في بعض إشكاليات توحيد التيار القومي في الأردن !!

محاولات كثيرة جرت لإيجاد صيغ توحيدية للتيار القومي في الاردن ولكنها جوبهت بإشكاليات كثيرة أولها عدم إدراك واستبصار حالة الضمور والانحسار التي يمر بها التيار، وعدم استشعار الضرورة السياسية والتاريخية لدى  هذه الاحزاب والمنظمات والشخصيات القومية المستقلة التي انتسبت الى هذا التيار وشاركت في بعض الحوارات حول الوحدة لأهمية الالتقاء على مسائل توحيدية – توفيقية – وفاقية جامعة وكبرى ترتقي الى مستوى التحديات التي تواجه الأمة في المرحلة الراهنة ، ومحدودية الخيارات المتاحة في هذه المرحلة الصعبة التي تتطلب تجاوز العقبات والإشكاليات الزائفة ، وتوحيد الرؤى المتقاربة ، وتجاوز مراحل الصراع والتنازع السابقة .

وثانيها الاختلافات الفكرية والتنازع حول المرجعية المطلوبة لمثل هكذا تفاهمات ، ذلك أن مدارس التيار القومي وأحزابه متعددة ونشأت على ضفافها فكريات وعصبويات مختلفة وأحيانا متضادة ، عرقلت ولا تزال تعرقل أي حديث عن تفاهمات وانشباكات في مجموع يقوم على التعددية والانفتاح والمراجعة الدائمة .

ولأننا لا نريد الخوض في المزيد والعديد من الاشكاليات التي تقف حجر عثرة في طريق التوحيد من مثل ( السطحية والضحالة الفكرية لدى بعض الاحزاب والجماعات  القومية ، اهتراء الفكر وتآكله وتحوله إلى أقانيم وشعارات بالية وتحجر فكري ، العجز عن النقد والنقد الذاتي والمراجعة ورفع الحصانة عن الأفكار موضوع البحث ، الاكتفاء بما كان من تاريخ وانجازات ، افتقاد الرؤى المعاصرة والمسقبلية التي يمكن أن تؤدي الى المراجعة والتغيير )  ، فإننا سنكتفي بالتركيز على الاشكاليتين الأولتين ( عدم استشعار الضرورة السياسية والتاريخية ، والاختلاف حول المرجعيات المطلوبة لتوحيد التيار القومي ) .

في الحالة الأولى لابد من التمييز بين الاستشعار السياسي التاريخي المنطلق من نظرة استراتيجية تجعل من قضية توحيد التيار القومي في الاردن وعلى صعيد الوطن العربي  احتياجا وضرورة وطنية وقومية إنقاذية لتخطي حالة التشرذم والضمور  وابتعاد هذا التيار عن سياقاته وفعاليته المطلوبة  ، كما أنها تأتي في سياق المطلوب راهنا على مستوى تحصين الدولة  والأمة العربية من التفتيت والتفكيك من خلال ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية داخل الأقطار بمواجهة عمليات التفتيت والتذرير الجارية .

يضاف إلى كل ذلك الهجمة الراهنة على العروبة والفكر القومي وعلى الاسلام ذاته عالميا ( استعماريا وصهيونيا ) واقليميا ( ايرانيا وتركيا )  ولدى فئات ( اسلاموية   مسحدثة ، بربرية الممارسة  ، متطرفة ، ومفبركة استخباريا ) تريد أن تقوض مرجعيات الأمة ومسلماتها ويقيناتها ، وأن تفرض بدائل عن الرابطة القومية تحت عناوين أممية متهافتة لا تعترف بحقائق الحياة والقوانين المنظمة للاجتماع البشري.

أما مسألة الاختلاف حول المرجعية أو الاستئثار بهذه المرجعية والتعصب لها على حساب القضية القومية الكبرى فهي من بين الاشكاليات التي كانت ولا تزال تقف في طريق فتح فضاءات جديدة وجدية للتحاور والتوحد حول المسائل القومية الكبرى وعلى طريق الالتقاء على تشخيصات واستبصارات جمعية ترتقي الى مستوى الاستراتيجيات التي تتطلب تنازلات وإزاحات وتوافقات وقدرات على الخروج من العصبويات الحزبية والسياسية والدخول إلى صعيد جديد من الفهم المشترك  للقضية القومية  ومتطلباتها ، والتخلي عن كل الوان التعصب والتزمت التي تقف حجر عثرة في طريق حرية الفكر وحرية التحاور واشتقاق الحلول .

هذا هو الفضاء والسياق الذي يجب أن يطرح فيه توحيد التيار القومي في الاردن ( كضرورة وطنية داخلية ) وعلى صعيد الأمة العربية ( كنموذج ودعوة جديدة لاستنهاض وتوحيد التيار القومي في الوطن العربي بأكمله ) ، وذلك بأن يكون التوحيد فهما واستعدادا نقديا واستجابة لمتطلبات مرحلة تاريخية معقدة وخطيرة ، وردا على دعوات مشبوهة تسعى إلى تقويض الانتماء والمرجعية القومية وتفكيك الأقطار العربية وإشاعة الشرذمة الفكرية والمجتمعية في كل صقع عربي تصل اليه هذه اليد.

ويستبعد هذا السياق التوحيدي الكلي ويتحفظ  على بعض المحاولات الفردية والجماعية الارتجالية التي تظهر هنا وهناك داخل بعض الأقطار العربية لتوحيد التيار القومي والتي تريد أحيانا أن تجعل منه مجرد نشاط حزبي وفعالية سياسية موسمية محدودة غايتها ممارسة نشاطية مفرغة من عمقها التاريخي أو طريقا وقناعا انتهازيا لتحالفات وتفاهمات سياسية ونقابية محدودة الأثر والفعالية.

القضية أكبر من أن تكون مسألة سياسية سهلة الطرح والتداول والتنفيذ ، وأعمق من أن تكون  هدفا عابرا وتكتيكيا لهذه الجهة أو تلك وأبعد  عن أن تكون عملية إنقاذ لبعض الجهات السياسية المتهاوية والآيلة للسقوط ، أو ملهاة جديدة لأحزاب تريد أن تتخذ منها قناعا وطريقة استخفافية للدخول الى الملاعب السياسية التدليسية المفتوحة على مصراعيها لكل عابر سبيل  .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى