لماذا يكره الإخوان جمال عبد الناصر وسائر الرموز القومية والعروبية

أخذ جمال عبدالناصر على عاتقه مهمة تحرير مصر من الاستعمار والتبعية، وإنهاء الاستغلال وسيطرة الأجانب على الاقتصاد تحقيقا للعدالة الاجتماعية، ونصرة للفقراء والمستضعفين من أبناء الشعب المصرى، وحفلت قائمة إنجازات الـ”100 يوم الأولى لثورة 23 يوليو” بالعديد من القرارات والإنجازات التى كانت دلائل على الانحيازات الواضحة لصالح أغلبية الشعب من الفقراء، فبعد 9 أيام فقط من قيام الثورة وتحديداً في ”2 أغسطس/آب” تم إلغاء الرتب الباكوية والباشوية تحقيقا للمساواة، وفى ”4 سبتمبر/ ايلول” أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بعملية تطهير شاملة للإدارات والمؤسسات الحكومية، وفى (9 سبتمبر/ايلول 1952)، أقل من 50 يوما، أصدر مجلس قيادة الثورة قانون الإصلاح الزراعى بتحديد الملكية الزراعية بحد أقصى 200 فدان وتوزيع الباقى على فقراء الفلاحين، وأحدث هذا القانون تغييرا جذريا فى تركيبة المجتمع، باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة، وكان لافتا أن حسن الهضيبى مرشد الإخوان المسلمين وقتها عارض هذا القانون. كان القانون بمثابة الشرارة الأولى التى تسببت فى كره جماعة الإخوان وقتها للزعيم عبدالناصر، بعد أن أدركت الجماعة أنها لن تستطيع السيطرة على القائد المنطلق بقوة، وزاد من الأمر سعى قيادة ثورة 23 يوليو لإقامة تنظيم سياسى شامل أطلقت عليه اسم ”هيئة التحرير”، وهو ما أثار احتجاج المرشد العام ”الهضيبى” وقوله لعبد الناصر: ”ما هو الداعى لإنشاء هيئة التحرير ما دامت جماعة الإخوان قائمة”، وفى اليوم التالى لهذه المقابلة أصدر حسن الهضيبى بياناً وزعه على جميع شُعَب الإخوان فى المحافظات، وقال فيه: ”إن كل من ينضم إلى هيئة التحرير يعد مفصولاً من الإخوان”.
ثم بدأ هجوم الإخوان الضارى على هيئة التحرير وتنظيمها الجماهيرى ”منظمة الشباب”، وبلغت ضراوة المواجهة بين الإخوان وشباب الثورة إلى حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصى وإحراق السيارات فى الجامعات يوم 12 يناير/كانون الثاني 1954م وهو اليوم الذى خصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة، وتصاعدت حدة الصدام والصراع بين ”الزعيم” و”الجماعة” حتى وصلت ذروتها فى العام 1965 بعدما بات واضحا أن ”ناصر” سحب البساط من قواعد الإخوان الشعبية بإنجازاته الاجتماعية والاقتصادية على الأرض، فقد أممت مصر قناة السويس وبدأت فى بناء السد العالى، وحققت الخطة الخمسية الأولى 1965 – 1960، فضلا عن تبنى عبدالناصر لمشروعات حقيقية للنهضة.

محاولة اغتيال الزعيم

كان عبدالناصر يلقى خطاباً فى ميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 أكتوبر/تشرين الاول 1954م فى احتفال أقيم بمناسبة اتفاقية الجلاء، وعلى بعد 15 متراً من منصة الخطابة جلس ذلك محمود عبداللطيف عضو الجهاز السرى للإخوان، وما إن بدأ عبدالناصر خطابه حتى أطلق ذلك الإخوانى 8 رصاصات صوب عبدالناصر، وعلى الفور هجم ضابط يرتدى زيا مدنياً اسمه إبراهيم حسن الحالاتى الذى كان يبعد عن المتهم بحوالى أربعة أمتار، وألقى القبض على محمود عبداللطيف وبحوزته مسدسه.
لقد بدأت بهذه الحادثة مرحلة جديدة وحاسمة من المواجهة بين ثورة 23 يوليو وتنظيم الإخوان المسلمين! زاد من تعقيد الموقف أن التحقيقات فى الحادث كشفت سفر المرشد العام حسن الهضيبى إلى الإسكندرية قبل يوم واحد من محاولة الاغتيال، ثم ظل مختفياً منذ الحادث لفترة طويلة، وعندما صدر الحكم ضده وضد المرشد العام بالإعدام وتم تخفيف الحكم على الأخير إلى السجن مع وقف التنفيذ، ظهر الهضيبى إلى السطح من خلال رسالة خطية بعث بها من مخبئه إلى جمال عبدالناصر حاول فيها التبرؤ من الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة.
فى كتابه ”عبدالناصر والإخوان المسلمون” يقول الكاتب عبدالله إمام، إن مصر كانت فى النصف الثانى من عام 1965م تستعد لتنفيذ خطة تنموية جديدة بعد نجاح خطة التنمية الخمسية الأولى التى حققت أكبر نسبة تنمية فى العالم الثالث كله، باعتراف الأمم المتحدة التى أكدت بأن معدلات التنمية فى مصر زادت لأول مرة عن نسبة زيادة السكان، وخلال الخطة الخمسية الأولى صدر دستور 1963م المؤقت وأجريت الانتخابات لمجلس الأمة الجديد وألقى عبدالناصر فى أول اجتماع للمجلس كشف حساب للمرحلة كلها التى سماها مرحلة ”التحول العظيم”. وتابع أنه ”فى عام 1965م كانت مصر تخوض فى اليمن حرباً إلى جانب الشعب اليمنى دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر/ايلول والنظام الجمهورى، وفى العام نفسه وضع الرئيس الأمريكى ”جونسون” هدفاً أساسياً لإدارته هو إسقاط النظام فى مصر، وأعلن حصاراً اقتصادياً لتجويع الشعب المصرى.
عام 1965 كان بمثابة ذروة الصدام بعدما تم الكشف عن أبعاد مؤامرة إخوانية كبرى ضد نظام الرئيس عبدالناصر، حيث كان للتنظيم الإخوانى أجهزته السرية، ومن بينها جهاز لجمع المعلومات الاستخبارية وآخر للاستطلاع وثالث لجلب المراسلات والأموال من الخارج، ورابع لشراء السلاح وتخزينه فى القاهرة، بالإضافة إلى خلايا لتصنيع وضخ المواد الناسفة والمواد الحارقة، وأخرى من المهندسين لمعاينة الأماكن التى سيتم نسفها وبيان إمكانية التنفيذ، ووضع التنظيم خططاً لنسف عدد من الكبارى والمصانع والقناطر ومحطات الكهرباء ومطار القاهرة ومبنى التلفزيون وبعض مراكز البوليس ومنازل كبار ضباط الأمن والمباحث العامة بقصد إحداث شلل عام فى جميع المرافق، فيما أعدت خرائط تم ضبطها لهذه المواقع كلها، وتكليفات بحق عدد من دور السينما والمسارح والمتاحف لإحداث ذعر، ليتقدم التنظيم بعد ذلك إلى الحكم بغير معارضة.
قال أحد قادة التنظيم المتورطين فى مؤامرة عام 1965م أمام المحكمة.. ”كان الهدف هو إحداث أكبر قدر من الفوضى والذعر، وهذا قد يؤدى إلى سقوط النظام ليقوم محله مجتمع الإسلام، وكانت هناك أكثر من خطة لاغتيال جمال عبدالناصر، واحدة منها أثناء موكبه الرسمى فى القاهرة أو فى الإسكندرية، وكان هناك من يراقب سير الموكب فى أماكن مختلفة، كما وضعت خطة أخرى لنسف القطار الذى يستقله عبدالناصر فى طريقه إلى الإسكندرية للاحتفال بعيد الثورة، وثالثة لاغتياله فى شارع الخليفة المأمون، وهو فى طريقه إلى بيته فى منشية البكرى بشمال القاهرة.
صحيفة ”الأهرام” أثبتت بالوثائق فى عددها الصادر يوم 10 ديسمبر/كانون الاول1965م صلة حلف بغداد بتوجيه وتمويل النشاط الإرهابى لتنظيم الإخوان المسلمين وكان سعيد رمضان، وهو حلقة الوصل بين قيادة التنظيم ومموليه فى الخارج، قام بتحركات مريبة وتنقل عدة مرات بين بيروت وطهران وبعض العواصم الأوروبية، وكان يسافر بجواز سفر دبلوماسى أردنى كسفير متجول للمملكة الأردنية الهاشمية.

اعترافات زينب الغزالي

في كتابها ”أيام من حياتى” سردت زينب الغزالى مؤامرة عام 1965م التى كانت واحدة من الضالعين فيها وحكم عليها بالسجن 25 عاماً ثم أفرج عنها السادات فى أوائل السبعينيات تفاصيل مثيرة عن علاقاتها بالقيادى الإخوانى الشيخ عبدالفتاح إسماعيل الذى تعرفت عليه فى السعودية عام 1957م، وكيف بايعته فى الكعبة على السمع والطاعة والجهاد فى سبيل الله، وما الذى عملته تنفيذاً لهذه البيعة بعد عودتها إلى مصر؟؟.. ثم تمضى قائلة: ”كانت خطة العمل تستهدف تجميع كل من يريد خدمة الإسلام لينضم إلينا وكان ذلك كله مجرد بحوث ووضع خطط حتى نعرف طريقنا، فلما قررنا أن نبدأ العمل كان لابد من استئذان المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبى، لأن دراساتنا الفقهية حول قرار حل جماعة الإخوان المسلمين انتهت إلى أنه باطل كما أن جمال عبدالناصر ليس له أى ولاء ولا تجب له أية طاعة على المسلمين والسبب هو أنه لا يحكم بكتاب الله.
وتشير زينب الغزالى بعد ذلك إلى أن الهضيبى أوكل جميع المسؤوليات الخاصة بتنفيذ هذه الخطط إلى سيد قطب.
فى رؤيته لأسباب كره الإخوان لجمال عبدالناصر يقول رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الأسبق: ”اقترب جمال عبدالناصر من الجماعة، ثم بدأت جماعة الإخوان تتعامل بأسلوب عجيب كأن تتحالف مع محمد نجيب ضد عبدالناصر بهدف أنها تضغط عليه ليقدم تنازلات لها، كالمشاركة فى الحكم وكأن يكون لها وزراء تختارهم هى، ورفض ناصر واختار عددا منهم بمعرفته هو على رأسهم الشيخ الباقورى، الذى تم فصله من الجماعة، وبدأ الصدام عندما حاولوا الانقضاض على الحكم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى