مطلوب تعامل اردني ايجابي مع ايران بعد توقيع الاتفاق النووي

بصرف النظر عمن صرخ اولا في لعبة عض الاصابع الايرانية -الغربية التي دامت ردحا من الزمن، وعمّن ربح او خسر،وعمّن تجهّم متشائما او ابتسم متفائلا جراء توقيع الاتفاق النووي الايراني مع الدول الست،فإنه يسجل لايران انها نجحت في ان تجر الدول الكبرى الى طاولة المفاوضات بعد سنوات طويلة من الحصار وفرض العقوبات الاقتصادية، كما نجحت في انتزاع الاعتراف الدولي بها كلاعب اقليمي مؤثر في المنطقة .
ردود الفعل على توقيع هذا الاتفاق -الذي وصف بأنه تاريخي، وانه سيكون له ما بعده وان اوضاع الاقليم ما قبل التوقيع ستختلف عنها ما بعده – تراوحت ما بين الترحيب والاستهجان، وكل جهة تنظر الى الموضوع من زاوية مصلحتها الخاصة .
اردنيا، وفي رد فعل اولي،رحبت الحكومة بهذا الاتفاق وقال الناطق الرسمي باسمها د. محمد المومني ان الاردن كان دائما من الداعين الى ايجاد نهاية او تسوية دبلوماسية للملف الايراني، معربا عن امله في ان يهيئ هذا الاتفاق الاجواء الإيجابية لمزيد من التعاون الاقليمي ووقف سباق التسلح في المنطقة .
على الصعيد الشعبي تباينت المواقف من الاتفاق ما بين الترحيب به والتحذير من افرازاته، ففي حين بيّن سياسيون اهمية توصل مجموعة الدول الكبرى الست لاتفاق مع ايران بشأن الملف النووي الايراني لجهة اعطاء زخم لتخفيف التأزم والاحتقان في منطقة الشرق الاوسط، ابدت شخصيات اخرى تخوفها من ان يؤدي هذا الاتفاق الى ازدياد النفوذ الايراني في المنطقة، ودعت ايران الى ابداء حسن النوايا ازاء دول المنطقة، وان تتطلع الى بناء علاقات متوازنة بعيدا عن لغة النفوذ والتدخلات .
وفي نيويورك جدد الاردن الديبلوماسي ترحيبه بالاتفاق وآماله بأن ينعكس بشكل ايجابي على دول المنطقة، حيث قالت مندوب الاردن الدائم لدى الامم المتحدة السيدة دينا قعوار ان الاردن يرحب بالاتفاق الذي تم التوصل اليه عبر اشهر من التفاوض المكثف والتي بذلتها كل من الصين وفرنسا والمانيا والاتحاد الروسي وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
واضافت قعوار قائلة ان الاردن كان دائما يطالب يإيجاد تسوية دبلوماسية وحل سلمي للملف النووي الايراني، ومن هذا المنطلق فإن الاردن مع اية خطوة يمكن ان تساهم في ترسيخ الامن والسلم والاستقرار الاقليمي والدولي، وخاصة في ظل الظروف والتغيرات التي تعيشها منطقتنا في الوقت الراهن، مستطردة في القول : نأمل ان يقوم هذاالاتفاق بتعزيز الثقة بقدر كبير ما بين دول المنطقة، وعلى امن شعوبها واستقرارهم، وان يشكل خطوة بناءة للحيلولة دون سباق تسلّح في منطقة الشرق الاوسط واخلائها بشكل كامل من جميع اسلحة الدمار الشامل بما فيها الاسلحة النووية .
وخلال الجلسة التي وافق فيها مجلس الامن بالاجماع على ذلك الاتفاق في خطوة تمهد لبدء رفع العقوبات الدولية عن طهران، اكدت السيدة دينا قعوار اهمية دور وكالة الطاقة النووية في متابعة وتنفيذ الاتفاق وتزويد مجلس الامن بشكل منتظم بالتقارير ذات الصلة حول تنفيذ ايران لالتزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة .
المحللون الذين تابعوا الموقف الاردني من الاتفاق، سواء ما ورد على لسان الوزير المومني او الديبلوماسية قعوار قالوا ان الاردن قد مشى على الحبال فيما يخص الاعلان من ذلك الاتفاق ولم يسقط في فخ عدم المباركة الذي قد يعني اغلاق الباب تماما امام احتمالية اي تعاون مشترك مع الجانب الايراني .
وقالوا ان عدم السقوط في الفخ المذكور تولّد عن مخرج لجأ اليه المسؤولون وورد على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي قال ان الاردن له موقف مبدئي وثابت يتمثل في وقوفه مع اي خطوة تحقق ثلاثة اعتبارات هي ترسيخ السلم والامن والاستقرار الاقليمي،وان ينعكس اي اتفاق ايجابا على كافة الاطراف في المنطقة و على امن شعوبها، وان يحول الاتفاق دون سباق التسلح في المنطقة .
هذه الاشتراطات تعني في وجه من وجوهها ان عمان تطلب امن جوارها، وفي ذلك رسالة اردنية الى الرياض تقول فيها انها تأخذ في حسبانها العلائق والوشائج الاردنية السعودية، وتضعها في رأس قائمة اهتماماتها، وذات الرسالة موجهة بذات المعنى إلى طهران وتفيد بأن اولويات الاردن الخليجية تحتل مكانا متقدما .
التصريحات الصادرة عن المسؤول الاعلامي الاردني المومني التي قال فيها ان الدبلوماسية الاردنية تتابع الموضوع، وهي على اتصال مع الاطراف الرئيسة وخصوصا جون كيري وزير الخارجية الامريكي لتبادل الرأي والمعلومات حول تفاصيل الاتفاق،دفعت المراقبين الى القول ان العديد من المسؤولين الاردنيين سيبدأون تحركات مختلفة في المنطقة لجمع اكبر قدر من المعلومات قبل اتخاذ القرار النهائي، مشيرين الى ان ذلك يعني التشاور مع السعودية ودول الخليج والوقوف على وجهات النظر هناك، قبل ان يقول كلمة الفصل .
هذا الموقف أثار استهجان المراقبين ودفعهم الى القول ان الديبلوماسية الارنية تستخف بعقول الناس لتتهرب من الاعلان عن موقف صريح من الاتفاق في الوقت الذي رحب اصدقاء الاردن من دول شرقية وغربية بالاتفاق، بل ان اقرب المقربين له في الغرب هم من فاوضوا ايران لسنوات وابرموا معها الاتفاق، ما يدفع الى الواجهة بسؤال هام وكبير يقول : هل نحن اكثر خبرة ودراية بشؤون النووي من امريكا وفرنسا والمانيا وروسيا ؟
وقال المراقبون المستهجنون : اذا كان الاردن غير راغب في اعلان ترحيبه بالاتفاق تحسبا لموقف دول الخليج منه، فإن ” الربع ”في الكويت والامارات وقطر رحبوا بالاتفاق، في حين دعمته السعودية،لكنها تمسكت بعدم ربطه بالموقف من سياسات ايران المرفوضة في المنطقة العربية ..والسؤال هنا :هل هذا هو مربط الفرس الاردني وبيت القصيد ؟
المراقبون الذين تناولوا هذه الزاوية من الموقف الاردني زادوا جرعة استهجانهم لتتحول الى سخرية لاذعة حيث يقولون : ان الاتفاق مكون من مئات الصفحات ويتضمن ملاحق عديدة تعالج مسائل تقنية تفصيلية عمل عليها عشرات الخبراء من الجانبين الامريكي والايراني لأشهر طويلة،وبالتالي فإن الوقوف عليها من الجانب الاردني يعني اننا بصدد تشكيل فريق فني من عتاة الخبراء الاردنيين لدراسة تفاصيل التفاصيل، ومن ثم الخروج الى العالم الذي يترقب رأينا وموقفنا من الاتفاق قبولا او رفضا ..ما يطرح سؤالا في غاية البراءة يقول من الذي يهتم قبلنا ام رفضنا ؟ طالما ان الاتفاق صار امرا واقعا وحتما مقضيا ؟؟
ما سبق يدفعنا الى القول : أليس غريبا ان تبلغ الفهلوة الرسمية في بلادنا حدا من ”استهبال الناس”حين تقول انها بصدد الاستفهام من جون كيري عن موقفه من الاتفاق، وهو من هندسه وتعب عليه،ويعتبراكثر المتحمسين له، وقد ينال مع نظيره الايراني جائزة نوبل للسلام بناء على اقتراح تبناه رئيس وزراء السويد السابق كارل بيلت.
ايضا نحن نستغرب مع المستغربين ونستهجن مع المستهجنين وقوف الجانب الرسمي الاردني في المنطقة الرمادية بانتظار ”الترياق من واق الواق ”،ونعيد التذكير بأننا قد طالبنا – في عدد المجد رقم633 الصادر في العاشر من كانون الاول عام 2012 بأخذ اقتراح السفارة الايرانية في عمان بعين الاعتبار،حين دعت على لسان السفير الى تشكيل لجان اردنية ايرانية مشتركة للتباحث حول تزويد الاردن بالنفط بسعر تفضيلي،على ان يتم سداد الفاتورة من خلال التبادل التجاري بين البلدين، حيث يقوم الاردن بتصدير ما تحتاجه ايران من الصناعات والخامات الاردنية .
يومها قلنا : لأن الاصل والجوهر هو مصلحة الاردن التي يجب تقديمها على كل ما عداها / لماذا لا يتم البناء على عرض السفير الايراني بالتعاون النفطي والتبادل التجاري ؟..
هذا السؤال طرحناه قبل حوالي 32 شهرا، وقلنا ان مصلحة الاردن تعلو فوق اي اعتبار ..وها نحن نعيد السؤال ونجدد المقال بعد ان كسر الايرانيون الحصار، وها هم يخطون بثبات نحو مرحلة جديدة لا مكان فيها للأخذ بخواطر الآخرين ومراعاة مشاعرهم بينما هم غير معنيين بمعاناتنا وغير آبهين لما تؤول اليه احوالنا، فلنغادر المنطقة الرمادية، ولنترجل عن الحبل المشدود، فليس لدينا ما نخجل منه او نخافه على كافة الصعد.
وختاماً.. لعل مصلحة الاردن ومعاناته كانت في صلب الحوارات التي اجريت مع رجل السعودية القوي الامير محمد بن سلمان وولي ولي العهد في زيارته الخاطفة الاخيرة الى عمان، واستقبال الملك عبدالله الثاني له، حيث تم التركيز على اهمية تعزيز التعاون بين البلدين استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
وفيما شددت المباحثات على ان أمن الاردن والسعودية كل لا يتجزأ، كان لايران نصيب منها، وذلك من خلال اعلان الرفض الاردني والسعودي ليس للاتفاق النووي الايراني، بل لاية تدخلات ايرانية في الشؤون العربية تهدف الى زعزعة الامن والاستقرار في تلك البلدان، وبما يتنافى مع كل المواثيق والاعراف الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى