في الموقف القومي العربي من أحداث اليمن

لتحديد الموقف القومي العربي مما يجري في اليمن، لا بد في البداية من التأكيد على عناصر المشروع القومي العربي النهضوي، الذي يُحتكم إليه في الحكم على الأمور، والمتمثلة في الوحدة والديمقراطية والاشتراكية والتصدي للهيمنة الأجنبية واسترداد أجزاء الوطن السليبة والنظر إلى تراثنا الثقافي والديني بعقل منفتح على احتياجات الشعوب بهذا العصر ومنطق التطور العلمي.

ومن هذا المنطلق نؤكد على أن أهم التحديات التي يواجهها وطننا العربي هو غياب الدولة العربية التي تتطابق حدودها مع حدود الأمة، مما أوجد فراغاً ملأته الدول الاستعمارية الغربية، التي أقامت كياناً صهيونياً غاصباً في قلب الوطن العربي، ليمنع وحدة شطري الوطن في آسيا وإفريقيا، وقسّمت وطننا العربي وما تزال تعمل لمزيد من التمزيق، الذي نجح في السودان ويُراد له أن ينجح في العراق وسوريا وليبيا واليمن، عبر المشاريع الفيدرالية والكونفيدرالية المطروحة على أسسٍ طائفية أو مذهبية أو عرقية، لإلغاء الهوية القومية العربية الجامعة لكافة فئات الشعب العربي، واعتماد هويات فرعية قاتلة، قائمة على تلك الأسس التي رفضها شعبنا ومازال يرفضها.

وفي هذا الصدد لا بد من التأكيد على حق كل شعب عربي في كل قطر عربي بـأن يقرر مصيره ضمن ضوابط المشروع القومي العربي النهضوي، بعيداً عن أي تدخل أجنبي، وأن تدابير الأمن القومي العربي المستندة إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك إنما تقوم في مواجهة أعداء أمتنا وليس في مواجهة أبنائها، وأن هذه التدابير لا يمكن أن تنطلق من دول وكيانات يقوم أمنها وسياستها على الاحتماء بالقواعد الأجنبية، التي ناضل شعبنا نضالاً مريراً للتخلص منها،  والتي تمثل دولها الداعم الرئيس للكيان الصهيوني الغاصب وتعزيز سياسة الهيمنة على وطننا العربي، والعمل على المزيد من تجزئته وتثبيت تبعية أقطاره، منفردة ومجتمعة، لهذه الدول.

وبالمقابل لابُد من التأكيد على أن الدعوة لحماية الأمن القومي العربي لابد لنجاحها أن تنطلق دول وأقطار متحررة من كل أشكال التبعية للقوى الاستعمارية الأطلسية، الدولية والإقليمية، كما كان الحال عندما تزعم الرئيس جمال عبد الناصر، مع قادة الهند ويوغسلافيا، الدعوة لسياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز.

وعليه فإن ما تتعرض له اليمن من عدوان غاشم من دول عربية، مدعومة بقوى استعمارية غربية، لا يمكن إلا أن تصب نتائجه في مصلحة هذه الدول الاستعمارية والكيان الصهيوني الغاصب وفي تفكيك بنية الدولة اليمنية الموحدة، لا قدّر الله، تمهيداً لتفكيك بنية المجتمع العربي الموحد في اليمن، على أسسٍ طائفية أو مذهبية أو قبلية، وفي تخريب وتدمير البنى التحتية للحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي بنتها الأجيال العربية في اليمن عبر العصور.

أما فيما يتعلق بالحديث عن الاحتكام للشرعية، فلا يجوز لمن لا يحتكمون لأية شرعية شعبية أو دستورية، أن يتحدثوا عن شرعية لا يعرفونها إلا في خدمة مصالحهم ومصالح أسرهم باستمرار السيطرة على مقدرات الشعب العربي في أقطارهم وتسخيرها لخدمة هذه المصالح.

وانطلاقاً من ذلك فإننا ندعو الدول المشاركة في هذا العدوان إلى وقف تام لكل عمليات العدوان على اليمن، ودعوة الأطراف، السياسية المختلفة في اليمن إلى مائدة حوارٍ حر، سواء في اليمن أو في أي مكان تتفق عليها هذه الأطراف للوصول إلى حلٍ يُخرج اليمن من المأزق الحالي، كما ندعو الدول العربية غير المتورطة في هذا العدوان، والدول المحبة والقوى المحبة للسلام أن تهيء الظروف المناسبة لإنجاح هذا الحوار لما فيه مصلحة اليمن الموحد والمصلحة العربية العليا، ونتمنى على القيادات المصرية والجزائرية والسورية أن يكون لها دور فاعل في إعادة لم الشمل العربي على أسس المشروع العربي النهضوي.

عاشت أمتنا العربية حرة أبية موحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى