بوادر خلاف في الرؤية بين مصر والسعودية

اعرب عدد من المراقبين المتابعين للعلاقات المصرية- السعودية, عن قناعتهم بأن رسالة الرئيس الروسي بوتين إلى القمة العربية المنعقدة في شرم الشيخ هي التي أدت إلى تفجر الخلافات بين الجانبين, في حين يرى عدد أخر من المراقبين أن هذه الرسالة كشفت الخلاف بينهما إلى العلن, وأن تسلّم الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز, الحكم في المملكة, هو الذي فتح الباب واسعاً أمام مراجعة هذه العلاقات.

وقد وجد بعض المراقبين في حملة التغييرات التي أجراها الملك سلمان, على طاقمه الحاكم, الإشارة الأكثر وضوحاً على أن الرياض قد أدارت الظهر من الناحية العملية للسياسات الداخلية والخارجية للمملكة كما كانت عليها إبّان حكم الملك الراحل, وقد شملت هذه التغيرات, إزاحة خالد التويجري, من رئاسة الديوان الملكي, الذي أقيل فور وفاة الملك السابق عبد الله مباشرة, والذي يشار إلى أنه كان أحد أهم مهندسي السياسة السعودية ومقرب من السيسي ومن دولة الإمارات العربية, وعلاقته سلبية مع قطر وأميرها وساستها, الأمر الذي اعتبر مؤشراً بالغ الدلالة على متغيرات أساسية في علاقات السعودية الخارجية خاصة فيما يتعلق بكل من مصر والإمارات وقطر.

واعتبر مراقبون, أن تلاوة الرئيس السيسي لرسالة بوتين في القمة العربية, كانت خطأً كبيراً, في حين حاول الرئيس المصري تجنب المسألة السورية خلال القمة, كون هذه المسألة مجال خلاف بين الرياض والقاهرة, ولأن مصر لا تريد لهذا الخلاف أن يظهر بوضوح خلال القمة التي ترأستها مصر على أرضها إلاّ أن تلاوة الرئيس الروسي فجرت الموقف, وظهر ذلك جلياً في رد وزير الخارجية السعودية, سعود الفيصل, رداً منفعلاً ومتهماً, وكان لهذه الرسالة والرد عليها الإشارة الأوضح على انتقال الخلاف المتبادل من الكواليس السياسية إلى وسائل الإعلام, التي لم توفر أية أرضية لإخفاء هذا التوتر في العلاقات, بل شجعت الخلافات إلى أبعد مداياتها.

وربما يلاحظ أي متابع لكلا الإعلاميين, المصري والسعودي, أن تلاسنات شديدة أخذت تأخذ مجرى عدائياً وإتهامياً, حرب إعلامية واضحة على الرغم من الهدوء الدبلوماسي الصامت بين البلدين, رأس الحربة الإعلامية السعودية في هذه الحرب, يترأسه جمال خاشقجي, الذي طالب بسياسة مصرية جديدة تنطلق في إعادة الاعتبار لجماعة الإخوان المسلمين في حين تعددت الشخصيات الإعلامية المصرية التي ردت على جمال خاشقجي إضافة إلى انتقادات لاذعة للحرب على اليمن في إطار “عاصفة الحزم” وقيادة السعودية لها, على رأس هذه الشخصيات الإعلامية المصرية إبراهيم عيسى ويوسف الحسيني, وهذا الأخير, حذر خاشقجي من الصدام مع الإعلام المصري قائلا : ” على السعوديين أن يتذكروا أن الثقافة والفن المصريين هم الذي علموا السعوديين, وإن خاشقجي لن يتحمل أي هجوم من اصغر صحفي في مصر” .

هذه النظرة المتعالية غير الحقيقية, لا تدرك أن وسائل الإعلام التابعة للسعودية تكاد تغطي منفردة التأثير على الرأي العام العربي والدولي وأن وسائل الإعلام المصرية بالكاد تخاطب المصريين, نظرة إعلامية مصرية, ما عادت تدرك أن أنفراد مصر في التأثير الثقافي والفني والإعلامي, قد تراجع إلى مستويات متدنية, دون أن يُنّكر أحد ما لعبته مصر العروبة, في عهود سابقة من تأثيرات إيجابية على المنطقة والشعوب العربية في زمن يقول المصريين أنفسهم عنه “الزمن الجميل” .

ويتداول إعلاميون مصريون, في جلسات خاصة, أسباب تردي العلاقات مع السعودية, وتراجعها إلى الخطوات الأولى التي اتخذها الملك سلمان فور تسلمه الحكم, وما أشرنا إليه من تغيرات في طاقمه الحاكم, لكنهم يشيرون على الأخص إلى أن الملك الجديد اتخذ من ابنه محمد بن سلمان مستشاراً له, ليس فقط كوزير للدفاع, فقد ترأس بالفعل ما يسمى “بمجلس الشؤون السياسية والأمنية ” وهي هيئة جديدة مهمتها صناعة القرار السياسي الأمني السعودي, وقد لاحظ بعض الإعلاميين المصريين أن التلفزيون السعودي قد نشر على شاشته هذا الاجتماع, وكان الأمير محمد جالساً قبالة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل الذي كان بهذا المنصب قبل أن يولد الأمير محمد, كما لاحظ هؤلاء أن الأمير محمد هو الذي استقبل في مطار الرياض الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لدى وصوله إلى العاصمة السعودية, كما أن الأمير محمد ترأس عدة اجتماعات, تهيئته لمشاركة المملكة في القمة العربية, ولوحظ في هذه الاجتماعات أن ملف اليمن يمسك به الأمير محمد بشدة, مع وجود منافس له وهو ابن عمه وزير الداخلية ونائب ولي العهد محمد بن نايف, ويظهر في تداول هذه الشؤون الداخلية للمملكة من قبل الإعلاميين المصريين, حرص هؤلاء على متابعة دقائق ما يجري داخل الأسرة المالكة كأداة في أدوات المعلومات والحرب الإعلامية.

يتفق معظم الإعلاميين المصريين, على أن الإعلان السعودي عن تشكيل “عاصفة الحزم” والبدء بالحرب في اليمن, دون علم أو استشارة القيادة المصرية, التي فوجئت بالأمر, ثم حضور الملك سلمان للقمة بعد ذلك, لكي يفرض الأمر الواقع على مصر بالدرجة الأولى, هي الإشارة الأكثر وضوحاً على أن القيادة السعودية اتخذت موقفاً سلبياً في مصر.

وحسب هؤلاء فإن السعودية تخشى من دور قيادي مصري للمنظومة العربية, من هنا جاء الالتفاف على المقترح المصري بتشكيل قوة عربية, من المعلوم أن مصر ستكون قيادتها الفعلية بالنظر إلى أنها تمتلك أكبر قوات مسلحة لها تجربتها وتاريخها, ما يؤهلها لهذه القيادة, وفي هذا السياق, تقول هذه الشخصيات الإعلامية, إن الإعلان عن ” عاصفة الحزم” بهذه الصورة, محاولة سعودية, للعب دور قيادي على حساب التطلعات المشروعة لمصر, في السياق ذاته, يرى هؤلاء أن طلب السعودية من باكستان, للمشاركة القوية والفاعلة في ” عاصفة الحزم” محاولة جادة من قبل الرياض لتهميش الدور المصري, صحيح أن السعودية ما تزال علناً تؤيد تشكيل قوة عربية مشتركة, إلاّ أنها من الناحية العملية, لا تسهم في هذا التشكيل واستبداله بدور سعودي مباشر مع دول الخليج” باستثناء عمان ” وباكستان, للإطاحة بالدور المصري المرتقب, حديث السيسي المتناقض حول قوة مصر للمصريين ولحماية مصر” وتم تصريحه بعد ساعات, بأن مصر ستشارك في الدفاع عن مصالح الأمة العربية ودول الخليج, يعكس في نظر هؤلاء ارتباك القرار المصري الذي يأخذ في الاعتبار, التطلع إلى دور قيادي, ويتطلع بالمقابل إلى الإسناد المالي ولدعم خطط مصر الاقتصادية, التي تعتمدا اعتماداً كبيراً ورئيسياً على الدعم السعودي والخليجي عموماً.

عدة ملفات, تشكل عناصر الخلاف والتوتر بين القاهرة والرياض, في الملف السوري ترى مصر أن الرئيس الأسد جزء من حل الأزمة حلاً سياسياً وليس عسكرياً, في حين ترى السعودية أن لا مكان للأسد في أي حل الذي يجب أن يكون عسكرياً, في الملف الإيراني, ترى القاهرة أن النفوذ الإيراني لا يشكل خطراً داهماً ويجب احتواؤه, بينما ترى الرياض أن الأولوية الآن لمواجهة خطر التمدد الإيراني وفي حين ترى القاهرة, أن أية مواجهة لا يجب أن تأخذ بعداً دينياً مذهبياً أو طائفياً, فإن الرياض عملت على تشكيل نواة لقوة سنية, واستدعاء الباكستان وتركيا للمشاركة في “عاصفة الحزم” دليل على البعد الديني السني الذي ترتكز عليه الجهود السعودية.

التقارب السعودي مع جماعة الإخوان المسلمين, تراه مصر, شكلاً من أشكال التدخل بالشأن الداخلي المصري, بالنظر إلى جهود سعودية, بدعوى المصالحة, لتجاهل الإرهاب الذي تمارسه هذه الجماعة في مصر, الأمر الذي تعتبره القاهرة أولوية بالنسبة لها, من حيث مواجهة هذا الإرهاب باعتباره مصدر تهديد للأمن القومي المصري

وباختصار, هناك العديد من الملفات التي ما تزال تشكل عناصر الخلاف والتوتر, المكتوم سياسياً والمعلن إعلامياً بين القاهرة والرياض, لكن عنوان هذا الخلاف والتوتر والنفور, واحد : البحث عن دور قيادي للمنطقة!!

بانوراما الشرق الاوسط

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى