مطلوب تغليظ العقوبات سريعاً لتشكل رادعاً للخارجين على القانون

كتب ساطع الزغول

من المعروف ان رجل الامن اثناء ممارسته واجبه الرسمي يحمل تفويضاً قانونياً ومجتمعياً لحماية النظام العام من خلال محاولات منع الجريمة قبل وقوعها، وتعقب المطلوبين والقبض عليهم وجلبهم للقضاء، وملاحقة المجرمين ومنعهم من السدور في غيهم، وهو في سبيل انجاز هذا التفويض معرض لمشاكل ومخاطر ومواقف شتى، وهذا امر مفروغ منه.

لكن المقلق ان يتحول رجال الامن الى ضحايا لأناس غير موزونين يعشعش حب الايذاء والخروج على القانون في رؤوسهم وعقولهم، ويلتحفون عند تفريغ مكنونات نفوسهم المريضة بغطاء عشائري وعائلي، وخاصة عندما ينجرفون الى ارتكاب عمليات جرمية بدوافع ثأرية  تطال ابرياء لا علاقة لهم من قريب او بعيد بالموضوع الثأري الذي دفع اولئك المختلين نفسياً ومعرفياً وانسانياً الى ارتكاب جرائمهم، شأن ما حصل مؤخراً لرجلي الدوريات الخارجية في منطقة وادي العرب شمال البلاد.

وعلى الرغم من السرعة القياسية في القاء القبض على الجناة الذين اعتدوا عليهما في هجوم مباغت بعد منتصف الليل اثناء قيامهما بواجبهما الرسمي، فقد شكلت هذه الجريمة صدمة للجميع، فليس هذا هو جزاء من يؤدون الواجب في غسق الليل، ومن يدينون بالولاء للوطن فيسهرون من اجل ان ينام الناس بأمان واطمئنان.

الامر اللافت في سياق الاعتداء على الرجلين ”الدراوشة والجراروة”، ان خمسة من رجال الامن العام في مواقع وظيفية مختلفة قد لاقوا وجه ربهم الكريم جراء حوادث اجرامية، فيما اصيب بجراح عدد لا بأس به من زملائهم خلال مواجهات بين رجال الشرطة والخارجين على القانون من تجار مخدرات واصحاب سوابق وجهلة موتورين مسكونين بعقلية ثأرية جاهلية، ما جعل الناس ينظرون الى هذه الحوادث  المتكررة وكأنها باتت تشكل ظاهرة لا بد من مواجهتها، الامر الذي حدا بالمعنيين الى نفي وجود هكذا ظاهرة، معتبرين ان الجرائم التي حدثت خلال هذا العام – الذي يوشك ان يغيب بعجره وبجره- هي في حدودها الطبيعية وفق المقاييس العالمية، وان ما حدث حتى الان هو بعيد كل البعد عن الجريمة المنظمة.

وكان المقدم عامر السرطاوي الناطق الاعلامي باسم مديرية الامن العام، قد نفى ان يكون الاعتداء على رجال الامن العام قد بلغ مبلغ الظاهرة، وان ما حدث لا يتعدى كونه جريمة شأنه كشأن غيره من الحوادث التي طالت هؤلاء الرجال، ومن هم في حكمهم في غير مكان على مدار هذا العام.

غير ان محاولة التقليل من اهمية ما حدث لم تثن الناس عن النظر بقلق الى تكرار حوادث الاعتداء بدم بارد وفي وضح النهار على رجال الامن العام والضابطة العدلية والجمارك وغيرهم، باعتبار ان الجرأة في التعدي على هؤلاء بمثابة مؤشر خطير، يضع القائمين على قمة الهرم الامني، امام تحد كبير، لقطع دابر هذا التطاول الدموي على رجال منوط بهم حماية دماء الناس واموالهم واعراضهم، من خلال حماية النظام المجتمعي العام على مدار الساعة.

وبالنظر الى تكرار هذه الحوادث، فان العديد من المراقبين قد ارجعوا اسبابها الى ما وصفوه بتراجع هيبة الدولة، وضعف الرادع القانوني المتمثل في العقوبات المنصوص عليها قانونياً، مطالبين بالاقتصاص من هؤلاء الجناة وتغليظ العقوبات عليهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم ممن تحدثهم انفسهم بارتكاب اعتداءات وجرائم مماثلة، آخذين بعين الاعتبار سلسلة المتغيرات التي استجدت على المجتمع الاردني، فحملت الاجهزة الامنية بمسمياتها المختلفة اعباء كبيرة تحتاح الى بذل جهود كبيرة لمواجهتها والتعامل معها.

ويلفت المراقبون الانظار الى ازدياد عدد سكان الاردن جراء موجات النزوح من دول الجوار خلال السنوات الخمس الماضية باعداد هائلة، ما رتب على البلاد اعباء هائلة تتطلب مواكبة حثيثة من قبل اجهزة الدولة المختلفة والاجهزة الامنية على وجه الخصوص، حيث تفرض الكثير من الاعباء، وتتطلب الكثير من اليقظة والتعامل بتوازن مع هذه الزيادة السكانية.

وقالوا بما اننا نردد على الدوام اننا دولة قانون ومؤسسات، فعلينا ان نرتقي الى مستوى التطبيق العملي لهذا المبدأ الذي لا يتجزأ تحت اي ذريعة، اذ ان الاعتداء على رجل الامن هو خرق فاضح لهذا المفهوم، علاوة على انه تطاول على هيبة الدولة، آخذين بعين الاعتبار ان الاعتداء على رجل الامن هو جريمة بحد ذاتها كونها تشكل اعتداءً مباشراً على القانون الذي يمثله ويؤتمن على تطبيقه، اما الجريمة الاخرى التي لا تقل خطورة وبشاعة عن الاولى، فهي ان نلبس هذا الجهاز الوطني عباءة العشائرية، انطلاقاً من مبدأ ”الثأرية”، لان في ذلك انتهاكاً للقواعد والاسس التي وجد من اجلها جهاز الامن العام، وهي ايضاً تعد صارخ على القواعد القانونية والدستورية، وتطاول على هيبة القانون، محذرين من ان التغاضي عن هذا المفهوم سيجعل المجتمع هو الضحية فيدفع فاتورة الفوضى الناجمة عن عدم الحيطة والحزم في التصدي لذلك التطاول.

كما انتقد المراقبون مسارعة اي مكون عشائري الى الدفاع عن مذنب من العشيرة ارتكب جرماً او مخالفة خطيرة لا بد ان يحاسبه عليها القانون لردعه، فينظمون الاحتجاجات، ويحاولون الاعتداء على مقار الشرطة وممتلكات الوطن واجهزته، وقالوا ان هذا الفعل الذي يحدث في امكنة عديدة لا يقل بشاعة عن الذنب الذي ارتكبه ابن العشيرة المخالف، جراء ما ينجم عنه من ازهاق ارواح او تدمير واتلاف ممتلكات، ما يعني ان المحتجين يوفرون الغطاء للمجرمين وتشجيع انتشار الجريمة، وصولاً الى احتمال ان يبلغ فيهم التطاول حد دفع مديرية الامن العام او من هم في حكمها من مؤسسات ودوائر الضابطة العدلية واجهزتها الى طلب موافقة عشيرة كل مطلوب من اجل القبض عليه، او اشتراطها نثر الورود على كل مطلوب يستقبل رجال الشرطة القادمين للقبض عليه بالنار والبارود، حتى لا تغضب العشيرة او ”زعرانها” فتصور لهم عنجهيتهم ان بمقدورهم ”فعل العجايب” رداً على استباحة هيبة العشيرة، التي عجزت اصلاً عن ردع خارج عن القانون يلوّح باسمها وينتسب اليها.

والسؤال هنا.. ما دامت بعض العشائر، او بعض افرادها يتضامنون في مثل هذه الامور لحماية شخص مطلوب، فأين كان هؤلاء عندما كان المذكور يرتكب مخالفات خطيرة؟؟ اين كانوا من ردعه ومنعه من ارتكاب الجريمة حماية لنفسه وعائلته اولاً قبل حماية المجتمع من شروره وآثامه ؟؟

وفي هذا السياق، لا بد من الاشارة الى ايجابيات عشائرنا، حين كانت واحدتها ”تنتخي” للمظلوم والمستجير، وكان شيوخها وكبارها يوارون وجوههم خجلاً حين يرتكب اي من ابناء عشيرتهم فعلاً مشيناً يسيء الى سمعة العشيرة وتاريخها، بل ان الكثير من العشائر كانت تعلن البراءة من اي مارق، يشذّ عن اخلاقياتها، اي انها ”تشمّسه” وفق المفهوم العشائري الدارج، وذلك تطهيراً لسمعتها واخلاء لمسؤوليتها عن افعاله امام العشائر الاخرى.

وبناء على تلك الاشارة لا بد ان يفهم كل من يتدثر بالغطاء القبلي الجاهلي ان الدول لا تقوم ولا تنهض الا باستقرار قواعد القانون، والحزم في تطبيقه، وعدم التهاون مطلقاً مع من يخرجون على القانون، ومع من يساندونهم تحت ذرائع عشائرية فهمت العصبية القبلية فهماً سلبياً اخرجها من قيمتها الاجتماعية والاخلاقية التي فطرت عليها عشائرنا.

في سياق رفضهم لحوادث الاعتداء على رجال الامن العام ومن هم في حكمهم ارجع مراقبون اسباب تلك الحوادث الى عدة اسباب تقع في مقدمتها ”ميوعة” الاجراءات اللاحقة حيال المجرمين بحجج واهية.. كالتذرع بحقوق الانسان وما شابه ذلك، اذ لا بد من الاخذ بعين الاعتبار ان المجرم الذي يتجرأ على اطلاق النار صوب رجال الامن او اي مواطن آخر، يكون بفعلته هذه قد تجاوز كل الحدود وتنازل عن الحقوق.

ويرى المراقبون ان هذه المشكلة ليست آنية، بل هي نتيجة تراكمات ترافقت مع مفاهيم خاطئة للحرية والديموقراطية، او التساهل والتغاضي عن بعض الجرائم وتعطيل تنفيذ عقوبة الاعدام، وتكليف رجال الامن ، الذين يمثلون هيبة  الدولة، بما هو خارج دورهم المعروف.. متناسين ان الاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم وخلخلة الامن جريمة كبرى بحق الوطن والمواطن، وان الذي يدافع عن المارقين الخارجين عن القانون ويأويهم هو شريك اساسي لهم اياً كانت صفته.

في جريمة الاعتداء على حياة رجلي الدوريات الخارجية الاخيرة لوحظ ان مواقع التواصل الاجتماعي عجت بآلاف التعليقات التي تطالب باعدام القتلة فوراً ليكونوا عبرة لغيرهم، مع ملاحظة ان هذا المطلب هو رد انفعالي يتناسب مع حجم الجريمة المرتكبة، ولا يمكن اللجوء اليه لان من حق الجناة ان ينالوا محاكمة عادلة، بالمقابل من حق الرجال الذين ازهقت ارواحهم ظلماً وعدواناً ان ينصفهم القضاء ويوقع قصاصاً عادلاً على قتلتهم من شأنه ردع كل من تسوّل له نفسه التفكير بارتكاب جريمة مماثلة، ومن حق زملائهم الذين يواصلون عملهم آناء الليل واطراف النهار على الجهات الرسمية ان توفر لهم وسائل اضافية لحمايتهم في الميدان واحباط محاولات الاعتداء عليهم.

بعض المراقبين ارجعوا تكرار هذا النوع من الاجرام الى تسلل فكر منحرف نتج عنه سهولة الاقدام على القتل والغدر والاجرام والخيانة، تحت غطاء ديني او مفهوم عشائري خاطئ، او لبوس عقدي مغرق في التطرف المرفوض، مطالبين الاجهزة المعنية بالانتباه والتصدي لارباب هذا الانحراف بتلاوينه المتعددة، مبينين ان حالات الاعتداء على رجال الامن العام تستحق الدراسة لفهم ظروفها ونشأتها وصينة افرادها وواقعهم الاجتماعي، باعتبار ان ذلك يساعد مستقبلاً على اتخاذ اجراءات وقرارات تمنع هذه الاعتداءات قبل وقوعها، وتكبح جماح المجرمين بأقل قدر من الخسائر في الارواح، وذلك من خلال استراتيجية شاملة تستنفر كل الطاقات تضع حداً لكل هذا العبث والجنون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى