نحو وعي قومي عربي صحيح

مرّ العرب بمراحل مختلفة ، كان لها الدور الأهم في تحديد السمات الخاصة بحياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، وتحديد شخصيتهم القومية. ويعبر الوعي القومي العربي عن شعورهم بتماسكهم ، وتميزهم عن القوميات الأخرى .

واجه العرب ولازالوا يواجهون عقبات فعلية ، أهمها ضعف الحركة السياسية الهادفة إلى وحدتهم القومية، وتحقيق منجزات الثورة القومية الديمقراطية الشعبية في التحرير والوحدة والتقدم الاجتماعي ، كخيار وحيد ضد التجزئة والتخلف الاجتماعي .

إن السمة الأساسية في المسألة القومية العربية ، هي مسألة الطموح السياسي المشترك للأمة العربية ، بواسطة إرادة سياسية موحدة ، بالإضافة لمسألة اللغة والتاريخ والعادات والأرض والاقتصاد المشترك.

و هناك قوى سياسية تمثل طبقات اجتماعية ليس لها مصلحة في الوحدة السياسية الاقتصادية العربية ، وليس لها مصلحة في تصفية النفوذ الاستعماري و الهيمنة الامبريالية ، لأنها ترى أن مصالحها مرتبطة بالنفوذ الأجنبي .

و هناك قوى سياسية أخرى ، ترى أن التاريخ بالنسبة لها هو تاريخ الأمة الإسلامية ، و تفسر الأحداث تفسيراً دينياً ، و تطالب بالعودة لأخبار السلف ، و استلهامها كهدف . وفي هذا التعليل الديني تربط تطورنا عبر قوى إلهية أعلى ، تحدد شخصية الأمة في الماضي و الحاضر و المستقبل . و ترى أن شخصية الأمة العربية تكونت عبر الدين ، أو عبر طائفة معينة . إن هذه القوى التي تطمس الأسس القومية للشخصية العربية تستند في مفهومها على قاعدة دينية ، و في هذا طمس لبلورة و تطور الوعي الاجتماعي الذي تعمل قوى التغيير عبره و من خلاله . إن هذه الرؤية ، تنظر للماضي ليس على القاعدة الاجتماعية التي لها مصلحة في التغيير ، وصولاً لتحقيق الوحدة و إنجاز الديمقراطية ، بل على قاعدة دينية ناجمة عن ضعف قدرتها على الدفع باتجاه التغيير .

إن المستقبل الذي نسعى للوصول إليه ، لا يتحقق إلا بقدر وجود قوى منظمة ، و إرادة سياسية قومية موحدة ، تحوّل الأنظار إلى الهدف و الاتجاه الملائم . وإن هناك فرقاً بين أن نرى التاريخ على أنه صراع المجتمع من أجل التغيير و التقدم ، و بين أن نرى التاريخ على أنه صراع ديني .

إننا و نحن نواجه هذا التيار المتخلف اليوم ، لا يعني أننا ننكر إيجابيات السياسة العربية عبر الاسلام ، وهناك فرق بين سياسة الاسلام التوحيدية و التحريرية من تبعية البيزنطيين و الفرس قبل أكثر من ألف و خمسمائة عام تقريبا و بين ما يجري اليوم بإسم الاسلام من رضوخ للاستعمار و الصهيونية ، و الارتباط بالنفوذ الامبريالي . هذه السياسة التي تهدف الى تجزئة المنطقة العربية على أسس طائفية مذهبية ، لخدمة و حماية المصالح الامبريالية الصهيونية .

إن القوى اليمينية المتخلفة التي تسعى بكل طاقاتها للمحافظة على الواقع العربي الراهن في تبعيتهِ و تجزئتهِ ، تدرك جيداً أن المستقبل لا بد و أن يُصنع على عكس إرادتها ، و لهذا فإن صحة المعرفة تعتمد دائماً على صحة الهدف الذي نسعى للوصول إليه ، حيث في عملنا من أجل بلورة الإرادة السياسية القومية في الوطن العربي ، هو ما يجب أن نعمل من أجله ، و نظرتنا للتاريخ ، لا بد من أن تصُب لخدمة و تحقيق وحدتنا القومية . فالوعي الاجتماعي ، و الرأي الجماعي ، لا بد أن يدفعنا إلى بلورة الهدف الأعلى المشترك القادر على تحقيق طموحاتنا في الوحدة و التقدم و المساواة ، وبالتالي القضاء على التبعية و الاستغلال و اشاعة مجتمع الكفاية و العدل .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى