جمال عبد الناصر الحاضر الغائب
بقلم : عبد الهادي الراجح
في الــ15 من يناير/ كانون ثاني من كل عام يحتفل أحرار الأمة العربية ومناضليها يشاركهم كل أحرار العالم بالذكرى السنوية لميلاد الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر ، أحد أهم وأبرز زعماء حركات التحرر في القرن الماضي وقائد ومفجر ثورة 23 يوليو المجيدة عام 1952م ، والتي تعتبر رائدة الثورات وحركات التحرر ليس في مصر وأمتها العربية فحسب ولكن في القارات الثلاث بالقرن العشرين وهذا ما أجمع عليه كل أحرار العالم ومناضليه في تلك الحقبة المهمة من التاريخ الإنساني .
لذلك يحتاج الحديث عن القائد الاستثنائي جمال عبد الناصر لمجلدات كبيرة ومؤرخين مختصين وليس مقالاً أو حديثاً عابراً هنا وهناك ، ولعل كثرة المؤامرات التي تعرض لها والحصار الاقتصادي وصولا للعدوان العسكري وحتى المحاولات العديدة للتصفية الجسدية لزعيمنا والتي اعترف بها أصحابها يثبت إلى أي مدى وصل تأثير ذلك القائد العظيم ومشروعه النهضوي الذي هو مشروع الأمة العربية لأجل الوحدة والحرية والكرامة الإنسانية.
ان أعظم حركات التحرر سميت باسمه رغم كثرة المتشدقين بالثورات المزعومة لأجل الوحدة والتي لم تكن في حقيقتها إلا مؤامرات من أعداء الأمة، وما شعاراتها الوحدوية إلا للكذب والتضليل والخداع، فمنهم من صنعته بريطانيا وفرنسا وأمريكا، وكل تلك الحركات المزعومة فشلت وافتضح أمر دعاتها رغم الهالات الإعلامية والدعم المادي الذي لاقته وكل ذلك بهدف إبعاد العرب عن وحدتهم المرجوة التي كانت ثورة 23 يوليو التي قادها عبد الناصر أبرز محطاتها حيث أخذت من الزعيم مسمى لها، وكانت الناصرية عنواناً لحركة المد القومي التحرري في القرن العشرين.
ورغم الانقلاب الذي قاده العميل المدسوس على ثورة يوليو أنور السادات ونجاحه الذي قوامه دعم المخابرات الأمريكية والمال من الرجعية النفطية وغير النفطية التي تنفست الصعداء بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، رغم كل ذلك لم يختف بريق الناصرية الأخاذ الذي كان كالذهب الأصيل وكلما زادت المدة عليه وحاولت بعض الأتربة العابرة أن تغير لونه أو جوهره ، ولكنها تفشل وتهزم بمجرد أول مسحة على وجه الذهب، وكذلك هو مشروع جمال عبد الناصر الذي يثبت أنه وحده مشروع الأمة الجدير بالبقاء والخلود، وغير ذلك هتاف من تحت اللحاف وحرث في البحر وزرع بالهواء.
ثمانية وتسعون عاما مضت على ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر وما يقارب النصف قرن الا أربعة أعوام على رحيله ، ولا يزال يثير الجدل والنقاش وكأنه حي بيننا، ومن تابع الهجمة البربرية اللااخلاقية التي انطلقت عليه منذ رحيله وزادت وتيرتها بعد صفقة كامب ديفيد ووصول المدعو محمد مرسي العياط لرئاسة الدولة بعد ثورة يناير في وسط حالة من التصحر والفراغ الذي أوجدته الردة الساداتية التي أكملها المخلوع حسني مبارك وأوصلت مرسي العياط الى رئاسة الدولة، فكان البديل الأكثر سوءا الذي لم يخجل من طرح تصفية الحسابات السياسية مع الزعيم جمال عبد الناصر، فكانت طروحاته من الأسباب الأساسية لخلعه بثورة 30 يونيو/ حزيران المجيدة التي أجبرت الجيش على التدخل وخلعه تياره المتأسلم الذي لم يخجل من الله والتاريخ ودماء الشهداء عندما منح المقبور أنور السادات قلادة النيل أرفع وسام في مصر، وهو الشيء الذي لم يفعله حتى حسني مبارك وقد كان الهدف من ذلك التكريم تحقيق ثلاثة أهداف أساسية للتيار المتأسلم : الأول رسالة لأمريكا وربيبها الكيان الصهيوني والغرب عموما بأنه- أي العياط- على نهج السادات.
اما الهدف الثاني من التكريم فقد جاء عرفانا بانقلاب السادات على خط الزعيم جمال عبد الناصر وتقديرا لخيانته ، وجاء الهدف الثالث بمثابة رسالة للرجعية العربية وخاصة النفطية منها لمواصلة دعمها المادي له ولتياره وليس لمصر ، ناسيا التغيرات التي حدثت في موازين العالم بعد رحيل جمال عبد الناصر وانهيار الاتحاد السوفيتي وما تخلل ذلك من تفكيك الكتلة الشرقية وتراجع النفوذ السوفيتي قبل انهياره في العالم.
ان ذلك المرسي وعصابته لم يقرأوا النداءات والشعارات الناصرية التي رفعتها الجماهير أثناء مواجهتها أمن مبارك وعصابته في أحداث ثورة 25 يناير في الوقت الذي كانت عصابة المقطم ومكتب إرشادها يفاوضون نائب الرئيس المخلوع عمر سليمان من خلف ظهر الثوار ، وعندما انتبه المخلوع محمد مرسي آخر أيامه لحقائق الأشياء وقف في مصنع الألمنيوم ليقول مستجديا الشعب بأنه سوف يبدأ فيما انتهى به الزعيم جمال عبد الناصر، ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان حيث كانت جحافل الشعب التي تصرخ حتى قبل 03 يونيو/ حزيران 2013م، انتهى الدرس يا غبي ، وكان السجن في انتظار ذلك المرسي وعصابته ومكتب إرشاده واللهم لا شماتة ، وانتهت مرحلة دامت ثمانين عاما من الكذب والرياء وادعاء دور الضحية.
وان يسجل للقيادة المصرية الحالية ممثلة بالرئيس عبد الفتاح السيسي انها ازاحت مرسي وعصابة التاسلم ومنعت نشوب حرب أهلية في مصر، واننا ما نزال بانتظار ما سيقدمه الرئيس السيسي.
ختاماً.. لعل القيمة التاريخية للزعيم جمال عبد الناصر أنه ربط مصر في عمقها التاريخي بدوائره الثلاثة التي حددها الزعيم خالد الذكر انطلاقا من حقائق التاريخ وأستاذه الجغرافيا، وهذه الدوائر هي العربية والإفريقية والإسلامية ، ولم يربط أمن مصر فيما وراء الحدود ونحو المتوسط كما فعل الكثير ممن جاءوا من بعده، وأولهم أنور السادات وعلى نفس السياسة سار مبارك ومن بعده مرسي ونأمل بالتغيير من عبد الفتاح السيسي .
ان حديثنا عن الزعيم جمال عبد الناصر ليس عاطفيا بالمطلق وان فيه شيء من ذلك، وليس حنينا لعصر الحرية والكرامة والتحرر القومي، وان كان فيه شيء من ذلك ، ولكنه حديث لأجل المستقبل وتأكيد بالسير على طريق الزعيم جمال عبد الناصر لأنه الطريق الوحيد لوحدة الآمة وكرامتها وإيجاد مكانا لها بين الأمم والشعوب في وسط عالم تجمعه مصالحه في تكتلات واضحة لا مكان فيها لمن يغرد منفردا .
رحم الله القائد والزعيم والمعلم جمال عبد الناصر يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .