“حل الدولتين” صهيونياً!

هل بات الصهاينة يرون أن الظروف قد نضجت واضحت مهيئةً لهم الآن أكثر من أي يوم مضى للمضي قدماً وعلناً في تطبيق نسختهم مما يعرف ب”حل الدولتين”؟!

لوهلة، سوف يثير طرح مثل هكذا تساؤل استغراباً مبرراً، لأن الوقائع والسياسات التهويدية التي فرضوها وانتهجوها، ويفرضونها وينتهجونها، على مدار الساعة في عموم الضفة والقدس في مقدمتها دلت وما زالت تدل على أنهم ليسوا في وارد التخلي عنها، أي أنها فضحت منذ أمد ليس بالقريب كافة الأوهام الأوسلوية المتعلقة بهكذا حل.

بيد أننا، وهنا تكمن المفارقة، لانطرح تساؤلنا هذا من زاوية معهود الفهم الأوسلوي البائس والعقيم والمتشبث بوهم لم يعد، وفقما سبق ذكره، وباعترافهم هم قبل غيرهم، وارداً أو ممكناً، وإنما من زاوية المفهوم الصهيوني البحت والمتكشِّف مع الأيام لهذا الحل، والذي إن لم يك بالجديد وطرح لديهم منذ ثمانينات القرن المنصرم، فقد غدا الآن يدعى اليه ويناقش في وسائل الإعلام، ولم يعد دعاته والحاضين عليه ثلة من مجانين المتطرفين، أوغلاة الحاخامات المتعاملين مع الصراع باعتباره تحصيل لسند عقاري رباني وعدتهم به الأساطير التوراتية، أو على منظمات من مثل “كاخ” الشهيرة، أو حفيداتها راهنا، “تمرُّد”، و”تدفيع الثمن”، و”شباب التلال”، وما قد يستحدث من مسميات، وكلها قاطبة ادوات “غير رسمية” مساعدة لفرض تلك الوقائع، واذرع مموهة لتطبيق تلك السياسات، وإذ تعبِّر عن سلوك يومي يتلائم مع طبيعة تجمُّع استعماري احلالي، تقوم بادوارها في سياقات تكتيكية في خدمة استراتيجية تهويدية متكاملة لكامل فلسطين التاريخية، سبق وأن اشرنا اليها في مقالنا السابق حول محرقة دوما، أو ما قلنا أنه ما اُتِّبع ما قبل النكبة وما بعدها، ولن يتم التوقف عنه حتى تُنجز، أي لايمكن إيقافه إلا بدحر الاحتلال، والذي لن يُدحر إلا بهزيمة المشروع الصهيوني برمته، أي بتحرير كامل فلسطين من نهرها إلى بحرها.

“حل الدولتين” هنا، هو “دولة اسرائيل” و”دولة يهودا”، الأولى في المغتصب من فلسطين في العام 1948 والثانية في الضفة الغربية المغتصبه في العام 1967 ، وفق دعوات الداعين اليه، واحدثها واحدة لكبير المعلقين في القناة التلفازية الصهيونية الثانية، امنون ابراموفيتش، الذي استلهم بدوره ذات السند العقاري الرباني وانطلق منه، فقال في مقال له في “يدعوت احرونوت”، إنه “بمفاهيم العقارات” يمكن اعتباره “فصلاً للشقق”، أما “بمفاهيم قومية”ف” دولتان لشعبين، دولة اسرائيل ودولة يهودا”، وكانت ذات الصحيفة قد نشرت اعلاناً عن مسابقة لوضع نشيد قومي واختيار علم للدولة الثانية تضمَّنه مقال كتبه الحاخام شالوم دوف وولفا.

للتغطية على جريمة دوما والتنصل رسمياً من تبعات رعايتها أكثر الصهاينة من ادانتها، لكن دون أن يتم القاء القبض على مشتبه واحد باقترافها، واستغلوها بخبث لتضخيم مزعوم لأخطار تمرُّد “المستوطنين”، أوخطورة خروجهم عن نطاق القدرة على ضبطهم، بعد أن تجاوز عديدهم في الضفة مع القدس الشرقية الآن النصف مليوناً، وبالتالي ضرورة إيجاد حل لمشكلتهم، وكله مع تواز تصاعد ممنهج لعربدتهم العدوانية، ما يعني تهيئة للقادم الذي هو إما الضم المباشر أو ب”حل الدولتين” على طريقة ابراموفيتش، أي تماماً كتكتيكات تصاعد الانتهاكات المبرمجة للحرم القدسي تهيئةً للخطوات المنتظرة، وهى اقتسامه ثم هدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه!

لاحاجة للقول بأنه مامن فارق بين “شباب التلال” ومستعربو “الشاباك” وبينهما وجيش الاحتلال، ولا لإعادة التذكير بأن حكومة نتنياهو بقضها وقضيضها هى حكومة “مستوطنين”، لكنما لابد من الإشارة إلى أن ما تعرف أوسلوياً ب”المنطقة ج”، أو التي لازالت تحت السيطرة المباشرة للإحتلال، أو لم تُسلَّم شكلياً للسلطة وفق اتفاقية أوسلو الكارثية، تعادل 61% من مساحة الضفة، وعدد المستعمرات المقطِّعة لأوصالها قد بلغ 176 مستعمرة يقطنها حتى العام الماضي 389285 مستعمراً، أي ما يزيد عن اهلها العرب بما يقارب المئة الف، وهنا نلفت الى أنه بعد ضم شرقي القدس ومحيطه الى غربها، وتسميتها “القدس الكبرى”، واعلانها عاصمةً أبدية للكيان الصهيوني، لم يعد يحتسب هذا الذي ضم، والبالغ مابقي من اهله 397 ألفاً، من مساحة الضفة، وبات مطوَّقاً بأحزمة من الأحياء التهويدية من كافة الاتجاهات، ويعيش فيها، حتى العام الماضي، 200 الف مستعمر.

ما تقدم يظهر فداحة ما اتاحته الكارثة الأوسلوية على مدى ثلاثة وعشرين عاماً من تغطية وزمن منشودين لعملية تهويد الضفة، أو اعداد للبنى الأساس لإعلان حل ابراموفيتش كخطوة مرحلية تسبق لاحقتها الاستراتيجية، آن يحين أوانها، أي “الترانسفير”، أو تطبيق أكذوبتهم الشهيرة “ارض بلاشعب لشعب بلاوطن”…يضاف اليه أنها اتاحت لمن اراد التنصل من مسؤليته القومية من عرب الآنحدار تجاه قضية قضايا الأمة في فلسطين الذريعة المنشودة لنفض يده منها، وصولاً إلى ما نشهده من تراجعها في سلَّم أولويات مريع راهننا العربي. …واللافت أنه يتزامن مع تخلي “الأنروا” المفاجىء عن التزاماتها البخسة اتجاه اللاجئين الفلسطينيين، أو ما لا يمكن فهمة إلا تنصلاً أممياً من المسؤلية اتجاههم، وبالتالي بوادر استهداف لحق العودة، الذي هو جوهر القضية الفلسطينية…وتزامن هذين، مع زيادة وتائر التنسيق الأمني الأوسلوي مع الاحتلال وتناسبه طرداً مع ازدياد منسوب الغضب الشعبي إثر جريمة دوما، وفي سياق تعاون طرفيه للحؤول دون اندلاع الانتفاضة الثالثة…هذه التي لم تعد شكلاً اعجازياً من اشكال المقاومة فحسب، وإنما حاجة وجود وضرورة بقاء…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى