عربي عواد.. مسيرة كفاح سيذكرها التاريخ

يوم غد (الاثنين) يكون قد مضى عام على رحيل القائد والمناضل الفلسطيني الرفيق عربي عواد (أبو الفهد)، أمين عام الحزب الشيوعي الفلسطيني- الثوري منذ عام (1987) وحتى وفاته، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأردني قبل إعلان تشكيل الحزب الشيوعي الفلسطيني عام (1982).

وفي هذه الذكرى، أود أنا ورفاقي في الحزب الوقوف عند محطّات في مسيرة رفيقنا القائد والمناضل الراحل، وذلك من خلال الوقوف عند ثلاثة مراحل في تلك المسيرة. تبدأ أولها عقب النكبة عام (1948) وتنتهي بحلول ما سمّي بالنكسة نتيجة عدوان حزيران على الأمة عام (1967). وتشمل الثانية الأعوام التي قضاها هذا القائد في مواجهة الاحتلال منذ عام (1967) وحتى إبعاده إلى خارج أرض الوطن في كانون الأول من عام (1973). أما المرحلة الثالثة فهي تمتد من تاريخ الإبعاد وحتى الوفاة عن عمر ناهز السابعة والثمانين عاماً.

مرحلة النضال الأولى:

لقد شكلت مرحلة الدفاع عن الهوية الوطنية الفلسطينية بوجه مخطط طمسها وتبديدها بعيد النكبة، المعركة الأولى التي خاضها رفيقنا المناضل إلى جانب أبناء جيله من الشباب الذين انخرطوا حديثاً في الحياة العملية وفي مسيرة النضال التحرري. وجراء عملية التنكيل التي تعرضت لها قادة تلك المعركة التي تقدمها الشيوعيون، سقط الرفيق روحي زيد الكيلاني كأول شهداء هذا الجيل، الذي واصل بعد ذلك كفاحه الشاق، حتى أسلم الراية لمن بعده من الأجيال المناضلة من أبناء الشعب الفلسطيني في السياق العام لنضال جماهير الأمة.

وفي عام (1955)، خاض هذا الجيل من المناضلين، معركة إسقاط مشروع حلف بغداد الاستعماري، الذي سعى من خلاله المستعمر إلى محاصرة وإجهاض المشروع القومي التحرري الذي قاده عبد الناصر. وفي هذه المعركة أخذ يتردد اسم الرفيق عربي عواد (أبو الفهد) وخاصة في منطقتي الخليل وبيت لحم، حيث كان حديث الشارع، بأنه حيث يحضر الرفيق عربي عواد (أبو الفهد) خطيباً في الجماهير الثائرة، تنفجر المواجهات مع زبانية النظام الذي قرر الانخراط في مؤامرة الحلف المذكور إلى جانب غيره من نظم التبعية العربية.

أما معركة كسر العظم التي انخرط فيها رفيقنا عربي عواد إلى جانب أبناء جيله من الشيوعيين والوطنيين الآخرين منذ عام (1957) وحتى عام النكبة الثانية وهو عام (1967)، فقد تمثلت بإخضاع رموز هذا الجيل من المناضلين لمحاكم التفتيش التي فرضت عليهم أحكاماً جائرة بأعوام طويلة من السجن، غير أن تلك الحملة الظالمة لم تتوقف عند ذلك، إذ زُجّ بأولئك المناضلين في معتقل صحراوي ليكونوا في عزلة تامة عن التجمعات السكانية. ثم أضيف إلى هذا الإجراء إخضاع أولئك المناضلين ضمن مجموعات لموجات متطاولة من التعذيب تحت إشراف خبراء من الحلف الاستعماري وعلى رأسهم خبير خدم في أجهزة التعذيب النازية.

وفي تلك المعركة القاسية التي تواصلت على مدى ثمانية أعوام قبل أن تُستأنف مجدداً صمد رفيقنا (أبو الفهد) إلى جانب المئات من رفاقه، حيث خرجوا منتصرين على الجلادين ومرفوعي الرؤوس، وذلك قبل أن تتم إعادتهم إلى الزنازين كإجراء احتياطي بانتظار العدوان المزمع شنه على الأمة والذي لم تكن نظم الردة بمنأى عن التحضير له كما كشفت الدلائل بعد ذلك.

مرحلة النضال الثانية:

في هذه المرحلة التي أعقبت احتلال الصهاينة لبقية الأرض الفلسطينية تكشّفت طاقات الرفيق عربي عواد (أبو الفهد) الكفاحية، فما أن شرع هذا القائد المناضل في التحرك لمواجهة المحتلين الغزاة، حتى وضع أمامه مهمة إعادة بناء التنظيم الحزبي في الضفة المحتلة، إلى جانب التواصل مع المنظمة الشيوعية في قطاع غزة، والتي انخرطت مجموعة منها في صفوف المقاومة.وعلى هذا الصعيد، فإنه لم تكد تمضي أعوام قضاها الرفيق (أبو الفهد) في نشاط دائب، حتى غدا التنظيم الحزبي الذي اضطلع بقيادته وإعادة بنائه وتدعيم صفوفه، القوة الفاعلة الأولى في الأراضي المحتلة عام (1967). بعدها أخذ هذا القائد المعني بتحشيد الطاقات الفلسطينية إلى تشكيل جبهة وطنية تضم جميع القوى والفعاليات والمنظمات الشعبية في الوطن المحتل، ونتيجة سلسلة مكثفة من الاتصالات والحوارات مع قادة ومجموعات داخل الوطن وخارجه، أعلن عن قيام الجبهة في آب عام (1972)، التي اعتبرت ذراع منظمة التحرير في الأرض المحتلة.

أما المهمة الثالثة التي انصرف هذا القائد المناضل إلى انجازها، فقد تمثلت في تشكيل جناح عسكري للجبهة الوطنية يقوده رفاق مخضرمون ممن اختبروا في أقبية التعذيب للنظم الرجعية. وكما بدأ نشاط الجبهة الوطنية يؤرق المحتلين الغزاة، فإن نشاط جناحها العسكري أفقدهم صوابهم، وجاء ردّهم على ذلك، من خلال حملة واسعة من الاعتقالات الإدارية التي طالت عشرات الكوادر الحزبية والوطنية، ثم عبر موجات الإبعاد إلى خارج الوطن، فيما تعرض من اشتُبه بأن له صلة بالجناح العسكري للجبهة لأساليب من التعذيب فاقت في بشاعتها ما روي عن تاريخ النازية. وقبل اطلاق تلك الحملة الضارية ضد بنية الجبهة الوطنية، كان الاحتلال قد أقدم على إبعاد ثمانية من قادتها وفي مقدمتهم الرفيق (أبو الفهد). لكن الجبهة صمدت بوجه حملات القمع الصهيونية، ذلك أنه حين توهم قادة الصهاينة بأن الجبهة قد دمرت وأن الساحة باتت خالية للعملاء من بعض الوجهاء والانتهازيين لكي ينخرطوا في مؤامرة الإدارة الذاتية التي تضفي نوعاً من الشرعية على الاحتلال، والتي يتم إعلانها عبر انتخابات المجالس البلدية، فإن نتائج الانتخابات التي جرت في حينه عام (1976)، كانت بمثابة الصفعة لأولئك القادة وخاصة لشمعون بيريس صاحب ذلك المشروع. وتعبيراً عن حقد الصهاينة وروحهم الإجرامية، فقد استهدف جهاز المخابرات الصهيوني ثلاثة رؤساء لأكبر المجالس البلدية بتفجيرات أصابت اثنين منهم بتشويهات جسدية، فيما نجا الثالث عن طريق الصدفة.

وقد بقيت الجبهة الوطنية قوية وفاعلة رغم حملات القمع التي طالت بنيتها، لكنها أخذت بالضعف عندما تولت النظم الرجعية ودعم التيار السلفي الذي أقامت له الجامعات والمعاهد والمراكز الاجتماعية المختلفة، فيما تحولت قيادة المنظمة نحو اعتماد الوجهاء والزعامات التقليدية ممثلاً لها في الداخل, وذلك في تساوق مع سياسات النظم التابعة، وتقاطعت سلطات الاحتلال مع هذه السياسة بهدف ضرب قواعد منظمة التحرير.

مرحلة النضال الثالثة:

وهي مرحلة ما بعد الإبعاد، ففي هذه المرحلة خاض القائد المناضل الرفيق عربي عواد (أبو الفهد) أولاً معركة استعادة الهوية الوطنية للشيوعيين الفلسطينيين لكي يأخذوا دورهم بتعاون مع الشيوعيين الأردنيين الذين يجمعهم تاريخ من النضال المشترك مع شعب فلسطين، في مقاومة المشاريع الاستعمارية وعلى رأسها المشروع الصهيوني. وعندما نجح التيار المناهض لنهج الثورة في الاستيلاء على الحزب الوليد بدعم من الخارج، سارع الرفيق (أبو الفهد) ورفاقه إلى إعلان حزب ثوري بديل،انخرط في معارك الدفاع عن الثورة وعن خط الصمود والمقاومة.

ومع إمعان القيادة المتنفذة في منظمة التحرير، في الالتحاق بمسار النظم الرجعية المرتبطة بالإملاءات الأمريكية، اصطف رفيقنا عربي عواد ورفاقه، إلى جانب القوى الفلسطينية التي جابهت ذلك المسار، وانخرط بعد ذلك في جبهة القوى التي اعتبرت اتفاق أوسلو، خيانة لكل تضحيات الشعب الفلسطيني في نضاله التحرري, وقد بقي هذا القائد المناضل متمسكاً بمحور المقاومة الذي تكالبت عليه كل قوى الاستعمار وأدواتها من النظم والقوى الرجعية ضمن حملة استهدفت تمزيق الدول العربية لكي تدور شظاياها في فلك القاعدة الصهيونية.

ورغم ما نشأ من واقع بالغ القتامة جراء الهجمة الشاملة التي قادتها أمريكا ضد دول وشعوب المنطقة، فإن محور المقاومة أثبت قدرته على المواجهة، وأتت الانتفاضة الثالثة لجماهير شعبنا في الوطن المحتل، لتثبت بدورها بأن الشعوب المصممة على الدفاع عن وجودها لايمكن أن تهزم، وذلك ما آمن به القائد المناضل رفيقنا عربي عواد على امتداد مسيرته الكفاحية.

في الختام نقول للقائد الراحل رفيقنا (أبو الفهد)، بأن ذكراك ستبقى حية في وجدان رفاقك، وستبقى حية كذلك، ذكرى من رحل من الرفاق ممن أسهموا في حمل الراية التي دافعت عنها، وذكرى الشهداء ممن مخضوا بدمائهم تلك الراية مؤمنين أنها راية المخلصين والشرفاء لقضية شعبهم.

أمين سر قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني- الثوري

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى