السعودية تمارس القفز في الهواء والهرولة نحو المجهول

منذ اقحمت نفسها في معترك ”عاصفة الحزم” التي شنتها منذ مطلع الشهر الماضي على جياع الشعب اليمني، اختلت جملة من القواعد والمعايير والمعادلات السعودية المعهودة، كما اهتزت بعنف شبكة علاقاتها وتحالفاتها التقليدية على الصعيدين العربي والاجنبي.

ففي الداخل انفلت عيار التقلبات الدرامية في مؤسسة الحكم، وشهدت الشهور القليلة من عهد الملك سلمان بن عبد العزيز حركة تغيير وتبديل واسعة ومتسرعة وشبه انقلابية حتى لجهة الاعلان عنها في ساعات الفجر الاولى، شأن اخبار الانقلابات العسكرية في الزمن الماضي.
وقد انهمكت المحافل السياسية والدبلوماسية والاعلامية العربية والدولية في رصد هذه التقلبات وتتبعها وتقصي اسبابها واستشراف عواقبها ومآلاتها، باعتبارها احداثاً وتبدلات طارئة ومفاجئة وغريبة عن مألوف القواعد والشروط والنواميس الحاكمة والناظمة للسياسات السعودية التقليدية والمتوارثة منذ عشرات السنين.
قلة من المراقبين السياسيين اعتبروا هذه المتغيرات الدرامية مؤشراً على التجدد والتحديث والخروج من عباءة الجيل الهرم والسياسات الابوية الحذرة والرتيبة، وتجاوباً مع ”نصيحة” الرئيس باراك اوباما الذي حذر حكام الخليج من مخاطر السخط لدى شعوبهم وشبابهم.
اما غالبية هؤلاء المراقبين فقد ذهبوا الى عكس ذلك على طول الخط، ورأوا في هذه المنعطفات الخطرة نتاجاً فجاً لذهنية صبيانية مغامرة على الصعيد الخارجي وانقلابية على الصعيد الداخلي، بل صعيد الاسرة الحاكمة ذاتها التي تشققت وحدتها وتعددت اجنحتها المتصارعة على كعكة العرش السعودي المترنح.
وقد كان طلال بن عبدالعزيز اول المتمردين والمحتجين على ”انقلاب القصر” حيث نشر على صفحته على موقع تويتر بيانا اكد فيه انه لن يبايع ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان.
وقال الامير طلال في بيانه : ”فوجئت عند نهاية العهد ما قبل الحالي وهذا العهد بقرارات ارتجالية أعتقد بعد التوكل على الله أنها لا تتفق مع شريعتنا الإسلامية ولا أنظمة الدولة وسبق لي أن ذكرت في هذا الموقع أنه لا سمع ولا طاعة، وبالتالي لا بيعة لمن خالف هذا وذاك
وإنني أؤكد على موقفي هذا وأدعو الجميع إلى التروي وأخذ الأمور بالهدوء تحت مظلة نظام البيعة الذي وبالرغم من مخالفته لما اتفق عليه في اجتماعات مكة بين أبناء عبد العزيز، لا يزال هو أفضل المتاح.
وبالتالي فإنني أكرر أنه لا سمع ولا طاعة لأي شخص يأتي في هذه المناصب العليا مخالفاً لمبادئ الشريعة ونصوصها وأنظمة الدولة التي أقسمنا على الطاعة لها.. لذا فإنني أدعو إلى اجتماع عام يضم أبناء عبد العزيز وبعض أحفاده المنصوص عليهم في هيئة البيعة ويضاف لهم بعض من هيئة كبار العلماء، وبعض من أعضاء مجلس الشورى، ومن يُرى انه على مستوى الدولة من رجال البلاد، للنظر في هذه الأمور.”
الامير طلال لم يكن وحده الذي اعلن رفضه لهذه الترتيبات الملكية، بل هناك عدد كبير من الامراء الذين رفضوا التوقيع على البيعة الجديدة.
واكدت مصادر مطلعة أن ابرز الذين رفضوا البيعة من ابناء عبد العزيز آل سعود هم طلال بن عبد العزيز، واحمد بن عبد العزيز، ومتعب بن عبد العزيز، وبندر بن عبد العزيز، وتركي بن عبد العزيز، وعبد الرحمن وممدوح وعبد الاله، اما ابرز الأحفاد الذين رفضوا التوقيع فهم مشعل بن سعود آل سعود ، ومحمد بن فهد آل سعود، اضافة الى محمد بن سعد آل سعود، كما يضاف للاحفاد الجنرال خالد بن سلطان آل سعود وإخوانه.
وقد نقلت صحيفة ”ماكلاتشي” الأمريكية عن محللين سياسيين قولهم، أن قرار إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز، من ولاية العهد يعود الى معارضته للحملة العسكرية، التي تقودها السعودية في اليمن.
ونقلت الصحيفة عن الدكتور ”تيودور كاراسيك” المحلل السياسي المقيم في دبي، أن الأمير مقرن لم يوافق على الحملة العسكرية في اليمن، وحاول أن يبقى بعيدًا عن التحالف الذي تقوده السعودية، مضيفًا أن التغييرات السريعة التي جرت بشأن الخلافة في السعودية مفاجئة وشبه انقلابية.
واستنادا الى مصادر دبلوماسية اوروبية قريبة من الديوان الملكي السعودي، فان هذه التغييرات أعدت منذ ثلاثة أسابيع وخلال الحرب العدوانية على اليمن، عندما راح أعضاء من الأسرة المالكة ينتقدون في مجالسهم تهور نجل الملك في قراراته العسكرية المنسق بشأنها مع دوائر في واشنطن وتل أبيب ومؤخرا في بلاط العثمانيين الجدد.
وتقول المصادر أن الاعلان عن هذه التغييرات سبقته عمليات حصار لعدد من قصور أبناء العائلة الحاكمة الناقمين على أركان الحكم الجديد، خاصة أبناء سلطان بن عبد العزيز وعبدالله بن عبدالعزيز وسعود الفيصل وزير الخارجية السابق.
واشارت هذه المصادر الى أن ما حدث من تغييرات وتعيينات واقالات هو اعلان سيطرة أبناء سلمان ونايف بن عبد العزيز على الحكم في الرياض، وأن هذه الخطوة ستدفع بالكثير من الأمراء الى مغادرة المملكة الى أوروبا وامريكا والمغرب العربي، وبعضهم سيبقى صامتا على مضض لكنه، على استعداد للتحالف مع ”الشيطان الارهابي” للانتقام من ”المحمدين” ابن سلمان وابن نايف.
واوضحت المصادر أن الملك السعودي أبلغ عدة دول بالتغييرات التي طالت كبرى المواقع وأكثرها حساسية، وأن ما جرى هو تمكين لعنصر الشباب من تسلم دفة الحكم.
وتوقعت المصادر أن تضرم هذه التغييرات نيران التنافس اللاهبة في قصور المتصارعين من الأمراء، حيث اتضح أن هناك انشقاقاً داخل العائلة الحاكمة بين الأشقاء والأبناء وكل يريد توريث ابنه وانتزاع قطعة كبيرة من كعكة الحكم.
وقد رأى الكاتب بروس ريدل، السياسي الأمريكي وضابط الاستخبارات السابق والباحث الحاليَ في معهد بروكينغز، في مقال نشره موقع ”المونيتور”، أن تغييرات الملك سلمان الأخيرة، وغير المسبوقة في تغيير خط الاستخلاف في العائلة الحاكمة، لصالح ابنه، تثير تساؤلات حول ما قد يحدث لاحقا على مستوى العائلة المالكة، حيث شهدت المؤسسة التقليدية والمحافظة لآل سعود المزيد من التغييرات خلال الثلاثة أشهر الأخيرة أكثر مما عرفته في أي وقت مضى. وتأتي هذه التحولات في وقت ينتهج فيه الملك سلمان سياسة خارجية يمكن اعتبارها الأكثر تهوراً في التاريخ السعودي الحديث.
دون سابق إنذار، أعفى سلمان ولي عهده السابق، مقرن، ودفع بالأمير محمد بن نايف، ابن أخيه، من المركز الثالث في خط الاستخلاف إلى الثاني. وقدم سلمان ابنه، محمد بن سلمان، إلى المركز الثالث، رغم فقدانه للخبرة في رسم السياسة العليا.
واستبدل الملك، أيضا، وزير الخارجية المريض، الأمير سعود الفيصل، بدبلوماسي لا ينتمي إلى الأسرة المالكة، عادل الجبير، السفير السابق في واشنطن، وخبرته تتركز في معرفته بكيفية عمل السياسة والبيروقراطية في واشنطن.
وقال ريدل : ما حدث مع الأمير مقرن، هو السؤال الرئيس، إذ لم يُعرف أن وليا للعهد تخلى عن منصبه في تاريخ المملكة السعودية، وعندما تولى سلمان العرش، لم تظهر دلائل على أن مقرن كان أقل حرصا من أن يكون الثاني في خط الاستخلاف.
والأمير مقرن، الذي عينه الملك الراحل، ليس مقربا من فرع الأسرة الحاكمة، السديريين، الذين يشتركون في نفس الأم، حصة بنت أحمد السديري، زوجة مؤسس المملكة المفضلة لديه. ربما كان مقرن قلقا من أن الإصلاحات الحذرة ستنتهي في عهد سلمان أو أن الحرب في اليمن أصبحت مستنقعا.
اما معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى فقا انه لمس تململ معارضة داخل الاسرة المالكة .. في اعقاب معركة ملكية داخل البيت السعودي.” وشكك المعهد في مدى انخراط الملك سلمان الحقيقي في الترتيبات الاخيرة خاصة ”لتدهور حالته الصحية فضلا عن ان لقاءاته المتكررة في الاونة الاخيرة مع مجموعة غير عادية من كبار الشخصيات الاجنبية ابقته خارج المشاورات الداخلية لصنع القرار .. ربما بموافقته الشخصية او في سياق اشغال الآخرين المتعمد من قبل المقربين له.
معهد ”المشروع الاميركي” تناول من جانبه شخصية ”ولي العهد الامير محمد بن نايف،” محذرا من ان الاخير يحسب على ”التيار الطائفي المتشدد ورجعي بامتياز حينما يتعلق الأمر بادخال اصلاحات.” واضاف ان الملك المقبل محمد بن نايف ”اثبت استعداده لخوض حرب طويلة الاجل بدلا من البحث عن ايجاد حل لوباء سرطاني يجتاح الشرق الاوسط برمته.”
اما صحيفة ”نيوزويك” الامريكية فقد توقعت في تقرير لها بعنوان ”آل سعود على صفيح ساخن” ان تتسبب إعادة ترتيب خط التوريث في تفاقم التوتر بين الفروع المتنافسة لعائلة آل سعود، بعد أن سن سلمان سابقة جديدة في أكبر دول العالم تصديرا للنفط، عبر وضع نجله في ذلك المقعد البارز، وتجاوز الأمراء الأقدم سنا، وفقا لجان كيننمونت، الباحثة ببرنامج الشرق الأوسط، في مركز ”تشاتام هاوس” البريطاني.
وأضافت كيننمونت: ”سيقول أمراء آخرون من فروع أخرى بالعائلة الملكية أن أميرا في عمر 34 عاما، لم يكن في مثل هذه القوة والبروز حتى وقت قريب، لكنه أصبح الآن في مسار سريع لتقلد المنصب الأول بالمملكة”.
ومضت تقول: ”سيحتاج حكام السعودية إلى التعامل مع الأمراء الآخرين داخل الأسرة الملكية، إنهم يحتاجون إلى مشاركة السلطة، فعلى النحو التقليدي، لا يوجد توريث يعتمد فقط على منح الملك السلطة لنجله، لكن المعتاد أن يتم اقتسام السلطة بين الفروع المختلفة للعائلة للتأكد من أن الآخرين لديهم حصة كبيرة في النظام”.
وفي باريس قالت لوموند ان السعودية قد شهدت تغييرات عميقة، حيث أحدثت سلسلة القرارات الملكية التي نشرت في منتصف ليل يوم الأربعاء الماضي، هزة في توازن القوى داخل المملكة، بعيداً عن العرف التقليدي المعتمد، وهو إشراك الملك لأشقائه وإخوته غير الأشقاء في قراراته.
ونقلت لوموند عن البروفيسور ستيفان لاكروا، أستاذ العلوم السياسية والأخصائي في شؤون السعودية قوله، أن الملك الجديد الذي تسلم زمام الحكم منذ أقل من ثلاثة أشهر”قد أحدث تغييرات بالقوة، مهدت لها طبول الحرب في اليمن”، مضيفاً بالقول بأن ”فئة باتت تسيطر على مقاليد الحكم على حساب فئة أخرى الأمر الذي يشكل خرقاً لقاعدة التشاور والتوافق التي وضع أسسها الملك المؤسس للمملكة عبد العزيز . فقد أصبح الحكم فعلياً في أيدي المحمدين، أما الأمير مقرن ولي عهد الملك سلمان حسب الترتيب، فقد أبعد بجرة قلم”.
اخيراً، فقد كشف المغرد الشهير والمعروف بتغريداته الدقيقة عن كواليس العائلة السعودية الحاكمة، أن الديوان الملكي سلم كل واحد من هيئة كبار العلماء قبل شهر تقريبا 20 مليون ريال.
وأوضح مجتهد عبر حسابه على تويتر أن كبار هيئة العلماء تم إبلاغهم شفويا أنها من محمد بن سلمان وزير الدفاع وولي ولي العهد. وأضاف مجتهد أن لواء الحرس في نجران تسلم هدية من القبائب عبارة عن 400 راس غنم و126 إبل، مشيرا إلى أن قائد اللواء باعها بأكثر من مليون لنفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى