” وكل دروب الحُبّ توصل إلى حلب”
بقلم : إنصاف قلعجي
فلا عجب يا حلب..
هي الحرب الأخيرة، وهي الحاسمة، وهي التي ستكنس شراذم الإرهابيين وتطهر سورية الحبيبة من رجسهم، وهي التي ستكسر شوكة كل الذين تآمروا على سورية منذ أكثر من خمس سنوات. وسيأتي اليوم القريب الذي سنتفرج فيه على الإرهاب يرتد على كل المتآمرين وخاصة معارضة الخمس نجوم. فكيف، أتساءل، يخون الإنسان وطنه، وكيف يخون هذا الوطن في عز الحروب العدوانية عليه، ويقتل الشعب، وتحرق دور العبادة وتدمر المستشفيات والكليات الجامعية والدور السكنية والشوارع والمتاحف والآثار، من أجل ماذا؟ هل هناك من يجيب لماذا..
ويزول العجب يا حلب، ونحن نقرأ التاريخ. فحلب من أقدم مدن التاريخ، فهي مدينة عريقة يعود تأسيسها إلى أكثر من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، وتعرضت عبر تاريخها إلى غزوات همجية كثيرة، أشدها فتكا كانت على يد المغول والسلاجقة والأتراك ثم خلال الحملات الصليبية التي اجتاحت حلب عام 1108 . وقد شهدت حلب ازدهارا كبيرا في العهد الإسلامي على كافة المستويات الفكرية والاقتصادية والحضارية والثقافية وخاصة عندما أصبحت عاصمة للحمدانيين، وقد أولى سيف الدولة عناية فائقة في جعل حلب عاصمة للفن والشعراء والأدباء حتى يقول المتنبي:
كلما رحّبتْ بنا الروضُ قلنا حلبٌ قصدنا وأنتِ السبيلُ
ويقول المعري:
حلبٌ للوارد جنة عدْن وهي للغادرين نار سعيرُ
وتمضي حلب في مقاومتها ضد الغزاة من الصليبيين والأتراك والفرنسيين، وكلما اشتدت فظائعهم، كانت حلب تنهض من تحت الدمار بهية، تواصل المقاومة لتطرد كل الذين تآمروا عليها عبر التاريخ. وآخر المتآمرين هم داعش وأخواتها، أدوات الاستعمار الجديد من عرب وصهاينة وغربيين وبالطبع معهم تركيا التي ما تزال تحلم بإمبراطورية عثمانية جديدة.
تعرضت حلب عبر تاريخها لزلزالين مدمرين عامي 1822و1830، زار بعدها حلب الشاعر الفرنسي لامارتين وأطلق عليها اسم أثينا الآسيوية. وآخر هذه الزلازل هو المؤامرة من العالم الإرهابي عليها للقضاء على حضارتها العريقة، وضرب آخر معقل للمقاومة ضد الكيان الصهيوني.
يقول الشاعر السوري هادي دانيال من قصيدة بعنوان( دَمُنا على أَيْدِي “بَني زيد”):
لا أحَدٌ يَغْضَبٌ ياحَلَبْ
فَمْنذُ بَغْدادَ وَحمْصَ وُئدَ الغَضَبْ
لا لَهَبٌ بَعْدُ وأَعْظَمُ الجِّمارِ في قَيْلُولَةٍ طَويلَةٍ
وبالرَّمادِ دُثِّرَتْ
وحَاصَرَتْ أبا مُحَسَّدٍ قافِلَةٌ تَنْبَحُ مِن حُنْجُرَةِ الكَلَبْ
وَسَيْف الدَّوْلَةِ الآنَ سَجينُ غمْدِهِ يُهَيِّئُ الخُطَبْ؟!
أمْ أنَّ غمْدَهُ
صَدْرُ الذي غَزا
وَظَهْرُ مَنْ هَرَبْ؟
ماهَمَّنا أنَّ الرَّسُولَ عَمُّهُ أبُو لَهَبْ
لكنّ مَنْ قَدْ حَرَقَ الطِّفْلَ وَمَنْ أسالَ دَمَنا إلى الرُّكَبْ
مَنْ دَمَّرَ المَصْنَعَ أوْ نَهَبْ
مَنْ ذَبَحَ الشّاعِرَ في الشارِعِ زاعِماً بأنَّهُ الغاوِي
وَوَرْدَةُ الغَضَبْ
مَنْ دَكَّ بالقَذائفِ الجَّهَنَّمَِيَّةَ الجَّنَّةَ خارِجَ السَّماءِ والكُتُبْ
مَن فِي “بَني زَيْدٍ” وَخَلْفَها وَفَوْقَها وَتَحْتَها
نُرٍيدُهُم أنْ يُشْطَبُوا وَيُشْطَبوَ وَيُشْطَبُوا
والجّيْشُ خَيْرُ شاطِبٍ إذا شَطَبْ
نُريدُ قاعاً صَفْصَفاً تلْكَ ال “بني زَيْدٍ”
فَرُبَّما بِذلكَ
نَبْلُغُ ذَرَّةً
مِنَ الأرَبْ
ويقول الباحث والشاعر السوري محمد قُجة من قصيدة بعنوان ” حبيبتي حلب “:
مُدّي ذراعَيْكِ يا شهباء والتقطي
زُهر النجومِ ورشّيها على الكتبِ
يظل صرحك مزهوا بهامته
وذكركِ السمحُ منقوشٌ على الشهبِ
تطاولين الثريا قلعة شمختْ
وطاولتها الليالي وهي لم تغبِ
…
هنا تهادى بنو حمدان في عُجُب
وطوقتهم عيون الدهر في عَجَب