مطلوب مراعاة كامل حقوق اللاجئين السوريين دون التمهيد لدمجهم في المجتمع الاردني
كتب ساطع الزغول
في عدد ”المجد” الصادر في الثامن عشر من آذار عام 2013 تناولنا-في هذا المكان- بالتحليل ملف اللاجئين السوريين، وقلنا ان بقاء الحبل على الغارب يحمل الدولة اكلافاً سياسية واقتصادية وأمنية باهظة، وتساءلنا : لماذا نسترضي الاطراف الخارجية على حساب الداخل الاردني في ملف اللاجئين السوريين ؟ ثم حذرنا آنذاك من ان تبعات هذا الملف المسكوت عنه كبيرة وكثيرة، وهو ما يستدعي تضافر كل الجهود للخروج منه بأقل الخسائر، ولن ينجح ذلك الا اذا وضعنا المصلحة العامة فوق كل اعتبار، وهذا لن يقيض له النجاح ما لم تتضافر الجهود السياسية والامنية معاً من خلال تشكيل ”خلية ازمة” تحسن ادارة هذا الملف وتضع حداً لكل المخاطر القائمة والقادمة.
منذ ذلك الحين الى الآن تضاعف عدد اللاجئين، وزادت الاكلاف وتعاظمت المخاطر والمحاذير، واتسع الخرق على الراتق اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ولولا اليقظة الامنية الدائمة، لوجد خوارج هذا الزمان وارهابيوه الطريق ”سداحاً مداحا” لجرنا الى أتون ضلالاتهم وموبقاتهم ومهازلهم التي تضرب بالنواميس الشرعية والتشريعية عرض الحائط، وبما يرضي اسيادهم الذين منحوهم فرصة الظهور، ثم الاستمرار، وصولاً الى ما هم عليه الآن.
بعد ثلاث سنوات من تحذيراتنا وتساؤلاتنا، ناءت كواهلنا بهذا الحمل الثقيل، وجأرنا بالشكوى، ولا من يسمع، ولولا ان اوروبا استشعرت خطر اللجوء، الذي كاد ان يهدم اركان وحدتها، ويرمي باتفاقية ”شنغن” في غياهب النسيان، ما برز الى حيز الوجود مؤتمر لندن للمانحين،الذي لم يسهم جدياً في تخفيف اعبائنا، بل يحملنا – بالتدريج- ما لا طاقة لنا به، من خلال قروض تزيد من مديونيتنا التي يتوقع المراقبون ان تشارف على 25 مليار دينار.
لم تكن نتائج مؤتمر لندن غاية المنى، ولم تلق بالاً للارقام التي طلبناها باعتبار اننا ادرى بامورنا، وفوق ذلك يعتبر خبراء الاقتصاد ان المؤتمر لم يحدد بالضبط المبالغ المخصصة للاردن، لولا ان وزير التخطيط قال انها 700 مليون دولار سنوياً تدفع لمدة ثلاث سنوات، وهو قول حدا بالزميل الكاتب الاقتصادي الكبير فهد الفانك الى التساؤل عما اذا كان تحديد هذا الرقم ناتج عن معلومات متوفرة لدى الوزير، ام هي توقعاته وامنياته ؟
مؤتمر لندن الساعي على ارض الواقع لتكريس تنصل اوروبا من مسؤولية اللاجئين يضغط علينا لنفتح الحدود امام كل من هب ودب، وقد نسق مع البنك الدولي ليكسر ظهورنا بقروض ”ميسرة” بمبلغ خمسة مليارات وسبعمئة مليون دولار على مدى السنوات المقبلة، بمعنى ان المؤتمر يتعامل معنا وفق مقولة ”من دهنه قلّي له”.
وتعقيباً على ذلك وجد الكاتب الفانك نفسه مدفوعاً الى طرح السؤال القائل : لماذا يتطوع البنك الدولي لاقراضنا هذه المبالغ الكبيرة المؤجل تنفيذها للسنوات المقبلة، ثم رد مجيباً على السؤال بالقول : ”كي تبقى حدودنا مفتوحة للجوء السوري كي لا يتوجه الى الغرب”.
اما لماذا لا ترغب دول القارة الاوروبية بتوجه اللاجئين الى بلدانها، فذلك نابع من خوفهم من امكانية ان تعمل قوافل اللاجئين على اعادة رسم الهويات الجغرافية في دول القارة التي يبلغ عدد سكانها مجتمعة نحو خمسمئة مليون نسمة تتمركز اعمارهم في فئة الشيخوخة، بينما جيل المهاجرين يتسم بالشباب، فضلاً عن تمايز نسبة الخصوبة في المجتمعات المهاجرة، التي يبلغ متوسط افراد الاسرة فيها بين خمسة وسبعة افراد، وبالتالي فان تزايد اعداد اللاجئين بهذا الزخم سيؤدي الى اختلالات ديموغرافية تقود الى تغييرات جديدة وغير مألوفة في القوانين الناظمة للهجرة، وبعضها عبرت عن نيتها طرد نحو مئة الف مهاجر، وكل هذا يعني في المجمل الخوف من ذوبان المجتمع الاصلي في التشكيل الجديد، والسؤال وفق هذا المعيار يقول : ماذا عنا كبلد محدود المساحة ومكدود الموارد ؟
ما يدفعنا الى التساؤل، هو الاحصاءات التي تؤكد ان عدد السوريين داخل البلاد بلغ حوالي مليون واربعمئة الف سوري، بينهم حوالي 650 الف لاجئ يقيم منهم في المخيمات نحو 106587 لاجئاً، حيث تشكل هذه الارقام عبئاً ثقيلاً على الاردن، فهي على سبيل المثال ترهق كاهل سوق العمل الاردني، اذ ارتفع معدل البطالة بين الاردنيين من %14 الى %22 منذ نشوب الازمة السورية، خاصة في المحافظات التي يتركز فيها اللاجئون السوريون.
في هذا السياق قدرت وزارة العمل معدل النشاط الاقتصادي بين السوريين بمعدل %28، اي حوالي 217952 عامل سوري، فيما بلغ عدد المشتغلين من السوريين المتواجدين في الاردن قبل وبعد ازمة اللجوء بصورة منظمة او غير منظمة 85 الف عامل.
وقد ذكر حمادة ابو نجمة، امين عام وزارة العمل في تصريحات صحفية ان اللجوء السوري كان له أثره السلبي على العمالة الاردنية، حيث كان هنالك احلال للعمالة السورية مكان العمالة الاردنية في بعض القطاعات، ولفت الى ان نحو %40 من السوريين يعملون في قطاع الانشاءات، يليهم %23 يعملون في قطاع تجارة الجملة والتجزئة والاصلاح، بينما يعمل %6 من الاردنيين في قطاع الانشاءات، و%18 في قطاع تجارة الجملة والتجزئة والاصلاح.
وقال ابو نجمة ان %99 من اللاجئين السوريين يعملون في الاقتصاد غير المنظم، مقارنة بنحو %50 من العمال الاردنيين، مشيراً الى انتشار ظاهرة عمالة الاطفال السوريين، ومبيناً ان عدد العاطلين عن العمل من السوريين المتواجدين في الاردن قبل وبعد الازمة يبلغ حوالي 132950 شخصاً يبحثون عن العمل بشكل مستمر، في حين ان الحاصلين على تصاريح عمل من هذه العمالة يقدر بحوالي سبعة آلاف عامل.
وحسب التقديرات فان اللاجئين السوريين الذين يشكلون %15 من حجم سكان الاردن، يتوزعون على كافة المحافظات، حيث يقطن اغلبهم في محافظة العاصمة، بمعدل %27، اي حوالي 174972 لاجيء، ثم محافظة اربد %22 اي نحو 134031 لاجيء، ومحافظة المفرق %12، بمعدل 7580 لاجيء، وفي مخيم الزعتري %13 بمعدل 82841 لاجيء، ويشكل الاطفال دون 18 عاماً حوالي %51 من نسبة هؤلاء اللاجئين، فيما تشكل المرأة حوالي %50 منهم.
وكانت غرفة تجارة عمان قد بينت في دراسة أجرتها حول الأثر المباشر للاحداث السورية على الاقتصاد الوطني منذ اندلاع الازمة عام 2011 ولغاية عام 2015 ان الاقتصاد الوطني فقد ما يقارب من 150 الف فرصة عمل منذ بداية تدفق اللاجئين السوريين الى الاردن ابان الازمة السورية جراء احلال العامل السوري مكان العامل الاردني، مشيرة الى ان مجموعة من الخبراء قدروا الكلفة السنوية لاستضافة اللاجئين السوريين في البلاد بنحو 3,2 مليار دولار للعام الجاري، فيما قدرت الكلفة عام 2013 بـ 2,1 مليار دولار، وبنسبة ارتفاع بلغت 14% تقريباً.
وقالت الدراسة ان الكلفة المباشرة لاستضافة السوريين بلغت نحو 700 مليون دولار سنوياً، وبلغت كلفة البنى التحتية نحو 870 مليون دولار سنوياً، مشيرة الى ان المساعدات المقدمة للاردن بلغت فعلياً – قبل مؤتمر لندن وتحت مسمى مساعدات لاستضافة اللاجئين السوريين – ما مجموعه 777 مليون دولار، مبينة ان قطاع النقل الاردني تأثر بشكل واضح وكبير بالاحداث السورية، حيث يخسر قطاع النقل الاردني سنوياً ما يعادل 30 مليون دينار، بسبب انخفاض حركة النقل، جراء عزوف السائقين الاردنيين عن الذهاب الى الاراضي السورية، ومنها الى لبنان، نتيجة الخوف من انعدام الامن والسلامة اثناء رحلاتهم.
من جانب آخر اظهرت دراسة حديثة اعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي ان وجود السوريين بعامة، والعمالة السورية بخاصة قد اسهم في زيادة مزاحمة الفقراء من اهالي المناطق في المحافظات المختلفة، وتقليل فرص حصولهم على المساعدات التي يتلقونها من المنظمات المتخصصة، او من اهل الخير في المجتمع المحلي، او الدول المجاورة.
وبحسب الدراسة التي حملت عنوان : ”أثر تدفق اللاجئين السوريين على سوق العمل الاردني، صرفت الجمعيات الخيرية النظر عن توجيه اغلب مساعداتها ودعمها للاسر الاردنية الفقيرة والمعوزة، مشيرة الى ان هذه الظاهرة ولدت نزاعات بين السوريين والاردنيين على دور الجمعيات، ومدى التزامها بتقديم المساعدات للأسر الفقيرة الاردنية الى جانب اللاجئين السوريين.
على صعيد متصل يعاني قطاع التعليم في الاردن من آثار ازمة اللجوء السوري، اذ يكبده استيعاب 145 الف طالب سوري نحو 250 مليون دينار سنوياً، في حين ان هناك نحو 90 الف طالب سوري بانتظار قبولهم في المدارس، رغم انه تم بناء ما يقارب الخمسة آلاف غرفة صفية فاقت كلفتها 600 مليون دولار، لتلبية حاجات ومتطلبات استيعاب هؤلاء الطلبة.
وبين د. محمد الذنيبات وزير التربية والتعليم انه تم تحويل 98 مدرسة حكومية للعمل على نظام الفترتين لاستيعاب الطلبة السوريين الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالتعليم، موضحاً ان اللجوء السوري تسبب في ضغط كبير على المدارس، نتج عنه ارتفاع عدد المدارس ذات الصفوف المكتظة من %36 عام 2013 الى %46 عام 2015، اضافة الى الضغط الكبير على المرافق المدرسية واختصار الوقت المخصص للحصة الصفية.
وكرد فعل على الاستياء من حجم الاكلاف الكبيرة التي تكبدها الاردن في هذا الملف، فقد طالب وزير العدل الاسبق د. ابراهيم العموش المتسببين بموجة اللجوء السوري من الشرق والغرب، بتسديد ما للاردن بذمتهم، حيث كتب على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة به ما نصه : ”نطالب بالسداد ولا نستجدي احداً، في حسابات دفتر اللجوء، الاردن دائن دائماً، وعلى من تسببوا بموجه اللجوء السوري، من بعض الغرب وبعض الشرق، ان يسددوا لنا ما بذمتهم”.
وقد تقاطع هذا الكلام مع دعوة د. عمر الرزاز عبر شاشة التلفزيون الاردني الى تسديد الديون حيث قال ان على من تسببوا بالازمة وموّلوها ان يتحلموا اعباء اللجوء عن بلادهم.. في حين اعلن النائب والوزير السابق د. ممدوح العبادي ان الاردنيين يدفعون اليوم ثمن خطأ سياسي لا يمكن اغفاله، تمثل اصلاً بفتح الابواب امام اللجوء السوري.
واللافت للنظر، بهذا الخصوص، ان مصطلح المكون السوري قد طفا على سطح التداول والجدل في الصالونات والمجالس، خاصة بعدما نشرت صحيفة ”القدس العربي” اللندنية، تسريبات من لقاء جمع ثلة من المثقفين مع د. فايز الطراونة رئيس الديوان الملكي، حيث تحدث الرجل امامهم عن لجوء طويل الامد للسوريين، فيما اعتبر ضيوفه ان الدولة الاردنية في طريقها لتحويل اللجوء السوري الى مكون اجتماعي.
وفي هذا السياق قالت بعض التقارير ان اغلب المسؤولين في الحلقات الادارية الاردنية، يعرفون الآن ان ادماج اللاجئين السوريين في ظل قراءات وتوقعات بقائهم طويل الامد، اصبح شرطاً موضوعياً ودائماً، ليس فقط لادامة المساعدات المالية، ولكن ايضاً (لادامة وجود الاردن على طاولة المفاوضات عندما يتعلق الامر بملامح التسوية الكبرى للصراع السوري).
وفيما اخذ المراقبون على رئيس الوزراء د. عبدالله النسور استخدامه في احاديث صحفية لمصطلح ”المكون السوري” واعتبروا ذلك بمثابة اشارة الى قرب العمل على بدء توطين اللاجئين، شن النائب الدكتور بسام البطوش عبر صفحته على ”فيس بوك” هجوماً على الموقف الحكومي في التعامل مع قضية اللاجئين، مستغرباً وصفهم بٌّـ ”المكون” قائلاً ان ذلك سينقلنا حتماً الى المحاصصة السياسية على قاعدة الوزن الديمغرافي لكل مكون، وهذا يعني – من وجهة نظره- شطب الهوية الوطنية الاردنية.
اما الكاتب راتب عبابنة فقد كتب مقالة بعنوان : ”المسميات الجديدة لسكان الاردن”، جاء فيها ما نصه : ”… لقد كانت خطيئة فتح الباب على غاربه للاجئين السوريين، الذين اصبحوا ”مكوناً سوريا” كما جاء على لسان دولة رئيس الوزراء الاردني، خطيئة لا تغتفر وسيسجلها التاريخ في سجل خطايا هذه الحكومة وسابقتها”.
كما تساءل عبابنة في مكان آخر من مقالته قائلاً : ”… من يتحمل مسؤولية هذا الخطأ الفادح بحق شعب ووطن شحيح الموارد والمياه، واقتصاده يأبى التعافي ومديونيته تأكل الاخضر واليابس، والوظائف مقفلة، والبطالة تقارب نسبة %30، وختم بالقول : ”.. نخلص الى ان ما اساسه خطأ نهايته خطأ، وما اساسه معتل سيبقى معتلاً، السماح بدخول اللاجئين بهذه الاعداد الكبيرة، كان خطأ جسيماً، ولذلك نحن نعاني الآن من افرازات هذا الخطأ”.
ما تقدم يعني ان هناك مجتمعاً جديداً يتشكل بين ظهرانينا، الامر الذي يفرض على صناع القرار الاردني مواجهة هذه الحقيقة والتعامل معها باقتدار، من خلال البدء باجتراح استراتيجيات مستقبلية تعبد الطريق لاحتواء التداعيات المترتبة على التخمة الديموغرافية التي تشهدها البلاد، والعمل على انصاف مكونات المجتمع الاصلي والحفاظ على حقوقها ومكتسباتها بما يضمن كرامتها واصالتها وتضحياتها، دون ان يعني هذا اية اساءة لضيوفنا من الاشقاء السوريين !!