قراءة في نتائج انتخابات جامعة بير زيت

قبل أيام جرت انتخابات نقابة المحامين وفازت حركة فتح، وهللت وخرج ناطقوها وقياداتها يستعرضون هذا الفوز ودلالته على الواقع الفلسطيني، وعلى الالتفاف الجماهيري حول برنامجها وقيادتها، وأن الشعب قال كلمته وأعطى ولاءاته لها، وقلنا في حينه أن هذه الانتخابات إن جرت في موقع وفازت فيه فتح فهناك عشرات المواقع قد تتغير فيه النتائج لصالح حركة حماس، وأن التهويل الإعلامي والإفراط في التفاؤل والاعتزاز بالإنجاز يحتاج إلى إعادة الحسابات، واليوم وقد جرت انتخابات جامعة بير زيت وكانت النتائج مخيبة لآمال وتطلعات حركة فتح بل أكاد أجزم أنها أصابت قيادة فتح وعلى رأسها أبو مازن بحالة من الذهول والانكسار والاحباط ليس لأن هذه الانتخابات هي نهاية المطاف في قول الجماهير كلمة الفصل في خياراتها الانتخابية وولاءاتها السياسية، ولكن ما تمثله انتخابات جامعة بير زيت من دلالات على المستوى الكل الفلسطيني يمكن استخلاص ما يلي:

أولاً: تكاد تجمع كل الأطياف السياسية بما فيها حركة فتح وحماس واليسار أن انتخابات جامعة بير زيت مؤشر على الأوزان النسبية للأحزاب السياسية في المجتمع الفلسطيني وربما تحدث في هذا الأمر العديد من القيادات في مختلف الفصائل في مناسبات عديدة.

ثانياً: طبيعة جامعة بير زيت من حيث مكوناتها ووجود أعداد ليست بالقليلة من الطلبة الذين ينتمون إلى الديانة المسيحية والذين تعول عليهم فتح واليسار لكسب أصواتهم ويبدو أن الحسابات والتوقعات لم تكن في مكانها المناسب، فقد رأينا في الدعاية الانتخابية العديد من هؤلاء الطلبة يهتفون للكتلة الإسلامية ويحملون راياتها عن قناعة واعتزاز بعيداً عن الانتماءات الطائفية والدينية- وهذا له مدلولات كبيرة على استحواذ حماس على قلوب غير المسلمين من أبناء الشعب الفلسطيني.

ثالثاً: وسطية الفكر الحمساوي وذراعها الطلابي الكتلة الإسلامية وانفتاحها المجتمعي وتواصلها مع الجميع وتقديم الصورة المشرقة للإنسان المسلم الملتزم والذي يحب الخير للجميع، إضافة إلى خطاب الكتلة الإسلامية الوحدوي وتأكيده على التعددية ومشاركة الجميع في تحمل المسؤولية لاقى إقبالاً واسعاً من جمهور الطلبة.

رابعاً: رغم أن الدفاع عن حقوق الطلبة وتقديم الخدمة وتوفير الحياة الجامعية المناسبة هي من أولويات مجالس الطلبة إلا أن الهم السياسي والوطني تصدَّر المشهد في انتخابات جامعة بير زيت، فقد كانت غزة حاضرة بصمودها وتضحياتها، وقد كانت الحرب الأخيرة على غزة وما سطرته المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب القسام العنوان الأبرز للدعاية الانتخابية.

خامساً: رمزية جامعة بيرزيت بالعديد من القيادات التي تخرجت منها من مختلف الفصائل الفلسطينية أمثال يحيى عياش، ومروان البرغوتي، وبسام الصالحي …الخ، أصبحت محط انظار السياسيين والإعلاميين والمهتمين في الشأن الفلسطيني.

سادساً: الظروف التي مرت بها حركة حماس في الضفة الغربية بوجه عام والكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت بوجه خاص من ملاحقات ومضايقات من قبل الأجهزة الأمنية، كان عاملاً قوياً لتعاطف فئات مختلفة وعلى وجه الخصوص الطلبة مع الكتلة الإسلامية وقيادتها.

سابعاً: الأخطاء المتكررة من قبل القيادة الفلسطينية المتنفذة وتساوق حركة فتح معها وعلى رأسها تبرير التنسيق الأمني، والإصرار على أن الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني هو المفاوضات مع الاحتلال في ظل عربدة العدو الإسرائيلي، إضافة إلى المماطلة والتسويف وتضييع الوقت من قبل السلطة الفلسطينية وحركة فتح في إنجاز ملف المصالحة، لاشك أن القطاعات الشبابية وخصوصاً طلبة الجامعات يشعرون بعدم الرضا والشعور بالدونية الوطنية نتيجة لهذه الأفعال والتصرفات.

ثامناً: حالة الاستقطاب داخل الجسم الفتحاوي وصراع المصالح، ونظرة الاستعلاء وتهميش الآخرين، واعتبار التاريخ توقف عند حركة فتح ومشروعها السياسي وإرثها النضالي في ظل غياب التقييم ومحاسبة الذات ومراجعة السياسات لاشك له تأثيراته السلبية خصوصاً عند فئة الشباب.

تاسعاً: التحريض الإعلامي والتشويه المستمر من قبل قيادة فتح وناطقيها ضد حركة حماس، لاشك قد يتم تسويقه للبسطاء والدهماء ولكن الفئات الشبابية وطلبة الجامعات لديهم القدرة على التمييز مع التأكيد أن الردح الإعلامي والادعاء بتسجيل المواقف والنقاط سيقود إلى نتائج سلبية لمستخدميها.

عاشراً: التهديدات التي سمعناها بعد ظهور نتائج الانتخابات من قبل بعض القيادات الفتحاوية بإقالة ومحاسبة المتسببين في هذه الهزيمة، لن يجدي نفعاً فالطريقة الأمثل هو مراجعة حركة فتح الأسباب الحقيقية لهذا التراجع ومن ثم وضع الحلول وعلى رأسها تصويب المسار وتعديل السياسات.

حادي عشر: لا بد أن تصل الرسالة واضحة إلى كل الحركات والأحزاب الفلسطينية وعلى رأسها حركتي فتح وحماس أن الفوز في أي مؤسسة أو نقابة ليس نهاية المطاف مع التأكيد على مبدأ التداول واحترام نتائج الانتخابات والاستفادة من الأخطاء وتكريس مفهوم الشراكة الذي يجب أن يغرس في ضمير العقلية الفلسطينية، وقراءة ما يحدث عند دولة الاحتلال من عمليات انتخابية تحترم عقلية الناخب والاستفادة من ذلك، فالعالم اليوم في تطور وارتقاء، فزمن الجمود والتكلس والتحوصل حول الذات انتهى ونحن كشعب فلسطين أولى شعوب الأرض أن ننظر إلى المستقبل بأفاق أوسع ورؤية نافذة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى