مردخاي و”المقاومة الاستجدائية”!

بقلم : عبداللطيف مهنا

هَزُلَت لتبلغ مبلغاً نسمع فيه ما سمعناه مؤخراً من ردود افعال مُستَفزَة وغاضبة شاجبة من قبل عديد الفصائل وغير قليل من النخب الفلسطينية جراء ما جاء في مقابلة مع ماجد فرج، رئيس استخبارات سلطة “اوسلوستان”، وأقرب المقربين إلى رئيسها، اجرتها معه صحيفة “ديفنس نيوز” الأميركية…المفارقة هنا هى في أن ما تبدى في ردود الافعال هذه هو أن اصحابها وكأنما هم قد أُخذوا على حين غرة، بمعنى أنهم قد فوجئوا بما كان ليس معروفاً لهم ومعهوداً لديهم، أو ما لا يعايشه اغلبهم، ويواجهه بعضهم مع شعبهم، في كنف هذه السلطة تحت الاحتلال ومنذ أن كانت.

هذه واحدة، يضاف اليها، انصباب أغلب ردود الأفعال في وجهة واحدة هى شخص فرج، لدرجة أن البعض رد تصريحاته، التي تستحق أن يقال فيها ما قاله مالك في الخمر، إلى محاولة قائلها تقديم اوراق اعتماده للأميركان خليفةً لرئيس السلطة، والذي اعتدنا أن تثار موسمياً مسألة خلافته لتبدأ خفوتاً ويتم سحبها من التداول، أي تناسي هؤلاء أن الرجل ما هو إلا موظَّف مكلَّف يحمل وينفِّذ، هو أو من هو في مكانه، سياسة ونهج ومنطق تسووي تصفوي بعينه ويلتزم به، وذلك أمر كان معهوداً ويتواتر منذ أن اقاموا هذه السلطة وما بقيت، أو ابقوا عليها لحاجة الاحتلال لمثلها…ما الذي كان من فرج؟!

لم يأت بجديد، ولا بما كان خافياً على الفصائل والنخب في الساحة، ولا بغير ما أدركه الحس النضالي للشعب الفلسطيني ووعاه سلفاً منذ بداية التغريبة الأوسلوية. كل ما كان منه أنه فاخر بدور اجهزته الدايتونية، أو قيامها بما عليها، في محاصرة الإنتفاضة الشعبية الراهنة، واعادة تأكيد المؤكد، أو “المقدَّس” اوسلوياً، وهو “التنسيق” أو التعاون الأمني مع المحتلين، وتكراره لمكرورهم رفض فكرة المقاومة، اللهم إلا على الطريقة البلعينية، والقبول الضمني بوسمها بالارهاب، وابدى استعداد اجهزته للانضمام إلى تحالف الحرب على هذا المسمَّى، محذراً حلفائه المنشودين من وجود ما دعاه “ايدولوجية داعشية” لدى بعض الشباب الفلسطيني…ومن غيض ل افيض ما جاد به: لقد “اعتقلنا نحو مئة فلسطيني” منذ بدء الانتفاضة، لأنهم “كانوا يخططون لتنفيذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية”، وصادرنا اسلحة، و”احبطنا 200  هجوم” ضد الاحتلال خلال ذات الفترة، بل وأكثر منه، وليسمع القاصي والداني: إن “قوات الأمن الفلسطينية عملت جنباً إلى جنب إلى جانب اسرائيل والولايات المتحدة وغيرها لمنع انهيار السلطة”…

عندما نتحدث عن الفصائل والنخب في الساحة الفلسطينية فنحن لا نعمم ولا نساوي بين الجميع، لاسيما في ساحة بان فيها الخيط الأبيض من الأسود، ولكن هذا لايمنعنا من القول بأن اغلب هذه الردود هى، إلى جانب تعبيرها عن العجز المقيم، فيها قدر لابأس به من الهروب من مستوجب وضع الأصبع على الجرح، أو تسمية الأمور بمسمياتها، وبالتالي التهرُّب من استحاق مواجهة سياسة ونهج بكاملة ونأي بالنفس عن ضرورة مقارعته، إذ أن المشكلة ليست في فرج، وإنما في سلطته التي يحمل نهجها وينفِّذ سياساتها، ويحرص كثرة من الشاجبين على عدم قطع شعرة معاوية معها،وتحديداً مع رئيسها…على أي حال، ما كان ليطل أمر مثل هذا الهروب. عاجلهم رئيس السلطة بنفسه فقطع عليهم الطريق. دافع عن رئيس استخبارته فرد القرار لنفسه وله وحده، وذكَّر الهاربين عسى أن تنفع الذكرى، التنسيق الأمني “يتم بأمر مباشر مني”، والقاء الحجارة على المحتلين بالنسبة لي “ممنوع”، وأوعزت للشرطة بمنعه، والمسموح فقط عندي هو “المقاومة السلمية”، وهذه السلمية هى على الطريقة الأوسلوية المعروفة لاغير!!!

في ردود افعال الصهاينة على تصريحات فرج ما تفاوت بين الاندهاش، وما كان مدعاة للتندر وما لايخلو من احتقار، ومنه، على سبيل المثال، ما قيل في صحيفة “معاريف” من أن “اسرائيل معنية بتكريس مكانة السلطة ككلب حراسة يلتزم بتعليمات اسرائيل التي تجد نفسها في حل من تقديم تنازلات”، أو قول الجنرال شاؤول اريئيلي، قائد جيش الاحتلال سابقاً في غزة، “إن اصرار عباس على التعاون الأمني مع اسرائيل لم يسفر إلا عن مصادرة المزيد من الاراضي الفلسطينية وتهويدها”، وزاد اريئيلي الكيل فقال، إن نتنياهو قد جعل منه “اضحوكة في نظر ابناء شعبه، بدلاً من أن يكافئه على ضبط الأوضاع الأمنية فإنه يعاقبه بمصادرة اراضي الضفة”!

…وإذ هى هزُلت إلى مثل هذا الحد فلسطينياً، يقابلها غلاة الصهاينة باتهام نتنياهو بإبطاء التهويد والتساهل مع جيشهم المحتل الذي يتهمونه بالتهاون في قمع الفلسطينيين، وبدوره يتهم نتنياهو بان كي مون بتشجيع الارهاب الفلسطيني…ويكملها صائب عريقات، كبير مفاوضي “المقاومة الاستجدائية” في ساحات “المجتمع الدولي”، بواحدة من جديده الذي لاينضب لافض فوه، ذلكم بتأكيده، وهذه المرة جازماً، بأن “يؤاف مردخاي منسق شؤون الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية بات الرئيس الفعلي للشعب الفلسطيني”!!!

…كان الأجدر بالفصائل والنخب الفلسطينية، بدلاً من الاكتفاء بكيل بيانات الشجب والإدانة للمتفاخرين بتعاونهم مع عدوهم، أن تسأل نفسها: ترى ما الذي دفع الشعب الفلسطيني في انتفاضته الراهنة إلى استبدالها بخمسة ملايين فصيل فردي مقاوم داخل الوطن المحتل، ناهيك عن ملايين في الشتات؟؟!!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى