خواطر من صيد الخاطر !!

بقلم : اسماعيل ابو البندورة

تنطفيء المجتمعات عندما يعم الظلام والظلامية وتغيب الرؤية والرؤيا الاستراتيجية السديدة وتتقدم الأفكار اللقيطة والشريدة .. وتهبط الثقافة المجتمعية والعامة إلى الدرك الأدنى .. ويستقيل العقل أو يغتال .. ويصبح الانسان في حالة إنشداه وذهول كأن قيامته على الأبواب .. ويحول الانسداد الموحش الأعشى بينه وبين الاختراق والنفاذ والخلاص فيصبح بلا حول أو طول .. وتفشو بين الناس الارتدادات والخزعبلات وينحصر العلم والمعرفة في المغلق من القاعات ولا يكاد يطلق في أوج مراميه وتطلعاته إلا الترهات والتعميات والعماءات .. ويستولد ويفرخ أشباه المثقفين والمتعلمين الذين بدورهم يعيدون انتاج الضلالات والمنكر والفاسد من الأفكار والهذيانات والتجليات .

وفي هذا الفضاء من الغرائب والمعجبات لا يتمظهر ويتجلى إلا بؤس الوجود والنكوص وموت النفوس  إذ تغدو هذه تائهة مبتورة  لا يربطها رابط ولا يسعفها ضابط ، ويشتد البلاء وتتعاظم الرزايا عندما تتحول الأنفس والمجتمعات إلى حوزات متناحرة متقاتلة ودوائر قهرية ومقهورة فتتشابه القضايا على العقل السليم ويتوه في الصغير والمبتذل من المعارك والأدنى والمتدلي من المدارك .

نكتب بأسى وتبرم وملامة تعجباً على منوال المقامة وكأننا نكتب ونحيا هذا العصر  في خسر وعجب دائم وندامة وحيث تمتد أمامنا ومن حولنا وفي مرحلتنا قارعات ومتاهات وآفاق قيامة .

أنقول ياويحنا من الهذر واللوذ بالسجع والإطناب والبيان و ضيق وهزالة العبارة في زمن الجد والنكد والكبد والقهر ، ألم يكن الشطح والأفكار الشاردة طامة كبرى وجائحة لا مثيل لها في الأحوال الغابرة والحاضرة ،  وكيف يكون أمرنا وحالنا ونحن في هذا الفيض من الانطواء والهبوط والتسطيح والتشوش والاضطراب ، ألآ نسأل الصحف والأمم الأولى عن هذه السيولة وهذا الهوان والخنى ؟ ألا نسأل ونقلق فنبدأ ونستريح ، ونقول أين ولأي أسباب تكالبت علينا الأمم وكيف قتلتنا الردّة وذهبت ريحنا في مهب هذا الريح ؟

ألا تتراكم أمامنا المقتلات والمعجبات  فنؤوّلها زللاً وبهتاناً وفسادا تأويلات شتى مع أن تأويل الواضحات من الفاضحات كما كانت تقول العرب؟ وما الذي يبقى في القلب والعقل وهو مترع بهذا التيه والاختلاط من أسى وملاحظات ومدونات ؟  ألسنا على تلك الحافات والهاويات نرى الشرّ المستطير ولا نلوي على أمر أو فعل وكأن عقولنا وأيدينا قد شلّت أمام  المصيبة التي قد  دنت وتدلت وطغت اهوالها حتى غاصت الركب والأعناق والهامات وغدونا بلا مخرج من هذا المحاق ومرارة مرأى موت العرب غرقاً في البحار وعوم الأبرياء والجثث على شواطيء الأنهار .. أنقول يا ويلنا من هذا التبلّد والبرود ونقص المناعة وشحة المروءة  .. أنقول يا ويلنا وقد بتنا في ضيعة وخسران لا نعرف كيف  وعلى من نحزن ونذرف الدمع أمام سيول الدم المبذولة بلا قيمة وحساب ، هل زاغت العيون ووجفت القلوب فلا نبض ولا دقّ ولا دم في العروق ؟ هل أصبحنا في حضرة غياب وتحديق في العدم ؟

وهل أصبحنا خارج السرب والتاريخ نحلق في فضاءات مضببة مسدودة ونقرأ ما بهت وتفوّت من أساطير الأولين ؟ وإلام هذا الوجع والفاجع أمام الأسى المحدق والدم المنهمر ؟ وإلام هذا النوم الطويل المديد والبكاء على الأطلال .. أطلالنا ونحن ندب في الأرض وندرج على دروب الانطفاء والعدم !!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى