قانون الانتخابات الجديد يبعث النشاط في عروق الحياة السياسية

كتب ساطع الزغول

ألقت الحكومة بحجر كبير في بركة السياسة الاردنية الراكدة باعلانها المفاجئ عن مشروع قانون الانتخابات البرلمانية الذي وصفه العديد من المراقبين بانه ”مقطوع من شجرة” تأسيساً على تعليق رئيس مجلس الاعيان ”السابق” عبد الرؤوف الروابدة الذي وصفه في مستهل ”جلسات اللجنة القانونية النيابية” التي بدأت حوارات حول مشروع القانون (بانه بلا اب ولا ام) متسائلاً اذا كانا موجودين لماذا لم يحضرا للدفاع عنه، لافتاً الى ان اي مشروع يجد من يدافع عنه، ويبرر هذا النص، ويشرح تلك الفقرة، ومرد هذا التعليق الذي تبعته ردود افعال وتعليقات كثيرة هو غياب اي طرف حكومي عن تلك الجلسة التي اطلق الروابدة فيها هذا التعليق الذي اسهم، فيما يبدو، في اعفائه المفاجئ من منصبه.
نحن في ”المجد” قرأنا مسألة البنوّة والأبوة من زاوية اخرى، وتساءلنا في عددنا الصادر في السابع من ايلول الماضي قائلين : ”هل هبط قانون الانتخابات علينا بالمظلة فجأة فسارعنا لالحاقه بذيل الدورة الاستثنائية؟”، وتساءلنا ايضاً عما اذا كان القانون ”منتجاً محلياً ام صناعة اجنبية ؟” وبينا في ذلك العدد ان ”.. التقليديين المحافظين من ابناء الحرس القديم والشد العكسي يعلنون في مجالسهم الخاصة ومحافلهم العامة ان هذا المشروع ”صناعة اجنبية”، وتحديداً امريكية، تولت سفيرة واشنطن النشيطة ”أليس ويلز” اسقاطه بالمظلة على حكومة النسور التي لم تكن الى ما قبل اسبوعين من الاعلان عنه في وارد اثارة هذا الموضوع، بل لعلها لم تكن موقنة من استمرار بقائها مطولاً على اكتاف الدوار الرابع.
بالمقابل، نفى الاصلاحيون الليبراليون الذين هللوا له صفة الصناعة الاجنبية عنه، واكدوا انه من بنات افكار النخبة السياسية الاصلاحية الاردنية وعلى رأسها الدكتور خالد الكلالدة وزير التنمية السياسية الذي أبلى -من وجه نظر الاصلاحيين- بلاءً حسناً لجهة انتاج هذا المشروع التقدمي والمتقدم على سائر القوانين الانتخابية النيابية السابقة – كما يرددون-، وهنا يبرز سؤال يقول :”اين موقع هذه النخبة المشار اليها ليبراليا من الدستور الاردني، بعد ان بين الفقيه الدستوري د. محمد الحموري لا دستورية بعض المواد وفروعها؟”.
ذلك التهليل الليبرالي الاصلاحي بالمشروع جيّره رجال الحرس القديم لصالح قولهم بأجنبية مصدره، وقد اعتمدوا في تجييرهم ذاك الى ما اسموه ”الحماس الليبرالي للمشروع”، باعتبار ان المدرسة الليبرالية والاصلاحية الاردنية شديدة القرب من الدوائر والافكار الغربية المناوئة للحركات القومية والاسلامية.
الفقيه الدستوري محمد الحموري كشف في مداخلة له خلال الاجتماع الذي نظمته اللجنة القانونية النيابية لمناقشة مشروع القانون عن عدة اشكالات تشوب مشروع القانون الذي تروج له الحكومة كأبرز انجازاتها، وقد حظيت انتقاداته بتأييد عدد من الخبراء الدستوريين والقانونيين والنواب، وفق ما اكدته تقارير صحفية عديدة.
ولفت الحموري الى ان الدستور لا يسمح بالانظمة التفويضية (المادة 8/أ) من مشروع القانون، وامام هذا فان تقسيم الدوائر الانتخابية وتحديد المقاعدالنيابية المخصصة لها بنظام تصدره الحكومة، يخالف الدستور.
ووجه انتقادات الى المادة (9أ-ج) وتعرض لها بالشرح والتوضيح، قبل ان يقول ان هذه المادة القانونية باطلة لمخالفتها للدستور، مبيناً ان المادة 2/71 من الدستور لا تسمح بنظام القائمة النسبية الوارد في مشروع قانون الانتخابات، مؤكداً ان الدستور الاردني لا يقبل الا بالانتخاب المباشر الذي تنص عليه المادة 1/76، إذ هو وحده الذي يمكن القاضي من اعلان اسم النائب الفائز بعد صدور حكم البطلان، وهذا ما كان يأخذ به قانون الانتخابات لعام 1986، والذي جرت على اساسه انتخابات عام 1989.
وانتقد الحموري المادة 9/د من مشروع القانون التي تنص على تمييز المسيحيين والشركس والشيشان والنساء بمقاعد خاصة بهم ”كوتا”، منبهاً الى ان هذا يتعارض مع المادة السادسة من الدستور التي تنص على المساواة بين الاردنيين دون تمييز، لافتاً الى ان دخول مرشح من احدى هذه الفئات الاربع المذكورة، في احدى القوائم الانتخابية سيجذب اليه اصوات فئتين من الناخبين، وهذا يعطي للقائمة ميزة تمكنها من الفوز غير متاحه لقوائم اخرى، وفي ذلك اخلال بمبدأي العدالة والمساواة اللذين يكفلهما الدستور للمرشحين لمجلس النواب.
وقال الحموري في مداخلته : اذا كانت الهيئة المستقلة للانتخابات سوف تشرف على الانتخابات، فان الذي سوف يقوم على هذه الانتخابات من الناحية الفعلية هم موظفو السلطة التنفيذية، في حين ان الوضع الطبيعي يقول ان من يتولى الاشراف على صناديق الانتخابات لضمان نزاهتها هم القضاة، وهذا ما اكده ميثاق النزاهة ”الذي لم يجف حبره بعد”.
النائب عبدالهادي المجالي القى محاضرة في مقر حزب جبهة العمل الاسلامي حول الحكومات البرلمانية، بين فيها ان قانون الانتخاب المنظور قد لا يفضي الى حالة تأسيسية جدية للحكومات البرلمانية، نظراً لغياب البنية التشريعية المناسبة، مبدياً شكوكه في قدرة مجلس النواب على تغيير بنية قانون الانتخاب على النحو الذي يتيح الفرصة لحكومة برلمانية وازنة.
ورأى المجالي ان يسبق مناقشة مشروع قانون الانتخاب من قبل مجلس النواب، عقد ندوة وطنية كبرى تشارك فيها السلطة الرسمية والقوى المجتمعية والسياسية، على ان تناقش هذه الندوة المسألة الانتخابية على عدة مستويات؟ منها مناقشة البيئة الوطنية والسياسية الراهنة، والتحولات الاقليمية والدولية، وهل تحتاج البيئة الوطنية العامة الى تغيير في انماط تشكيل الحكومات، وايضاً مناقشة البيئة التشريعية على اختلاف مستوياتها، ومدى ملاءمتها للمسار الديمقراطي، بما فيه دور القوى المجتمعية والسياسية، ومشاركتها في صنع القرار، وكذلك مناقشة المسار الذي نريد والذي نطمح اليه، وطبيعة البيئة السياسية والتشريعية التي تناسبه، وكيفية بناء شراكة وطنية قادرة على تقديم مقترحات محل اجماع او توافق لتحقيق الطموح، مبيناً ان هذه الندوة سيكون فيها اجابات على كل التساؤلات الغامضة والمسكوت عنها تجاه واقعنا السياسي وما يعانيه من اشكالات.
ودعا المجالي في محاضرته الى دراسة التجربة المغربية باعتبارها اقرب التجارب الى واقعنا ونظامنا السياسي، حيث اعتمدت نظاماً برلمانياً يمنح الحزبية فرصتها الكافية للمنافسة، ومن ثم تكوين تكتلات حزبية أتيح لها تشكيل حكومات برلمانية تتحمل مسؤولياتها كاملة، وبمقدور الناس محاسبتها ثم معاقبتها وفقاً لآليات ديموقراطية.
الكاتب المثير للجدل ناهض حتر، اتخذ من مقولة الرئيس الروابدة بأن مشروع القانون بلا اب ولا أم، عنواناً لمقالة كال فيها نقداً حاداً لمشروع القانون، واصفاً من قاموا باعداده بـ ”الهواة” وبأنه قانون انتخاب ”مغامرة”.
وقال حتر ان مشروع القانون ”.. بلا اب ولا ام لأننا بصدد قانون لا يعبر عن سياق اقليمي او محلي، فكأن الاردن منبت الصلة بالبراكين والتحولات الاستراتيجية حوله، وكأنه لا يقع بين فلسطين والسعودية، وبين العراق وسوريا، وكلها مناطق متفجرة تجري فيها متغيرات متسارعة تهمش او تقلص حرية الحركة امام قوى اقليمية كبرى، وتحضر فيها العملية التاريخية لاستعادة العالم المتعدد الاقطاب.
واضاف حتر يقول: هو قانون بلا اب ولا أم لانه مزيج مما يريده العقل الامني (اعادة انتاج الصوت الواحد) وما يريده العقل التوطيني الليبرالي الامريكي، وبسبب هذا المزيج بالذات يظن الهواة انهم يسترضون في آن معاً الامنيين ومحترفي النيابة والاصلاحيين المرتبطين بالسفارة الامريكية، وكل دعاة التوطين السياسي.
من جانبها، انتقدت الاحزاب الوسطية التي اجتمعت في مقر حزب الجبهة الاردنية الموحدة مؤخراً، افتقار مشروع القانون الى نظام القائمة العامة التي على اساسها يمكن ان يكون هناك وجود للاحزاب السياسية في الحياة السياسية والبرلمانية، وانه يتنافى مع كل المبررات والضرورات التي تستدعي تشريع قانون انتخاب جديد، ملمحين الى احتمال وجود شبهة دستورية فيما يخص فتح شرائح الكوتا فرصتين للترشح على القائمة او بشكل منفرد، حيث تمنح فئة من المواطنين فرصتين، ويحرم غالبية المواطنين منها، مبينين ان هذا القانون لا يسهم في بناء العملية الاصلاحية التي طال انتظارها.
وهدد بيان صادر عن تلك الاحزاب (25 حزباً) بانها ستعيد دراسة موقفها كأحزاب من العملية الانتخابية برمتها في حال اقرار هذا القانون الذي لا ترى فيه مصلحة حقيقية قد يجنيها الوطن والمواطن من الانتخابات النيابية المقبلة.
وكان اجتماع آخر ضم 17 حزباً قد انعقد في الحادي عشر من الشهر الماضي بحضور رئيس واعضاء اللجنة القانونية النيابية وشارك فيه د. خالد الكلالدة وزير التنمية السياسية، حيث قدم الحزبيون المشاركون فيه مذكرة تضمنت موقفاً مشتركاً وموحداً من هذه الاحزاب، وذلك على مذكرة اخرى قدمها ائتلاف الاحزاب القومية واليسارية تضمنت موقفهم من ذات المشروع.
مذكرة الاحزاب الـ 17 – ومن بينها جبهة العمل الاسلامي والتيار الوطني والجبهة الاردنية الموحدة تضمنت اربعة مطالب هي : تضمين المشروع القائمة الوطنية النسبية، وبنسبة لاتقل عن %25 من عدد مقاعد مجلس النواب، وان يحتكم تشكيل القائمة العامة لمعايير تشكل حوافز للاحزاب السياسية والقوائم البرامجية، واعتماد نسبة حسم ”عتبة التمثيل” بما لا يقل عن %2، وتضمين نظام تقسيم الدائرة الانتخابية في قانون الانتخاب.
الحزب الشيوعي من جهته قرأ مشروع القانون قراءة ايجابية، بيد ان تلك القراءة التي تضمنتها جريدة الجماهير الصادرة مطلع شهر ايلول الماضي اخذت على القانون استخدام القائمة المفتوحة بدلاً من المغلقة، والسبب ان القائمة المفتوحة قد تعيد النظر في ترتيب الاشخاص في القائمة، والذي تم بناء على اتفاق بين الاطراف المشاركة في القائمة، وهذا من شأنه ان يخلخل الاتفاق بين الاطراف المشاركة في القائمة، والسؤال هنا : ”هل حقاً خططت الحكومة لخلخلة الاتفاق بين اطراف القائمة مع ما يترتب على هذه الخلخلة من خلافات؟”.
مقابل هذا الارتياب والمخاوف والانتقادات اعتبر العديد من المراقبين ان مشروع قانون الانتخاب الجديد، اشاع حالة من الارتياح بين الاردنيين، يجب البناء عليها من اجل الخروج بالوطن من حالة العدمية والتشكيك والسلبية التي سيطرت على الشارع بشكل عام، وعلى الشارع السياسي بشكل خاص خلال السنوات الاخيرة وغذتها بعض القوى لحسابات حزبية ضيقة، داعين هذه القوى لمغادرة مربع الانانية التي تجعلها تدور في فلك ذاتها واوهام قوتها، وان تنتهز الفرصة لتعود الى ممارسة دورها من خلال اعترافها بانه لا احد بامكانه ان يكون نداً للدولة، وان يشكل ثنائية معها، او ان يلوي ذراعها.
ودعا المراقبون الذين ينحون بهذا الاتجاه سائر النخب الاردنية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية الى ترك سلبيتها والاسهام في العملية الانتخابية وذلك من خلال الانخراط في النقاشات الدائرة حول مشروع القانون، والتعاون مع الجوانب الايجابية منه وصولاً الى المشاركة الفاعلة في عملية الاقتراع.
وبعد.. من اجل انتاج قانون انتخاب يبني مدماكاً متيناً في هيكل الاصلاح السياسي الذي يسعى اليه الجميع، لا بد ان يكف كل اطراف اللعبة الانتخابية من الليبراليين الاصلاحيين وقوى الشد العكسي والحرس القديم والقوى السياسية التي تحكمها عقدة الأنا والنرجسية عن المناكفة والمماحكة والحسابات الفئوية، وان يضعوا نصب اعينهم الالتفات الى الصالح العام.
ايضاً مطلوب مغادرة النقاش النظري الذي يستنزف الجهد والوقت، والعمل على اقامة ندوة تضم مختلف المشارب والمستويات تناقش المسألة الانتخابية آخذة في الحسبان البيئة الوطنية والسياسية الراهنة، والتحولات الاقليمية والدولية، ودور القوى السياسية والمجتمعية في عمليات صنع القرار عبر مشاركة وطنية قادرة وفاعلة وحريصة على الشأن العام !!
وبعد.. سيظل هذا الموضوع قيد التداول والنقاش خلال الاشهر المقبلة، خصوصاً لدى ادراجه قريباً على جدول اعمال الدورة البرلمانية العادية ليصار الى اقراره في صورته النهائية، تمهيداً لحل مجلس النواب الحالي ورحيل حكومة النسور مع بدايات الربيع المقبل، ومن ثم اطلاق مرحلة سياسية جديدة قوامها انتخابات نيابية وفق القانون الجديد، وحكومة برلمانية تتخطى تجربة الحكومة الحاضرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى