التقاء الصيف والشتاء على سطح العلاقات الاردنية-السعودية

فوجئ الجانب الاردني في المحادثات التي اجراها الامير محمد بن سلمان، وزير الدفاع وولي ولي العهد السعودي في عمان مؤخراً، بطلب غريب تقدم به الامير لجهة الاطلاع على اوجه انفاق عشرات ملايين الدولارات على يد الامير بندر بن سلطان، خلال زياراته المتكررة للاردن، ولقاءاته المتعددة مع قيادات المعارضة السورية، ايام كان رئيساً لمجلس الامن الوطني السعودي قبل ثلاث سنوات.
وكان من البديهي ان ينفي الجانب الاردني معرفته الدقيقة بمثل هذه الامور التي كانت تجري سراً بين الامير بندر وفصائل المعارضة السورية، لغرض اسقاط نظام الرئيس الاسد..غير ان جميع الحضور لاحظوا ان هذا الطلب الغريب لا يعكس حرص الامير محمد على المال السعودي السائب، وانما يعكس رغبته في الوقوف على اية اختلاسات ومخالفات مالية ارتكبها الامير بندر وتصلح ان تشكل ادانة له يمكن توظيفها في خضم الصراعات الدائرة حالياً بين امراء الاسرة الحاكمة.
الامير محمد طلب تجميد ”غرفة الموك” التي ترعى الفصائل السورية المسلحة، بناء على طلب واشنطن التي لم تعد ترى اية فائدة في استمرار عمل هذه الغرفة، وهو لم يتوقف طويلاً بخصوص الجاري في سوريا، قياساً باهتمامه البالغ بما يجري على الساحة اليمنية التي يبدو ان السعودية قد تورطت فيها، ولم تعد تعرف كيف تخرج منها.
من طرف خفي، وبشكل غير مباشر، ابدى الامير الضيف عتباً على الاردن، لانه لم يتحمس لعاصفة الحزم السعودية ضد الحوثيين، ولم يسهم فيها بالقسط المأمول والمطلوب سعودياً، ولكنه اكد ان الباب السعودي سيظل مفتوحاً امام كل اشكال التعاون والتنسيق السياسي والعسكري والاقتصادي والامني مع الاردن، شأن ما كان عليه الحال منذ زمن بعيد، وبصرف النظر عن اية خلافات في الاراء والاجتهادات بين البلدين.
زيارة ولي ولي العهد السعودي لعمان التي استغرقت يوماً واحداً اوائل الشهر الماضي، والتقى خلالها بالملك عبدالله وكبار المسؤولين الاردنيين، لم تسفر عن نتائج او توافقات تستحق الذكر، بل لعلها لم تبدد حالة البرود والتحفظ لدى الطرفين، حيث تأخذ السعودية على الاردن ”خذلانه” لها عند حاجتها اليه في حربها على اليمن، وتمسك جراء ذلك عن تقديم العون المالي المناسب له.. في حين يأخذ الاردن على السعودية، ليس فقط انصرافها عن دعمه منذ عدة اعوام قدمت خلالها معونات طائلة الى مصر، بل تدخلها احياناً في شؤون الاردن الداخلية وبعض خصوصيات قيادته الهاشمية، وبما في ذلك اشتراكها مع قطر في تأليب العواصم الامريكية والاوربية على هذه القيادة التي يبدو ان الطاقم الحاكم في عهد الملك سلمان يشعر بالغيرة الشديدة تجاه صداقاتها الحميمة ونجاحاتها السياسية الملحوظة وحضورها المميز في المحافل الدولية، وتحديداً لدى الادارة الامريكية.
الخبراء والعارفون بدقائق وتفاصيل العلاقة الاردنية – السعودية يقولون ان ”الرواسب التاريخية” بين الهاشميين والسعوديين ما زالت تلعب دوراً مهماً في منسوب هذه العلاقة بين البلدين، وتحديداً عند الملوك والامراء السعوديين من الجناح السديري الذين لا يحملون الكثير من الود للهاشميين، وابرز هؤلاء الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، وشقيقه ولي العهد الراحل الامير نايف، ونجله ولي العهد الحالي الامير محمد بن نايف، فضلاً عن الملك الحالي سلمان ونجله ولي ولي العهد الامير محمد الذي يكاد يكون الحاكم الفعلي للسعودية هذا الاوان.
غداة اعفاء وزير الداخلية حسين المجالي ومديري الدرك والامن العام من مناصبهم عند منتصف شهر ايار الماضي، بذريعة التقصير الامني وضعف التنسيق فيما بينهم.. سرت بين صالونات عمان السياسية رواية مختلفة زعمت ان اقالة المجالي جاءت لاسباب اخرى حتى وان كان ظاهرها امنياً وداخلياً بحتاً.
رواية الصالونات افادت ان سبب الاقالة الحقيقي والخفي يعود الى زيارة المجالي للسعودية يوم العاشر من ايار الماضي، والتقائه بالاميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في الرياض، دون تشاور وترتيب مسبقين مع عبدالله النسور، رئيس الوزراء، ودون ان يضع الرئيس في صورة محادثاته مع ”المحمدين” عقب عودته الى عمان.
ورغم ان الوزير المجالي قد تذرع، في عدم التنسيق مع رئيس الحكومة، بان الزيارة خاصة وليست رسمية، وانها قد جرت وفق ترتيبات عائلية تضمنت سفره على متن طائرة خاصة الى الرياض.. الا ان المراجع العليا ارتأت اقالة الوزير المجالي لانه تجاوز الخط الاحمر، وارادت بذلك توجيه رسالة ”مفهومة جدا” الى من يعنيهم الامر في بلاد الحرمين.
صالونات عمان تضيف الى رواية حسين المجالي ”واو عطف” تخص باسم عوض الله الذي يقال انه قد تسلم منصب ”مستشار” في الديوان الملكي مؤخراً، حيث تشكك الصالونات في صحة هذه المعلومة، وتقول ان عودة هذا الرجل، المحسوب على السعودية، الى صدارة المشهد الاردني تثير الاستهجان، نظراً لان الاوضاع الدقيقة والحساسة الراهنة لا تحتمل وجود اي ”حصان طروادة” داخل مؤسسات الدولة الاردنية.
اقاويل الصالونات السياسية ومداولاتها تتوافق وتتقاطع مع عدد من الحقائق والشواهد الماثلة حالياً على ارض الواقع فيما يخص العلاقة الملتبسة بين الجانب الاردني، وبين مراكز القوى المتنافرة داخل العهد السعودي الجديد المنشغل ”بالخطر الايراني” والصراع اليمني، والراغب في التقارب مع تركيا وقطر والاخوان المسلمين، وهو ما يباعد فعلياً بينه وبين حلفاء بلاده في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وابرزهم مصر والاردن ودولة الامارات.
ورغم البادرة السعودية الاخيرة الهادفة الى رفع سقف التمثيل الدبلوماسي لدى الاردن الى مرتبة سفير/امير، وذلك لاول مرة في تاريخ العلاقة الاردنية- السعودية، الا ان المراقبين يعتبرونها تطوراً في الشكل وليس المضمون، ما دامت المعونات السعودية للاردن ممنوعة من الصرف، والخلافات بين البلدين مستعرة حول عدد من الملفات والقضايا والاولويات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى