عبدالناصر و«الإخوان».. لماذا هذا الحقد الأسود ؟

ثمة بلدة صغيرة في الجليل الفلسطيني الاسفل، تُدعى «كفر مندا» كان لها في الأيام الأخيرة، شرف إسقاط قناع آخر عن وجه جماعة الاخوان المسلمين ومجمل تيارات الاسلام السياسي التي ما برحت تبحث عن مكان لها في فضاء هذه المنطقة العربية، التي ابتليت بالاستعمار وأنظمة الفساد والاستبداد العربي وخصوصاً في محاولة جماعة الاخوان المسلمين, الهيمنة على المشهد الداخلي في اكثر من بلد عربي متدثرة بعباءة الدين، ومُنتدبة نفسها ناطقة باسم السماء, تمنح شهادات الايمان لمن يُسبّح بحمدها ويجّل خطابها وتكفّر من لا يرى «إسلامها»، وليس الاسلام الذي دعا اليه محمد عليه الصلاة والسلام، وتجلّى في آيات القرآن الكريم، التي شكلت والسُنّة النبوية الشريفة, طريقاً للهداية والفلاح ومكارم الاخلاق، التي بُعث نبي الله الكريم ليتمّمها, ولهذا هم منخرطون في خطة تدمير هذه الامة وتفكيك نسيجها القومي ولُحمة اوطانها لصالح مشروع اسلاموي مشبوه.

في كفر مندا، مجلس بلدية متنوع التمثيل والمرجعيات، اذ ثمة شيوعيون واسلاميون, ومن الاخيرين من يؤيد احزاباً اسرائيلية متطرفة مثل شاس حيث رفعوا, اثناء الانتخابات, شعاراً يقول: «شاس لكل الناس».. اقتراح تسمية دوار يجري تشييده في القرية التي لا يزيد عدد سكانها عن سبعة عشر ألف نسمة، اسم الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر، الاقتراح قدمته كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في المجلس شارحة سبب اقتراحها بأن الجميع» يرى في جمال عبدالناصر الرجل الشجاع والقائد، الذي أعاد للأمة جمعاء كرامتها وعنفوانها وسعى بكل قوة لوحدتها وصانها للوقوف في وجه اطماع الامبريالية العالمية، في زمن تردت به احوال الأمة وكنا كالأيتام على موائد اللئام».

لم يكد خبر الاقتراح (مجرد اقتراح) يسري في البلدة حتى هاج ممثلو الحركة الاسلامية التي يقودها الشيخ رائد صلاح، وراحوا بصخب وانفلات عُصابي يهاجمون عبدالناصر ويرفضون التسمية، لأن القائد العروبي الفذ في نظرهم «.. ظلم الكثير من مواطني مصر وكان سبباً وراء موت رجل الدين المشهور سيد قطب، وجميع من نادي بنصرة الاسلام».

هكذا إذاً.. حكاية سيد القطب التي تُمزج بفكر تكفيري واضح تنطوي عليه عبارة «.. وجميع من نادى بنصرة الاسلام».. عبدالناصر في نظرهم ليس فقط ظالماً بل كافراً.. لهذا هم لا يتوقفون عن «الغَرْف» من صحن سيد قطب التكفيري، الذي هو المرشد الاول للجماعات الجهادية التكفيرية التي تفتك بالمجتمعات العربية وتُصدِر من الفتاوي ما «يُحلّل» ارتكاباتها والاهم من كل هذا, انها دأبت ومنذ ثورة 23 يوليو, 1952 على حرف بوصلة الامة باتجاه تمرير خطابها الذي يواصل الابتعاد عن فلسطين وخصوصاً القدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، تفتعل المشكلات وتُضخم الاحداث, تريد الاستيلاء على الحكم وتُدبّر محاولات الاغتيال (حادث المنشية الشهير في الاسكندرية) تدعي «أبوة» الثورة وتَكذِب بأن عبدالناصر كان عضواً فيها ثم سرق منها.. «الثورة», وغيرها من الترّهات، الى ان اكتشفت مؤامراتها لقلب الحكم وسيق سيد قطب الى حبل المشنقة التي صنعت منه شهيداً (وهذا احد اكبر اخطاء عبدالناصر عندما حوّله الى شهيد)، الى ان فرح الاخوان ومن شايعهم مثل محمد متولي شعراوي بهزيمة «عبدالناصر» في عدوان 5 حزيران 67, وكأن الذي هُزم هو عبدالناصر وحده وليس سقوط القدس وفلسطين بأكملها في يد «اليهود» الذي يدّعي الاخوان محاربتهم.

إن هي الى سنوات معدودات, حتى جاء صديقهم «المؤمن» انور السادات فاستعان بهم «هراوة» ضد الوطنيين والناصريين والماركسيين فاطمأنوا الى ان «إرث» عبدالناصر قد تم «تذريره» ولم يكن «صاحبهم» سوى دمية في يد الاميركيين والصهاينة, حتى عقد صُلحه المنفرد مع «اليهود», لكن «الاخوان» كانوا قد كُلفوا بمهمة اخرى وهي «تحرير» افغانستان من الملاحدة السوفيات, لان طريق القدس يمر من كابول وليس من غزة او القاهرة.

هو الحقد على كل ما مثّله ويمثله وما يزال يمثله جمال عبدالناصر قائدا ومشروعاً وتوجها وانحيازاً للفقراء والبسطاء وحقوق الامة وعزتها وكرامتها، لم ينجح السادات في طمس ارث عبدالناصر ولن تُصيب حركات الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين نجاحاً في المس بجمال عبدالناصر ومكانته في قلوب الجمهور العربي وخصوصاً اولئك الذين لم يعرفوه وهم غالبية شباب هذه الامة.

يَضن ممثلو جماعات الاسلام السياسي على فلسطين بان يكون فيها دوار يحمل اسم جمال عبدالناصر، لكنهم لا يمانعون ان يحمل الدوار اسم اي زعيم صهيوني وربما رحبوا بان يكون اسم اردوغان او ابو بكر البغدادي وربما محمد مرسي على دوار بلدة كفر مندا, ومع ذلك يكشف هذا الموقف غير المفاجئ وغير الغريب, لاحد اذرعة جماعة الاخوان المسلمين (ضمن امور اخرى) مدى الحقد الاسود والدفين الذي ما يزال يوغر صدور «الاخوان» مما مثّله ويمثله جمال عبدالناصر وارثه القومي المجيد, ويحاولون حجب نور الشمس بغربال، لكن الله غالب على امره ولو كره الاخوان، فخطابهم قد انكشف ولعبتهم باتت قديمة ولم يعد ثمة شك في انهم الى فشل بل هزيمة, مهما حاولوا تجميل قبائحهم او التذرع بالدفاع عن الاسلام, وكأن الاسلام هو حكر عليهم وعلى الناس الخضوع لقراءاتهم وتفسيراتهم وخصوصاً مصالحهم.

…وسلام على جمال عبد الناصر.

“الرأي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى