قراءة في معاني الاستدارة الاردنية المفاجئة نحو ايران
كتب ساطع الزغول
الزيارة المفاجئة التي قام بها ناصر جودة وزير الخارجية الى طهران يوم الثلاثاءالثامن من آذار الفائت ،اثارت جدلا واسعا واحاط بها لغط كثير،وقدحت زناد قرائح المحللين والمراقبين وعرافي صالونات عمان السياسية وضاربي الودع فيها في اطار سعيهم لاستنطاق ادواتهم في محاولة لاستقراء ما بين سطور هذه الزيارة التي جاءت على حين غرة .
رهط المتفاجئين ، ما ان شرّقوا وغرّبوا بحثا عن طرف خيط يقود الى الف باء استقراء مستجدات الدبلوماسية الاردنية ، بهذا الخصوص وجدوا انفسهم امام تفريعات اخرى ذات اوجه متعددة ابرزها زيارة المرجع الشيعي اللبناني علي فضل الله ، ثم رئيس المجلس الاسلامي الاعلى في العراق عمار الحكيم الذي تتبع له – كوجه شيعي عراقي بارز – ميليشيا قوات بدر التي تشكل هذا الاوان العمود الفقري في قوات الحشد الشعبي التي تقاتل الدواعش في العراق .
وفيما نشر محترفو التحليل وكتّاب الصحف والمواقع الالكترونية كتاباتهم التحليلية والاستنباطية ، وادلى كل منهم بدلوه ومن الزاوية التي ينظر منها الى الامور ، جاءت مشاركة الاردن الرمزية ” 10 طائرات حربية ” في تحالف عاصفة الحزم الذي تقوده السعودية ضد جماعة انصار الله اليمنية المتحالفة مع الميليشيات التابعة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ، لتختلط الاوراق من جديد ، وتكشف عن استعجال في الاستهلال والاستقراء جراء غياب بنك معلومات يقدم مايفيد البحث والتحليل، مادفع الكتاب الى مراجعة ما كتبوه وتعديل ما تداولوه ، والاجتهاد في عملية تفكيك الخيوط المتشابكة، وهي عملية تكاد تشبه عملية فصل الزيت عن الماء في ظل صعوبة الوصول الى المعلومات التي تسهم في القاء الضوء على ما يدور في الجلسات المغلقة والمكاتب الرسمية المحجوبة عن سمع وبصر رجال الصحافة والاعلام.
حالة الجدل التي سادت الصالونات السياسية ومجالس النخبة ووسائط التواصل الاجتماعي ، وفرزت المتجادلين ما بين مؤيد لما قيل انه انقتاح على ايران ومعارض له ، عكست تلك الحالة قلقا وبلبلة رفع منسوبها غياب اية توضيحات رسمية حاسمة .
في اطار هذا الجدل هناك من قال ان الاردن غيّر مؤشر بوصلته السياسة باتجاه ايران ، متأملا ضرب عدة عصاقير بحجر واحد وان ايامه المقبلة ستشهد المزيد من المفاجآت في هذا الصدد ، وكان السؤال المطروح هو هل سيغضب هذا التوجه الحلفاء التقليديين في منطقة الخليج ؟ وهل هو نوع من رد الفعل بسبب تراجع اؤلئك الحلفاء عن مد يد العون الى الاردن رغم صعوبة الاوضاع لاقتصادية التي لم تعد خافية على احد؟ .
وفي سياق تلك الاسئلة قال مراقبون ان ما حدث هو تحول استراتيجي لا مكان فيه لمبدأ النكاية ، مشيرين الى ان السلطات الاردنية وسّعت رقعة تحالفاتها، وقررت الانفتاح على ايران ومعسكرها بعد ان ادركت ان هذا المعسكر يحقق انتصارات متلاحقة في سورية والعراق ولبنان واليمن ، وهو على وشك توقيع اتفاق تاريخي مع واشنطن على صعيد الملف النووي ما يؤدي الى رفع الحصار السياسي و الاقتصادي عن طهران، و بالتالي كان السؤال الاردني المنطقي هو..لماذا نستمر في معاداة هذا المعسكر؟.
غياب المعلومات حول الاستدارة الاردنية نحو طهران الذي ساهم في حالة الجدل و ضبابية الرؤية التحليلية، ارجعت سببه مجموعة ”الشرق الاستشارية” المختصة في التحليلات الاستخبارية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، الى تعليمات رسمية مررتها وزارة الاعلام الى وسائل الاعلام بعدم التركيز على زيارة الوزير جودة الى طهران. وهو ما يفسر سبب الاجابات العمومية ذات الجمل الانشائية التي قدمتها وزارة الخارجية للسائلين عن التفاصيل، مع ملاحظة ان الوزير جودة رفض في لقاء له مع بعض النواب تسمية زيارته الى ايران ب”التقارب معها” معقبا بالقول انها تأتي كقناة اتصال، و هي اجابة دفعت العديد من المراقبين الى القول ان هكذا قناة تتم من خلال السفراء او الاتصالات الهاتفية ،وليس من خلال زيارة وزير خارجية هو في الان نفسه نائبا لرئيس الوزراء .
في سياق قول الوزير جودة ان زيارته للعاصمة الايرانية كانت مجرد قناة اتصال، قال مرقبون ان الاردن أبصر المعادلة الاقليمية المعقدة، و تراءى له الاقليم ما بعد اسدال الستارعلى الملف النووي الامريكي -الايراني، و ابصر الحاجة الى وضع الحقائق امام الايرانيين، و بيان مستقبل العلاقة العربية-الايرانية و مدى الحاجة الى البيئة الامنة التي تحدمن واقع الاستقطاب الطائفي و بالذات الوضع الاقليمي الذي يبعد العرب عن قضيتهم المركزية، و بالتالي فان الزيارة الاردنية لطهران، و قبل ذلك الزيارة الايرانية لعمان لم تكونا الا استجابة للتغيرات الحاصلة في المعادلة الدولية و الاقليمية الجديدة. و محاولة الاردن بناء ركائز ثابتة لما بعد الاتفاقية النووية و لعب دور اساسي للتحضير لبيئة آمنة في المنطقة، تضمن سلامتها و امنها و تقاربها.
و قال المراقبون – بناء على وجهة النظر آنفة الذكر- ان الاردن يقوم بدور كبير كلاعب اساسي في مستقبل المنطقة، لكن هذا الدور لن يكون على حساب ثوابته، او على حساب علاقاته مع الاصدقاء و الاشقاء، او المصالح العليا للأمة العربية، بل هو دور استشراقي لا يصلح لأحد القيام به غير الاردن.
على صعيد متصل نظر مراقبون آخرون الى المسألة نظرة تشاؤمية و قالوا انها بداية اعتراف عربي بدور ايران الاقليمي، وان تلك الزيارة لم تكن الا لنقل القلق العربي من الدور و التدخل الايراني المتسارع في اليمن، و التحذير مما ستؤول اليه الامور اذا لم تستجب الاطراف اليمنية للمبادرة الخليجية للحوار، مشيرين الى ان ايران التي رحبت بزيارة الوزير الاردني و احتفت بها، استمرت في ذات الوقت بالعمل على حسم الوضع على الارض في اليمن لصالح حليفها الحوثي، في حركة استراتيجية بالغة الخطورة للسيطرة على معبر البحر باتجاه قناة السويس، متجاهلة التحذير المصري من ان باب المندب خط احمر بالنسبة لمصر.
و من المنظورذاته يرى هؤلاء المراقبون ان المشاركة العربية في عملية عاصفة الحزم، هي رسالة واضحة لايران تقول ان العرب لم يفقدوا القرار الاستراتيجي، وان الامن القومي العربي ما يزال خطا احمر في مواجهة الطموحات الايرانية .
و يذهب هؤلاء الى القول ان التحرك الاردني باتجاه طهران جاء بناء غلى رغبة سعودية، ارادت ان ترسل اشارات متعددة الى القيادة الايرانية تحذرها من محاولات السيطرة على اليمن، الا ان الايرانيين تجاهلوا تلك الاشارات والتحذيرات لاعتقادهم ان الاتفاق الغربي-الايراني الوشيك على الملف النووي، سيجعل الولايات المتحدة والدول الاوروبية تغض البصر عن التمدد الايراني في اليمن و العراق، ما يجعل الطرف العربي ضعيفا و عاجزا عن المواجهه، و هذا ما يفسر المشاركة الاردنية في عاصفة الحسم، و يفسر سبب الاستعجال السعودي في بدء فعاليات هذه العاصفة التي فاجأت الحوثيين و حليفهم على عبدالله صالح وايران نفسها.
اصحاب وجهة النظر التشاؤمية الانفة الذكر يرون ان العلاقات الودية مع طهران ضرب من العبث، كونها ستمضي في سياسة التوسع و الهيمنة و خلط الاوراق، و بناء على ذلك لايوجد مصلحة اردنية في تعاون اقتصادي ولا قنوات سياسية مؤثرة، داعين الى سحب السفير من طهران في رسالة قوية تلجم تلك التطلعات التوسعية اذا كان ثمة من يجيد قراءة الرسائل هناك.
مقابل ذلك ثمة من يرى ان لا ضير في تقارب اردني ايراني محسوب استراتيجيا و امنيا يقوم على منع الاصابع الايرانية من العبث في الشؤون الداخلية، و احترام كل طرف لخصوصية و ظروف الطرف الاخر، مع اعترافهم بصعوبة تحقيق ذلك، خاصة و ان طهران طرحت على عمان غير مرة فكرة تبادل المنافع و مقايضة المواقف، وهي طروحات معروفة و قد تناولها العديد من المحللين بالتمحيص والدرس، و قد تعاملت معها الجهات المختصة الاردنية باعتبارها من نافلة القول و تسجيل المواقف و الاستدراج المحسوب.
ابرز ما في المسألة برمتها ان البعض وظفها للاصطياد في الماء العكر، و دق اسفين في العلاقات الاردنية – الخليجية، خصوصا و ان دول منطقة الجزيرة العربية و ما حولها تتعامى عن حاجات الاردن الاقتصادية ومشاكله والتزاماته، وهذا التعامي يتقاطع مع نداءات اطلقها مفكرون خليجيون حثوا فيها بلادهم على رفع مستوى دعمها للاردن وذلك من زاوية ادراكهم بأن الاردن هو بوابة الامن الاستراتيجية للخليج العربي وان قوته تنعكس بشكل تلقائي على قوة دولهم، و بالتالي فان الزيارة الاردنية الى طهران ما هي الا واحدة من الاسلحة الديبلوماسية التي تصب في صالح الامن القومي العربي و تعزيزه، فهل يعود اخواننا الخلايجة الى رشدهم و يعترفون باهمية الاردن الاستراتيجية و اللوجستية لدولهم، خاصة و ان عمان بمثابة قطب و وعصب رئيس في منظومة الحرب على الارهاب ؟
نتمنى ان يدرك القوم وهم يبذرون ملياراتهم هنا او هناك بلا حساب، ان الاصرار الاردني على رفض الدخول في احلاف اقليمية ثنائية خارج المجموعة العربية يصب في قنوات امنهم و سلامتهم..فهل من مدكر؟