توقفوا عن استنزاف جيوب الناس فقد نفذ مالهم وصبرهم

كتب ساطع الزغول

دأب الملك عبدالله الثاني على تذكير المسؤولين والحكومات بضرورة تحسين ظروف معيشة المواطنين، وتقليص مساحات البطالة والفقر، ووجوب ان تكون هذه الامورعلى رأس اولويات الدولة .
واقع الحال يقول ان الحكومة، او ما سبقها من حكومات قد عجزت عن تنفيذ التعليمات والتوجيهات الملكية، سواء بسبب غياب الارادة والقدرة على الفعل، او جراء الانشغال بأشياء يرى الطاقم الوزاري انها تحتل الاولوية، او بسبب التقاعس في اسوأ الاحوال .
وفي هذا السياق يتساءل المراقبون – وقد استوقفهم تكرار الاشارات والتنبيهات الملكية على مدى سنوات حول ذات المسألة – عن الاسباب التي حالت دون قيام الحكومة ببلورة خطط محددة وبرامج واقعية وعملية للخروج من ازمة البطالة وتحسين ظروف المعيشة، وتنمية المناطق الفقيرة في مختلف ارجاء الوطن، رافضين تعليق هذا القصور الرسمي على شماعة حالة عدم الاستفرار الاقليمي، باعتبار ان تلك الحالة بكل انعكاساتها اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا ذاهبة الى المجهول وليست مربوطة بأجل محدد نبدأ بعده في التخطيط والبناء، مع ان تلك الحالات، اصلا، لاتمنع وجود خطط وبرامج اقتصادية واجتماعية وسياسية فاعلة، تسهم في تحسين مستوى حياة الناس ومعيشتهم على كل الصعد .
اللافت في هذا الموضوع ان الحكومات المتعاقبة تهدم المداميك التي تبنيها سابقاتها وتبدأ في البناء من جديد، وكأن طاقمها وحده من يمتلك الخبرة والمعرفة والمهارة، وما بين الهدم والبناء . وافاعيل التذاكي والتباكي والتشكي، والبحث عن شماعات تصلح لتعليق الذرائع لتضيع الطاسة، وتسير الامور من سيئ الى اسوأ في غياب الخطط والبرامج الطويلة الامد والعمل على تحقيقها بدأب وثبات، بصرف النظر عن هوية الفريق او الطاقم الوزاري الذي وضعها، شريطة ان تقود الى مشاريع تنموية تولّد فرص عمل جديدة .
المراقبون توقفوا عند امر غير محمود يمارسه كبار القوم ممن تصاعدوا الى الدوار الرابع.. فبينما لم يسجّل اي واحد منهم انجازات ذات بال وهو في سدة الرئاسة، نراه بعد مغاردة موقع المسؤولية وقد انكشف عنه الحجاب، وحلّ حضوره محل الغياب، واخضوضرت بفعل عبقرية تنظيره الارض اليباب، فبدا وكأنه فطحل زمانه وربان عصره واوانه،والسؤال .. هل كانت يده مغلولة حين كان يحتل ذات الموقع الذي يستهدفه او يحلم به؟
وسواء أكان تنظيرهم ونقدهم يأتي من باب المناكفة او بدافع تلميع الذات ولفت الانظار او لرغبة في تسديد فواتير قديمة مع الطرف المنقود، فإن الناس تنظر اليه يعدم اهتمام لأنها تدرك انه لا يأتي من باب الحرص على مصلحهم، لأنه لو كان كذلك لتمّ وضعه موضع التنفيذ ايام كانت الدنيا ”قمرة وربيع”، حيث كان اصحاب الهيلمان هؤلاء يتربعون على الدوار الرابع .
مؤخرا وجه سمير الرفاعي، رئيس الوزراء السابق، نقدا لاسعا لأداء حكومة النسور الاقتصادي، مؤكدا ان المديونية وصلت الى 5,23 مليار دولار خلال الاعوام الاربعة الاخيرة – اي تقريبا منذ استقالة حكومته في شهر شباط عام -2011 وان هذه المديونية ستصل الى ثلاثين مليار دولار اذا ما اضيف اليها مبلغ تسعة مليارات دولار من المساعدات الخارجية .
بحسب المراقبين فإن الشارع المأزوم بالبطالة وسوء الاوضاع المعيشية وتضييق الخناق عليه بالرسوم والضرائب وطرق وآليات انتاجها لتحصيل المزيد من الاموال من جيوب الناس لرفد الخزينة، يرى ان الرفاعي يضع اصبعه على الوجع، وان محاضراته وملاحظاته تتناغم مع هموم الناس، ولكن السؤال : هل سيظل الرجل على عهده اذا قيض له ان يتسلم المسؤولية مجددا، ام انه سيصبح، مثلما كان في حكومته السابقة، رهين الروتين والبيروقراطية ومساحة التحرك المحدودة، ما يدفع واحداً ممن سبقوه الى اعتلاء منابر التنظير ليبدأ عداد المناكفة في الدوران من جديد ؟
المراقبون اعترفوا لسمير الرفاعي بدقة التوصيف حين تطرق للعلاقة بين القطاعين العام والخاص، وقال انها تمر بأسوأ حالاتها ساسيا واقتصاديا واجتماعيا، مؤكدا ان السياسات الاقتصادية المعمول بها حاليا، بما في ذلك القوانين والتشريعات التي اقرتها الحكومة خلال الاشهر الماضية خلقت مشاكل حقيقية للقطاع الخاص، كماانتقد غياب فرص العمل الحقيقية امام الشباب، ما ولّد في الاردن نسب بطالة عالية .
انتقادات الرفاعي في محاضرته بنادي روتاري عمان خلال الشهر الماضي، وصفت قانون الاستثمار الحالي بأنه ليس له علاقة بالاستثمار، وقد جاء هذا النقد ليتكامل مع انتقاداته لمشروع قانون ضريبة الدخل قبل اقراره،، ويومها تحدث الرجل عن الاقتصاد بقلق شديد.
المراقبون اتفقوا مع اغلب طروحات الرفاعي، لكنهم سجلوا عليها انها لا تتطرق الى الحلول، ولا تضع احدا امام الخيارات الصحيحة او الطرق البديلة، وقالوا انها لا توحي ان الناقد الرفاعي يمتلك مفاتيح الرؤية الاقتصادية البديلة التي ستواجه ارتفاع البطالة وارتفاع المديونية والعجز التجاري واصلاح العلاقة بين القطاعين العام والخاص .
ايضا لفت المتفقون مع الطروحات الرفاعية الى ان خصوم الرجل يقدمون خطابا معكوسا تماما، مشيرين الى ان حكومته استقالت بعد احتجاجات شعبية مع بداية حقبة ما يسمى الربيع العربي على وقع ارتفاع الاسعار وسوء الاوضاع الاقتصادية فيما الطبقة الوسطى التي يتبنى الرفاعي مسالة توسيع قاعدتها تشعر بتوجس من مشروعه الاقتصادي الذي يقوم على مبدأ السوق المفتوح تماما.
وليس بعيداً عن توصيفات الرفاعي، ما اعلنه العين والخبير الاقتصادي الدكتور جواد العناني خلال افتتاح جلسات مؤتمر ”اليقظة الاستراتيجية لمواجهة التحديات الاقليمية والعالمية في بيئة الاعمال المتجددة” الذي اقيم في جامعة مؤتة الاسبوع الماضي، حيث اشار الى ان الحكومة رفعت اسعار المشتقات النفطية والكهرباء والجمارك بهدف تعويض الخسائر التي لحقت بها، الا ان ذلك الرفع لم يخفض من عجز الموازنة، بل رفعها الى 23 مليار دولار، وهي مرشحة للارتفاع حتى نهاية العام الحالي.
كما يندرج في ذات السياق الهجومي على حكومة النسور، ما ذكره رئيس مجلس النواب الاسبق هايل السرور في محاضرة له يوم الاثنين الماضي بمركز الرأي للدراسات، حيث اشار الى ان الحكومة عجزت عن مواجهة التحديات الاقتصادية بدليل تراجع النشاط الاقتصادي والخدماتي لمختلف القطاعات، اضافة الى ارتفاع نسب البطالة، لافتاً الى انه رغم التوجيهات الملكية المتكررة للحكومة، الا ان اجراءاتها لم ترق الى الطموح الملكي، مستدلاً على ذلك بعدم قدرة الحكومة على تقديم خطة عشرية للاقتصاد كان يفترض تقديمها مع نهاية العام الماضي، الا انه مضى على انقضاء الموعد اربعة شهور دون خروج الخطة لحيز الوجود، ما يعني ان الحكومة تعمل بلا خطط واضحة لمواجهة التحديات.
لدينا ايضاً ما ذكره المحلل الاقتصادي عصام قضماني تعقيباً على تقرير ديوان المحاسبة الذي تناول مشروع هيكلة القطاع العام، حيث قال ان اهم نتائجه كانت تفريغ المؤسسات الحكومية المستقلة من الكفاءات، ما يؤدي الى تراجع مستوى القيادات التي تشغل المناصب العليا فيها.
وكان تقرير ديوان المحاسبة لعام 2014 قد كشف عن ان وزارة تطوير القطاع العام قدرت اجمالي تكاليف اعادة الهيكلة بـ 82,5 مليون دينار، ولكن المبلغ الفعلي تجاوز ذلك ليصل الى 363,5 مليون دينار، ما يعني تخبطاً وخللاً وسوء تخطيط في الصرف والانفاق يتم تحميل فروقاته الى المواطن في صورة رسوم وضرائب لا حصر لها ولا قبل له بها.
وبغض النظر عن المفارقة في لعبة الارقام المملة التي تتداولها الحكومات والاعيب السياسيين وشطارتهم في نصب المصائد وتصيد الاخطاء، فإن الكثير من الخبراء والتجار يحمّلون حكومة النسور مسؤولية الاوضاع الاقتصادية وما تعكسه من آثار وخيمة على الحياة العامة والمعيشية للجميع، ويعزونها الى اكثر من سبب، فهناك احاديث عن خلل في قوانين الضرائب والاستثمار، وعن الرفع المستمر في الرسوم المختلفة على التجار ورجال الاعمال مقارنة بالاعوام السابقة، في ظل تراجع كبير في الارباح والطلب، حيث يكون المواطن هو الضحية جراء تحميله الغرم في صورة ارتفاع متواصل للاسعار.
وزاد الخبراء قائلين ان ظلال الحرب على الارهاب وافرازات ” الربيع الدموي ” في دول الجوار قد اثّرت كثيرا على قطاعات السياحة الاجنبية والشحن التجاري، علاوة على تأثيرتلك الظلال والافرازات على قطاع الزراعة والنقل.
الرفاعي في حديثه بنادي روتاري عمان آنف الذكر، ذكر ان النسبة العالمية للبطالة هي بحدود 13 في المئة، وانها في العالم العربي بحدود 25 في المئة، وان الاردنيين يعانون من نسب بطالة عالية، في اشارة الى غياب فرص العمل التي يجب ان تؤمن لهم – من وجهة نظره – ضمانا اجتماعيا وتأمينا صحيا، وهذا الكلام يتقاطع مع عدد المتقدمين لأمانة عمان لشغل وظيفة ”عامل وطن” بعدما اعلنت الامانة عن رغبتها في توظيف 250 شخصا في هذه الوظيفة، وكانت المفاجأة ان 9500 شاب تقدموا لها، وان بعضهم سارع للبحث عن واسطة تضمن فوزه بفرصة العمل المرجوة، ومن المفارقات في هذا الامر ما قاله احد المراقبين حيث ذكر ان شابا استنجد به ”ليتواسط ” له في الامانة بغية ان يتم اختياره ضمن من يقع عليهم الاختيار، فبادر الرجل الى الاتصال برجل ممن يعرف ان لديهم دالة على الامانة، فقال له الرجل ان لديه قائمة بأربعين اسما يطلبون منه التوسط لهم في ذات الامر.
وعليه، فالسؤال هنا ..هل قرأ اركان الحكومة هذا الاقبال الشديد على وظيفة بسيطة من منظور اجتماعي ومعيشي وانساني وهم ينظّرون لغد يفيض عسلا ولبنا، وينسون ان الحال على ارض الواقع يخالف ما يزعمون ؟
نأمل ان تكف الحكومة، رئيسا وطاقما اقتصاديا عن بيعنا كلاما نظريا انشائيا جميلا، وان تدرك ان اوراق التذاكي مكشوفة، وان ”البركة تحتاج الى حركة ”، وان تكف عن الغرف من جيوب ” الاغلبية الطفرانة ” فلم يعد هناك ما يسد الرمق ويصلب العود، وكفى ابتداع افانين وقوانين تستهدف دريهمات المواطن على قلتها وصعوبة كسبها .
وبعد … ان البطالة والفقر هما الحاضن الرئيس للفكر المتطرف، ومن ضحاياهما تلتقط الجماعات الارهابية – بشتى عناوينها ومضامينها – عناصرها الاجرامية، فهل يقرأ اركان الحكومة جيداً اوراق هذا الواقع البائس ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى