سورية : ملامح حل أم استنزاف للوقت

تحاول الدول الكبرى وبعض دول الإقليم البحث عن حلول سياسية تشارك بها الحكومة السورية وبعض أطراف المعارضة التي باتت مقتنعة أن لا حل إلا الحل السياسي. ولا تزال وجهات نظر الأطراف التي تبحث عن الحلول السياسية ، متباينة حول الأسس التي يُبنى عليها مثل هذا الحل إن حصل.

طرحت إيران مبادرتها بدعم إقليمي ودولي نتيجة الخطر المحسوس من تنظيم داعش والنصرة وأخواتهما. وتستند هذه المبادرة على وقف الحرب ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء انتخابات جديدة برلمانية وبنود أخرى لم تعلن بعد حسب تصريح نائب وزير خارجية إيران.

وكانت روسيا الاتحادية قد طرحت مبادرة مضمونها تشكيل تحالف من دول المنطقة لمواجهة الخطر الذي يهدد الجميع ، وحل الأزمة السورية بحوار سوري سوري دون تدخل خارجي . نتج عن ذلك حراك دبلوماسي إيراني روسي تمثل في اجتماع الدوحة الذي ضم وزراء خارجية روسيا وأمريكا والسعودية، أعقبه لقاء بطهران لممثلي خارجية روسيا وسوريا وإيران للبحث في المبادرات المطروحة. تطرح هذه المبادرات من الدول، بينما تقف الأنظمة العربية موقف المتفرج، في الوقت الذي يقتضي أن تبادر هي إلى طرح مبادرة عربية لإنهاء الأزمات ، التي تهدد أمنها ووحدة أراضيها.

و يطرح على ألسنة المحور الذي تتزعمه أمريكا مصطلح ” المرحلة الانتقالية ” وهو تعبير جديد يتم تفسيره بشكل غير صحيح ، حيث تحاول أمريكا ترجمته ، وتفهمه على أساس أن المرحلة الانتقالية تعني إسقاط النظام الذي فقد شرعيته حسب زعمها ، وأنه لا بد من تسليم الحكم إلى هيئة سياسية جديدة تدير شؤون البلاد لمرحلة انتقالية يتفق على مدتها ! في حين يعلن المحور الذي تقوده روسيا وإيران بأن المطلوب ، هو تجاوز كل المعوقات التي يصطدم بها الحل السياسي ، والتأكيد على جوهر المبادرات المطروحة الذي يعني التصدي للإرهاب ممثلا بتنظيم داعش وجبهة النصرة، ودعم الحكومة السورية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، برئاسة الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية .

تحاول أمريكا بحجة محاربة داعش دعم ما يُسمى بالمعارضة المعتدلة ، فتعمل على تدريب بعض العناصر وإدخالهم إلى سورية عبر الحدود الشمالية ، وتطلق عليهم تنظيم ” سوريا الجديدة ” وتعلن أنها ستحمي هذا التنظيم ، داخل سورية بغطاء جوي ، وستقوم بضرب أي قوة تتعرض لهذا التنظيم الجديد.

وبالمقابل حذرت روسيا على لسان وزير خارجيتها لافروف من تداعيات التدخل العسكري الأمريكي المباشر  في سورية ، واعتبرته عاملاً محبطاً لمواجهة داعش الذي تحاربه القوات العسكرية السورية ، كما أنه سيعيق مبادرة الحل السياسي المطلوب.

ودخلت تركيا على الأزمة وأعلنت أنها اتفقت مع أمريكا لمواجهة التنظيم وطرده من شمال سورية ، وبناء منطقة عازلة على الحدود مع سورية بطول يتجاوز المائة كيلو وبعمق داخل الأراضي السورية يتجاوز الخمسين كيلو متراً !! لتكون منطقة آمنة تؤوي فيها السوريين الموجودين في تركيا.ولكن هذه المنطقة لا يمكن تحقيقها إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي. وليس الهدف

من هذه المنطقة العازلة إلا العدوان المباشر المستمر على سورية، ومنح تنظيم داعش حرية الحركة على الأرض السورية بعد منع الطيران السوري من ملاحقته و قصفه.

إن استدارة أمريكا وتركيا بشكل مباشر للتدخل في الشؤون السورية ، الذي يمس السيادة السورية، سيؤدي حتماً إلى إطالة الصراع ، لأن ما تقوم به أمريكا وتركيا وحلفاؤهما من دول الخليج ليس إلا مناورة سياسية هدفها الحصول على مكاسب على الأرض عندما تتهيأ الظروف للدخول في الحوار السياسي لإنهاء  الأزمة السورية .

تؤكد سورية وحلفاؤها على أن الأولوية هي الحرب على الارهاب بجميع مكوناته ، وأنه لا توجد معارضات معتدلة تحمل السلاح وتحارب الدولة، فكل من يحمل السلاح هو منظمات إرهابية يجب محاربتها. كما ترى أنه لايمكن أن يكون أي حل سياسي إلا إذا التزمت جميع الدول بوقف الدعم للمنظمات الارهابية التكفيرية، ومنعت العناصر المسلحة من العبور من حدودها . كما أن دول المحور الداعمة لسورية تؤكد على دعم سورية والوقوف إلى جانب دولتها برئاسة الرئيس بشار الأسد الرئيس الشرعي للدولة السورية.

سيظل  الصراع قائماً في المنطقة ما دام التدخل الأمريكي المباشر مستمراً ، و بدعم بعض دول الخليج .  برغم ما نشاهده الآن من نشاط سياسي وحراك دبلوماسي ومبادرات تُطرح من عدة أطراف ، فلم تنضج الأمور على الأرض التي تدور عليها المعارك فهي وحدها الكفيلة بحسم الموقف. وستظل دول المحور المعادي تعمل لاستنزاف سورية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وستزيد من دعمها للإرهاب ، ما دام الجيش العربي السوري يملك زمام المبادرة، ويحقق انتصارات على تلك التنظيمات .

ويمكن من خلال متابعة الأحداث أن نستنتج : أنَ المعوّق الأساسي لهذا التنسيق يتمثل في الموقف التركي وحلفائه  الذي يرى أن الحل الجذري للإرهاب يكمن في سورية ، وأن هناك خطة تركية أمريكية موجودة لتحقيق هذا الهدف.  حيث لا تزال تركيا وحلفاؤها يقدمون التسهيلات و الدعم لهذه المنظمات وكانت من أسباب توسعها وانتشارها بين دول المنطقة. لكن تركيا تواجه اليوم الخطر الكردي الذي يوجد له بيئة حاضنة واسعة داخل تركيا، من الشعب الكردي مما يجعلها مهددة من داخلها بأزمة كبيرة ستخلق لها مضاعفات وتداعيات على الوضع التركي الداخلي.

تدعي أمريكا أنها ستحارب داعش في سورية ، وأنها قامت بتدريب بعض العناصر وزودتهم بأسلحة متطورة وأدخلتهم إلى الأراضي السورية عبر الحدود التركية . ولكن هؤلاء العناصر بعددهم الضئيل وقعوا في مصيدة تنظيم جبهة النصرة ، وهم بالنهاية ليسوا إلا عيوناً للمخابرات الأمريكية، لينقلوا ما يشاهدونه على الأرض ، ويقدموا المعلومات الاستخباراتية التي تطلبها القيادة الأمريكية. إن ما تقوم به أمريكا مناورة سياسية ، وعملية استنزاف للوقت ،وأن المرحلة الآن ليست مرحلة حلول سياسية  برغم ما نشهده من حراك سياسي داخل مدن الإقليم . فالحل المطلوب بحاجة إلى إرادة سياسية أولاً، وإلى تنازلات تحقق تقارباً بين الأطراف الرئيسية، يستند إلى الحوار الذي لايزال مفقوداً. ويظل الميدان هو العامل الحاسم في إقناع جميع الأطراف للذهاب إلى طاولة الحوار الذي يظل حواراً سورياً سورياً. فالسوريون هم وحدهم المعنيون بإحلال السلام على أرض سورية الذي يضمن وحدتها واستقلالها .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى