بلقزيز: هناك عدة دول ومؤسسات وشبكات متورطة في ”صناعة العنف”

بيروت - من معن بشور

عشية ذكرى مرور اربعين عاما على اندلاع الحرب في لبنان وعليه وتحت عنوان ”مصانع العنف السياسي” نضم المنتدى القومي العربي في بيروت محاضرة للمفكر المغربي الدكتور عبد الاله بلقزيز استهلها بالقول : يوحي مصطلح ”مصانع العنف السياسي” بل يشير رأسا إلى ان العنف صناعة.. نعم ثمة ما يمكن ان نسميه اليوم بصناعة العنف التي تتضافر فيها جملة هائلة مترابطة من المؤسسات دول وشبكات وما إلى ذلك، ولكني اريد ان اعرج على منظور فلسفي لمسألة العنف حتى لا يفهم من كلامي أو من مقولة ان العنف صناعة أو العنف شيء طارئ.
واضاف بلقزيز يقول: العنف ملازم لطبيعة البشرية، العنف مقترن بسلوك الانسان لسبب واضح لدى كل من تناول العنف في التاريخ، ان العنف تعبير عن منزع حيواني متأصل في الانسان وان الانسان لما يزل يرزح تحت تأثيرات هذا المنزع فيه انما يفصح عن هذا المنزع بطرائق مختلفة عن ذي قبل عما كانه قبل ان يصبح انسانا، العنف، الشر، العدوان هذه كلها سلوك يميل إلى الاستحواذ إلى الافتراس، إلى احتكار العالم الخارجي.
ظاهرة العنف وهو العنف السياسي القتالي على نحو ما نشهده اليوم على ساحتنا العربية تحت مسميات مختلفة عنف تكفيري ”جهادي” وهو الاعلى كعبا في انواع العنف التي تمارس امامنا اليوم، ونتساءل عنه كيف يصنع، ما هي المصانع التي تنتج هذه الظاهرة ، ظاهرة التكفير والقتل الجماعي والارهاب، في وسعنا ان نسجل قاعدة ننطلق منها ان هذه الظاهرة هي سياسية بامتياز وهذا صحيح، لان استراتيجيات عدة تتضافر في خلقها، ورعايتها وتتعهدها بالصيانة واطلاقها ضمن برامجها الخاصة تحقق ما يمكن من مكاسب سياسية وراءها، ولأن قوى هذا العنف هي بالتعريف قوى سياسية لبست لبوسا غير سياسي، ولكن ايا تكن قدرة اية استراتيجية سياسية في العالم فانها لا تستطيع ان تخلق ظواهر ان لم تكن ثمة قابلية، وان تنشأ ثمة ظواهر.
فظاهرة التكفير انا شخصيا لست من الذين يقولون ان داعش واخواتها صناعة اسرائيلية أو امريكية، نعم هي مجندة في هذا النسيج، هذه ظاهرة انتجتها البنية الثقافية والدينية والاجتماعية العربية الاسلامية، لا بد ان نساءل هذه البنى التي تنتج هذه الظواهر ان تهيئها لتتحول إلى ظواهر سياسية انفجارية في وجوهنا آن الاوان لئلا نعلق على مشجب الغرب والصهيونية كل فضائحنا الداخلية وكل خطايانا وكل غسيلنا الوسخ المستحدث والذي ورثناه من الماضي تراثنا العربي الاسلامي لم يكن دوماً تراثا تنوريا ومشرقا كما نحاول نحن ان نصفه.
وعدد بلقزيز ”مصانع” عديدة تنتج ”الإرهاب”، ومنه تنظيم (داعش)، منها ذلك ”المصنع العقدي”، المتميز، حسب بلقزيز، ب”التشرنق على الذات”، وب”اشتغال التربية الدعوية” على الفرد منذ الطفولة، ما يؤدي الى إنتاج جيل، أو ”جيش من المقاتلين” لا يؤمنون بالرأي الآخر، مع الاعتقاد الدائم لديهم أنهم هم الأصح.
وبالموازاة، هناك ”مصنع ثقافي” ، يقول بلقزيز، ”يشرعن” العنف ويضعه في مقام ”الفريضة”، لهذا شدد الباحث على ضرورة ممارسة ”نقد عميق للتراث الثقافي والديني”، و رصد ”اللحظات المبدعة فيه”، لتفادي خلق ”جمهور من الناقمين” ، الذين يساهم ”التهميش والفقر وانعدام الأفق والجهل” في زيادة حدة نقمتهم.
وفي هذا السياق، أشار بلقزيز الى أنه ”لولا التهميش والإقصاء” ما كان بإمكان أي خطاب ”شعبوي” أن ”يصطاد” جمهورا ”يجنده” في مشروعه السياسي.
أما المصنع الثالث، الذي ينتج العنف، في نظر بلقزيز، فيتمثل في السياسة، التي كان من المفروض أن تكون صلة وصل بين الدولة والشعب، إلا أنها، ”غابت”، وأضحت مرادفة ل”الاستبداد” المسؤول عن كل أنواع ” الخوف والرهاب وكوارث أخرى في المجتمع”، منها التظاهرات الاحتجاجية.
وردا على غياب السياسة – يبرز بلقزيز – غابت ”المعارضة” في المجال السياسي بسبب هشاشة البنى الحزبية، فالمعارضة، أيضا ”لم تقم”، حسب الأستاذ بلقزيز، ب”استيعاب المجتمع في نسيجها وتربيته سياسيا”، وهو ما نتج عنه انتقال الصراع التقليدي بين الدولة والمعارضة، الى ”التقاطب والصراع بين الدولة والمعارضة المسلحة والحركات الجهادية” كما يحصل بسورية.
ولفت المحاضر أيضا الى دور ”مصنع المال” في تغذية ” المشاريع القتالية”، مشددا على ضرورة تجفيف المنابع المالية للإرهاب الى جانب تجفيف منابعه الثقافية والعقدية والسياسية.
وحتى لا تكون المدارس ”معامل لإنتاج المتطرفين والمقاتلين” المتشبثين بثقافة ”خالية من أي حاسة نقدية، وبثقافة يقينية دوغمائية إيمانية”، شدد بلقزيز على ضرورة العمل من أجل خلق جيل من المتعلمين مزودين بحصانة نقدية لمواجهة العالم، ولتكون المدارس، بذلك ” معامل إنتاج المواطن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى