسهموا في صناعة الحرب من الرجعيتين العربية والعثمانية ، عندما تتوجه السهام إليهم ، ويعود من لم ( يفطس ) من إرهابييهم وإرهابيين جلبوهم من بقاع الأرض الأربع ، تغريرا وإغراء بالمال وجهاد النكاح والحوريات .. وقد استنفذوا سلفاً أجزاء مهمة من الأرصدة ، واستعدوا أطيافا من ( شعوبهم والوافدين ) عليهم بما مارسوا من فوقية واستغلال واضطهاد وتمييز ، فضلا عما يعتور ( عظام رقابهم ) من اختلافات خافية وظاهرة ، تنخر في أساساتهم (..) وبما فرضوا على دول فقيرة عربية ومن العالم الثالث من ضغوط واشتراطات سياسية.
أضحك كثيراً عندما (يشترط) ذاك الوزير الغضنفر، رحيل هذا الرئيس أو ذاك من موقعه دون إعتبار أن هذا فقط وحصراً، من حق شعب ذاك الرئيس، أين يعيش هذا، ألا يدرك أنه يثير سخرية من يسمعه، وهل هو يملك قرار نفسه لكي يشترط هذا الأمر أو ذلك ،أي جهل وأي غباء يحمله ذاك الوزير،عندما يطلب ذلك ، ومن قد يماثله ، ألا يستوعب أن الشعب السوري عندما يطالبه من في الخارج ( أمثال السيد الوزير ) بترحيل رئيسه ، يصبح أكثر تمسكاً وحباً وولاء لنظامه ورئيسه ، حتى لو كانت له من الملاحظات ما يجعل البحر كتلة زبد .
انموذحان عربيان ، كأنما هما خارج التاريخ والواقع والمستقبل ، لا بد أننا سنشهد كوارث جديدة ، ان كانا في موضع القدرة على تنفيذ (رؤاهما) أو كان هناك من هو مكلف وقادر على تنفيذها ، لكنني أرجح أنهما أعجز من ان تتوفر لهما القدرة ( أو من يدفعهما ) على إنجاح ما يطرحان من تخيلات وأوهام.