رحيل عبد القادر حاتم أول وزير اعلام بعهد عبدالناصر

عن عمر يناهز الـ 97 عاماً، رحل في القاهرة الاسبوع الماضي الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، احد ضباط ثورة 23 يوليو المجيدة واول وزير اعلام مصري في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

وكان الدكتور حاتم الذي منح الاعلام العربي مفهوماً جديداً، واسس وكالة انباء الشرق الاوسط، من اخلص رجال عبدالناصر واكثرهم تعلقاً به وايماناً بمبادئه الوطنية الثورية والقومية العربية.

الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان يتصدر شخصيات الثورة.. بحكم موقعك القريب منه، ماذا تقول عن شخصيته؟

عبد الناصر قيمة وطنية عالمية اعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء.. وسأذكر قصة تدعم هذا الرأي بكل صدق. كنت في لندن قبل ذكري الأربعين لوفاته، واتصل بي صديقي’كريستوفر ماهيو’ وزير البحرية البريطانية، وأخبرني بأنه تقرر إقامة حفل تأبين لعبد الناصر بمجلس العموم البريطاني يوم ذكري الأربعين الموافق 7 نوفمبر 1970، وطلب مني الحضور بملابس الحداد وكرافتة سوداء، وعندما دخلت القاعة الرئيسية للمجلس وجدت جميع الحاضرين يرتدون ملابس سوداء ويضعون علي صدورهم الشارات السوداء!

المهم.. بدأ حفل التأبين وتحدث أحد النواب قائلا: إننا نؤبن اليوم عبد الناصر.. لأنه لم يكن عدوا لنا.. بل كنا نحن البريطانيين حكومة وصحافة أعداء لعبد الناصر، فقد نصحنا بعدم شن العدوان الثلاثي علي وطنه، ولكننا لم نستمع له، فضاعت الأمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس ! وقال نائب آخر : إننا نذكر عبدالناصر.. وتفخر الوطنية في كل أنحاء العالم بأنه قيمة وطنية وبطل وطني كان يحافظ علي استقلال بلاده من كل من يعتدي علي حرية وكرامة وأرض الأمة العربية التي كان قائدا لها.. يعمل بما قررته الأمم المتحدة.. كان جمال عبد الناصر قيمة ليس للعرب فقط، بل لكل دول العالم التي تناضل وتكافح أمام أقوي القوي الدولية!

ثم طلب الوزير ‘كريستوفر ماهيو’ مني أن أصعد إلي منصة التأبين وألقي بكلمات الرثاء للفقيد العظيم، فوقفت أمام الميكروفون نحو دقيقتين ‘بدون كلام’ متأثرا لهذا الموقف الجليل الذي يقفه البريطانيون اليوم من عبد الناصر ‘عدوهم الأول في المنطقة’ وإذا بكل الحاضرين يقفون ظنا منهم أنني أقف دقيقة حداد علي روح عبدالناصر، وأخيرا قلت لهم: رغم أنني كنت المتحدث الرسمي لثورة مصر أيام العدوان الثلاثي فإنني أجد صعوبة في الحديث عن هذا الموقف الكبير، لأنني أري بريطانيا عدوة عبدالناصر في عام 1956 تقف اليوم وبكل ما تمتلكه من حضارة وإنسانية تؤبن عبدالناصر كقيمة وطنية عالمية.. ياليت روح عبد الناصر تكون معنا في هذه القاعة لتري بريطانيا زعيمة الديمقراطية، وصحافتها التي كان دائم الشكوي منها.. وهي مجللة بالسواد حزنا ورثاء لغياب عبدالناصر !

لم يكن عبدالناصر نرجسيا  ولا سعى لامتداد الناصرية حتى بعد رحيله.. فعندما كنت مديرا لمكتبه: جاءني وفد من الأرجنتين وطلب مقابلة عبدالناصر، فأخبرته بأنهم ‘ناصريون’ ولأول مرة في حياته يسمع هذا التعبير NASSERiSM وسألني مستغربا: ماذا يقصدون أجبته : ياريس يوجد في العالم عدة حركات تحررية مستمدة قوتها وكفاحها من رواد وثوار لهم مباديء تنشدها الشعوب. فقال وهو يقاطعني: أرجو ألا أسمع عن كلمة ‘الناصرية’ إطلاقا!

مات عبد الناصر وكنت وزيرا لإعلامه، ولم استخدم هذه الكلمة إلا في يوم ذكرى الأربعين لوفاته، حيث كتبت مقالا عنه وعن الناصرية قلت فيه إذا كان عبدالناصر لم يستخدم كلمة ‘الناصرية’ في حياته، فإنها ستصبح مبدأ سياسيا مهما، وسينتشر بعد وفاته!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى