تداعيات قرار وقف اطلاق النار بسورية

أعلن ما يقارب مئة تنظيم مسلح تعمل على الاراضي السورية الموافقة على وقف اطلاق النار بدءً من السابع والعشرين من الشهر الجاري. وتأتي الموافقة تنيجة التوافق الروسي الأمريكي الذي تُرجم بقرار مجلس الأمن رقم 2268 الذي صدر بإجماع أعضاء المجلس أعقبه تصريح المبعوث الأممي ” ديمستورا ” بالاعلان عن بدء الحوار بين الحكومة السورية و أطراف المعارضات في 7-3-2016 .

لقد سبق قرار مجلس الأمن 2268 الذي يؤكد على وقف اطلاق النار وعلى ضرورة إلتزام كل الأطراف بالقرار الذي نصّ على ما ورد في قراري المجلس 2253 و 2254 . وجميعها تتضمن التمسك بوحدة وسيادة شعب و أرض سوريا ، وعلى تجفيف منابع الإرهاب و إغلاق الحدود لمنع تدفق الارهابيين ودخولهم الأراضي السورية .

حدثت هذه التحولات المتسارعة على الأزمة السورية بعد التحرك الروسي ودخوله طرفاً رئيسياً في محاربة المنظمات الارهابية ، وتحقيق الجيش العربي السوري انجازات ملحوظة على الأرض ، وبعد أن أدركت الولايات المتحدة الامريكية أن المعارضات المسلحة التي تدعمها إلى تراجع كبير في الميدان، فسارعت إلى التنسيق مع روسيا الاتحادية التي أثبتت جديتها في محاربة الارهاب طيلة الأشهر القليلة الماضية.

حاولت المعارضات السورية المماطلة في البداية ووضعت شروطاً غير مقبولة تجاوزتها الأحداث ، ولكنها أعلنت الموافقة بناءً على طلب الولايات المتحدة . و كذلك فعل داعموها و حاضنوها من الأنظمة المعروفة الذين أعلنوا تأييدهم لقرارات مجلس الأمن .

دخل وقف اطلاق النار حيّز التطبيق، وبدأ المراقبون يرصدون الواقع على الأرض، وأعلن الراعيان للإتفاق أن أيّ خرق من أي طرف من الاطراف المعنية ، سيؤدي إلى ضربه و عدم التهاون معه، وأنهما مصممان على تنفيذه بكل قوة و عزيمة . فهل يصمد وقف اطلاق النار في ظل هذا العدد الكبير من المنظمات المسلحة التي أعلنت الموافقة عليه و التي يبلغ عددها ( 100 ) منظمة رفضت الكشف عن هويتها بحجة الحفاظ على أمنها !! .

قد وافقت هذه الاطراف على القرارات بدون شروط مسبقة، كما جاءت القرارات متناغمة مع التوجه السوري- الروسي الذي يؤكد على أن حق تقرير المصير يقرره الشعب السوري وحده ، وأن للشعب حرية اختيار القيادة ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية.

لم يكن موقف المعارضات بأطيافها ومكوناتها العديدة موقفاً واحداً ، من الحل ، كما إنها لم تتفق على وفد واحد يحاور الوفد الرسمي السوري كما إنها تقف موقفاً متبايناً من سوريا المستقبل ، و كيفية بناءها و الأسس و البرامج التي تطرحها للدولة السورية الجديدة . كما تباينت آراؤها منذ بداية الأزمة ، حين حاولت الحكومة السورية عقد اللقاءات مع أطياف المعارضة منذ الأشهر الأولى للأزمة.

فهل أصبحت الظروف مهيأة الآن للحوار بعد الذي حلّ بالبلاد من خراب و دمار ، و بعد سيطرة داعش و النصرة و غيرهما على أجزاءٍ واسعة من الأراضي السورية ؟ و هل تملك المنظمات ال ” 100 ” التي قبلت وقف اطلاق النار و الذهاب لعقد مفاوضات و حوارات مع وفد الحكومة الرسمي القوة على الأرض التي تمكنها من محاربة داعش و غيرها ؟ أم إنها تعتمد على تغطية الولايات المتحدة وحلفائها لإيجاد موقع لها على طاولة الحوار المزمع عقده يوم 7-3-2016 ؟؟ .

لقد دخلت المعارضات جميعها في خانة الارهاب ، و سُخرت من قبل الدول الكبرى ، و أصبحت تُسيرها وكالات المخابرات الدولية لتنفيذ مخططاتها التدميرية للدول التي تعارض سياساتها التوسعية للهيمنة على مقدرات شعوب المنطقة و رهنها لمصالحها .

ولا تزال الشروط الأمريكية لحل الأزمة كما هي دون تغيير، فلا تسوية سياسية دون تنحي الرئيس ، و لا تحالف للمنظمات المسلحة مع الجيش في مواجهة داعش دون اشارات على رحيل الأسد !!. إن هذا الموقف الامريكي من الأزمة يعني أن أميركا لم تحقق بعد أهدافها من الحرب ، و أنها هي مايسترو هذه الحرب منذ بدايتها . و إن ارتفاع أو انخفاض وتيرة هذه الحرب على سوريا لا يزال قائماً ، و أن هذا يعني أن واشنطن لا تقبل حلاًّ سياسياً إذا لم تتمكن من تحقيق أهدافها . و إن المنظمات الارهابية المسلحة هي جزء من آلية الحرب الامريكية الصهيونية على سوريا التي ستستمر بدعمها طالما تساهم في تدمير سوريا و إضعاف قدراتها الدفاعية و زعزعة نسيجها الاجتماعي . وعلى العكس من ذلك فإن حلفاء سوريا سيستمرون في دعمها وتقويتها، وسيعملون على حمايتها و الحفاظ على وحدتها و سيادة أراضيها . وسيبقى الرهان على الميدان لأنه وحده الكفيل بجلب الآخرين على طاولة الحوار.

أما الدول التي أدخلت نفسها طرفاً في الصراع ضد سوريا كتركيا و دول الخليج وغيرها، فسوف تبدأ أدوارها تضعف لأن تطورات الأحداث الميدانية والسياسية لن تكون لصالحها وسوف تعاني من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وكذلك حال المعارضات التي أرهنت نفسها للقوى الخارجية.

سوف تفشل المخططات المعادية، ولن تكون سوريا إلا لشعبها ولن تنجح محاولات القوى الخارجية في تقسيمها ، وسوف تعود دولة قوية محورية مؤثره لها دورها في صُنع المستقبل العربي ، وفي الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني . وسوف تظل البوصلة باتجاه فلسطين حتى يحقق شعب فلسطين حقه في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى