اعطيوي المجالي.. باقٍ واعمار الصغار قصار
بقلم : راكان المجالي
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين الحمد لله في كل حال وعلى كل حال.
هذا مساء خير طيب مبارك تنيره المناسبة وصاحب المناسبة ويزهو بحضوركم البهي، هذا الحضور المفعم بالمحبة والاخوة والصداقة، التي تشع بالوفاء والايثار والتفاعل والتآلف والتلاقي.
هذا مساء كركي بامتياز فمساء الخير يا كرك المجد والخلود والتاريخ، ايتها الدمعة التي ذرفها الرومان على حافة الصحراء فأنبتت زهرة وسنبلة وحقولاً وبساتين، واستحالت صخرة كانت ركيزة كل الحضارات وعلى مدى التاريخ كانت قلعة شامخة من اقدم الازمان الى قلعة صلاح الدين محرر القدس.
مساء الخير يا كرك يا من تصعدين رجالاتك نجوماً لترصعي السماء بمواكب الشهداء والابرار والاخيار من ابنائك.
هذا مساء اردني أبي تتجلي فيه روح الاسرة الواحدة والخصائص الاردنية الاصيلة التي تحول المأتم والعزاء الى مهرجانات وطنية، وتجعل من الحزن طاقة ايجابية طافحة بالفخر والاعتزاز في تخليد رجالات الوطن واعلاء المبادئ والقيم والمعاني والمناقب.
فمساء الخير يا وطني الذي يتقاسم اهله اساهم في الملمات.
ومساء الخير يا قائد الوطن فأنت دوماً العوض وفيك العزاء وانت موئل الرجاء، مساء الخير يا سيدي يا من تقود السفينة الى شاطئ الامان بحكمة وشجاعة وبصيرة ثاقبة في بحر متلاطم الامواج، وفي اجواء تعصف فيها الاهوال والاعاصير بمنطقتنا التي تتهددها المخاطر، مساء الخير يا سيدي وانت تمضي بنا الى العلا :
ايها الساري الى أوج العلا عربياً هاشمي المرتجى
يا من تمضي بالمسيرة للامام متجاوزاً كل التحديات ولا يرهقك تسرب اشخاص سوء للبطانة، ولا يعيقك تسلل اي افاق دجال صغير او مسخ بشري لواجهة الحكم لا هم له ولا هدف لهم الا تشويه صورة النظام وايذاء الناس واستفزازهم بالتذاكي عليهم واهانتهم باستغفالهم، وبقية الشرور الاخرى، ولسان حال شعبنا يردد :
يا اردن الخير بعض الشر محتمل وبعضه ليس يُدرى كيف يُحتمل
ويلوذ الناس بالصبر الجميل والقناعة الاكيدة بان مليكهم يمهل ولا يهمل رغم انهماكه بمعركة المصير التي ضمن تحقيقها عبر توفير الأمن والاستقرار كحالة استثنائية في المنطقة.
مساء الخير يا فلسطين، يا جرحنا الكبير ومعركة وجودنا وتحدي حياتنا، ويا من ظل تحريرها مثلنا الاعلى، وكل من رحل منا وليس أولهم ولا آخرهم اعطيوي الذي رحل وفي قلبه غصة وفي خاطره انكسار وقد خلّف بعده مأتماً دائماً عنوانه اغتصاب ونحر فلسطين.
مساء الخير ايها الوطن العربي الاكبر الذي يوماً بعد يوم مآسيه ومذابحه وتدميره يزيد واحزانه تكبر.
واستميحكم العذر بايضاح بسيط، فلم تكن كلمتي هذه هي فقط كلمة آل الفقيد فكل الكلمات الرائعة التي عزفت هذا المساء نثراً وشعراً، وكذلك اشراقات عريف الحفل كانت كلها آل الفقيد وانتم جميعاً اهل الفقيد.
وأعود الى المصاب وما نتشارك فيه من تأملات بعد رحيل اي عزيز، باقرارنا قهراً ان الموت لا راد له وهو الحدث الاكبر في حياة الانسان والصدمة المروعة المذهلة الرهيبة التي لا يملك البشر اي تفسير لها ولا اية قدرة على مواجهتها ومنذ القدم كانت الدهشة من محدودية الحياة، ويهوّم عمر المختار قائلاً :
من كتاب الكون ضاعت صفحتان صفحتا مبدئه والمنتهى
وامام فقد اي عزيز نعتذر بقول ابي العلاء :
كان الأسى فرضا لو ان الردى قال لنا افدوه ولم نفده
او كما يقول ابن الفارض :
قد كنت امل ان اكون لك الفدى مما ألم فكنت انت فدائي
وفي هذا الموقف نذكر رثاء شوقي لحافظ ابراهيم حين قال :
قد كنت اؤثر ان تقول رثائي يا منصف الموتى من الاحياء
ونعود الى حدود المناسبة وخصوصيتها في هذه اللحظة الموحشة منذ رحيله وتشييعه الى تأبينه، انها لحظة متجددة مشحونة بفيض الأسى وصدمة الذهول، وهي لحظة يمتزج فيها الحضور بالغياب، حضورٌ طاغٍ لك في كل وقائع ومجريات حياتنا، حضورٌ في نفوسنا وفي مسيرة اعمارنا. . اما الغياب فهو غياب تفرضه حقيقة الموت.
ان عمرك الجميل يا (ابو عاطف) ممتد في اعمارنا، وانك ترحل عن عيوننا لتخلد في وجداننا او كما يقول الشريف الرضي :
خلا منك طرفي وامتلا بك خاطري كأنك من عيني نزلت الى قلبي
نفتقدك ونذكرك ولا ننساك ونحاول ان نكون على قدر التحدي في مواجهة تعبئة الفراغ الذي خلّفته، ونحاول ان نجد وسيلة لمجاراة تغطيتك لرحيل كل من رحل من رجالاتنا في العقود الاخيرة ونذكر قول المتنبي :
لقد كان عن كل مفقود لنا بدلاً وليس فيه على حالاته بدلُ
لقد كان مؤلماً وقاسياً فقدك، لكن ما خفف عنا هو ان المحبة عبر طوفان من الوفاء والاباء والمشاركة والتفاعل تمثلت في وقفة كل اخوانك واهلك ومحبيك في توديعك في مهرجان العزاء المهيب غير المسبوق، وتجلت فروسية اخلاق الرجال واصالة الشرفاء عبر اصرارهم على تكريمك بأن تكمل ما تبقى من اشهر نيابتك عبر احب واقرب الناس لك واولاهم بك.
كان اجماعاً يدعو للاعتزاز والفخر. وان كان هناك بعض الاستثناءات التي لا تنتقص من روعة وتجليات وفاء العقل الجمعي لأهلك ومحبيك، ولا من جلال الموقف المميز في توديعك وتكريمك وتخليد اسمك.
في بلادنا يصفون الانسان الخلوق حياً او ميتاً بان له سيرة عطرة، ولا ابالغ اذا قلت انها مقولة اكثر ما تنطبق عليك.
ابو عاطف :
باق واعمار الصغار قصار من عطر عمرك مائج موار
فسلام عليك يا اعطيوي حاضراً غائباً، سلام قولاً من رب رحيم، والسلام عليكم ايها الجمع الكريم ولكم خالص التحية والتقدير والشكر والامتنان والعرفان