بين”الجهوية” و”التبعية” ضاعت وحدة الجماعة الاخوانية
كتب ساطع الزغول
دأبنا في ”المجد” طيلة العقد الماضي على تناول وتداول اسرار واخبار جماعة الاخوان المسلمين، من موقع الحريص على تماسك وفاعلية الجماعة في وجه التعارضات البينية، والانقسامات التحالفية، والنكايات والتقولات التي يثيرها هذا الجمع في وجه ذاك، بغية الاستئثار ببعض المواقع والمنافع، او خدمة هذه الاجندة او تلك، دون التورع عن توظيف الارهاب الفكري واللغة الاقليمية لتحقيق المراد.
كثيراً ما كان يتم تفسير مواقفنا وتحذيراتنا بغير غايتها، عملاً بقاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، وكان ذلك يجر علينا الانتقادات والاتهامات، لكننا لم نأبه لكل ذلك نظراً لقناعتنا اننا نقول الحق، وان نسبة مصداقية معلوماتنا واخبارنا تتعدى نسبة الـ %95، ولهذا كانت توجع البعض وتثير حفيظتهم، وما الانتقادات والاتهامات التي يسوقونها ضدنا سوى محاولات للتنفيس حين يكتشف احد الافرقاء في الجماعة ان ”لعبة التقية” التي يتسترون خلفها هي تحت اضواء ”المجد” الكاشفة، باعتبار انه لا يمكن تغطية الشمس بغربال.
منذ سنوات عشر، وربما اكثر، ونحن نحذر قيادات الجماعة من خطورة الانقسامات والتحالفات والملاذات والكولسات التي تضرب بجذورها بين ظهرانيهم، وان التذرر الى شيع وتيار وجماعات صقورية وحمائمية، وتيارات ثالثة ورابعة واوساط ذهبية وتنكية وغير ذلك من العناوين والتسميات سيقود في النتيجة الى شرخ ”طولاني عرضاني” يقسم الصف ويقصم الظهر.. وهذا ما حصل.
على مدى متابعتنا للتحولات والتبدلات، والتغيرات الاخوانية طيلة تلك السنوات، ادركنا خطورة بروز سؤال الهوية الجهوية والتبعية، وهو سؤال مسكوت عنه، يتم تجاوزه لاعتبارات طبيعة وشكلانية تنظيم وتكوين الجماعة، حتى تطور الامر الى القول بوجود تنظيم سري داخل التنظيم، وزج حماس، ذلك الفصيل الفلسطيني المجاهد في اتون الخلاف، واحتكام دهاقنة الجماعة الى التنظيم الدولي ليقول كلمته في موضوع اردني داخلي، وليطلع على الناس احد اعضاء ذلك التنظيم ليهرف بما لا يعرف ويقول ما يجوز وما لا يجوز، ولنستذكر في هذا السياق الفنان السوري الجميل المرحوم نهاد قلعي او ”حسني البورزان” صاحب مقولة ”اذا اردنا ان نعرف ماذا يجري في ايطاليا علينا ان نعرف ماذا يحدث في البرازيل”.. ومن هنا فان علينا ان نعرف ماذا يدور في لندن او انقرة او المنامة لنعرف ماذا يدور في ذهن الدهاقنة سواء اكانوا من جماعة همام ام من جمعية الذنيبات.
المراقبون اكدوا ان سؤال الجهوية والتبعية كان يتردد على الدوام في اروقة وكولسات الجماعة، لكنه احد المسكوتات عنه من امور الجماعة، باعتبار ان طرحه علانية يجر خلفه وجع رأس الجميع في غنى عنه، لكنه طفي على السطح مع تراجع الاهتمام بالشأن الداخلي الاردني خلال مجريات ”الفوضى الخلاقة” الموصومة ظلماً وعدواناً بالربيع العربي.
المراقبون لفتوا في هذا السياق الى سكرة الجماعة وانبهارها بمجريات وتفريعات وانجازات الربيع الدموي منذ عام 2011 وما بعدها، خاصة في مصر وتونس وليبيا ولاحقاً في سوريا، ما جعل بعض القيادات تشطح وتنطح، معتبرة ”ان الدنيا قمرة وربيع” ما يؤهلها لادارة ظهرها لواجباتها ونضالها الاصلاحي الداخلي باعتبار ان مهماتها تجاوزت حدود الخريطة الاردنية، ومن منطلق هذا الشعور تنكرت لالتزاماتها وتحالفاتها مع القوى السياسية الاخرى، وقلبت لها ظهر المجن، واصبح دورها محلياً لا يتعدى بضعة اسطر في بيان باهت يقوم على مبدأ رفع العتب لا اكثر ولا اقل، بعد ان باتت تشعر انها فوق المألوف، واستمرت هذه القيادات ماضية في سكرتها دون ان تفكر باستقراء ما يدور حولها، او ان تستخلص منه العبر، وظلت تعيش باجنحتها كلها وهم ان الزمان والاوان زمانها واوانها.
وعند استقرائهم لمسألة الانشطار الاخواني الحاصل، وما سيترتب عنه من قضايا واجراءات قانونية وارتجالية، يرى المراقبون ان انهيار تجربة اخوان مصر التي بنى عليها ”اخواننا هنا” قصوراً وجسوراً فاقمت ازمتهم، وعقدت اواضاعهم، وصار المسكوت عنه من خلافات واستقطابات واستبعادات، رهن التداول فطغت على السطح قضية التنظيم السري الذي قيل انه يتحكم بكل امور الجماعة منذ عدة سنوات، مع صعوبة اثبات وجوده ان وجد حقاً، وصعوبة تصديق نفي وجود مثل هذا التنظيم من لدن الطرف الذي ساق الاتهام باعتبار ان كل طرف متخندق في موقعه لا يسمع ولا يرى ولايتكلم الا بما يتوافق مع ما يصدر عنه او يصب في قناته.
منتقدو ”جماعة همام” يأخذون عليهم اصراهم على عدم فك الارتباط بالتنظيم المصري رغم اعتباره في عرف اكثر من دولة عربية من المحظورات، وفقد على ارض الواقع وضعه القانوني في بلده، ما تنشأ عنه مخاوف من انسحاب هذا الامر على الجماعة في الاردن وفقاً لترخيصها القديم عام 1946، معتبرين ان الحل يكمن في تغليب مصلحة البلاد والعباد والجماعة بـ ”اردنة الجماعة” دونما مكابرة او عناد، وقطع الطريق على من يحاولون، زج حماس، بشكل خاص وفلسطين عموماً في هذا الصراع البيني الانشطاري.
المعلومات المتداولة سياسياً واعلامياً تقول ان سؤال الجهوية (الاردنية) والتبعية (للتنظيم الدولي) ولعبة الاقصاءات والاستبعادات على قاعدة ”من ليس معنا فهو ضدنا”، صارت اكثر وضوحاً ورسوخاً منذ اعلن فريق الذنيبات ”عدم التوقف بانتظار مساومات التسوية، معتبرين ان القطار قد اقلع، ومن يرغب في الركوب عليه اللحاق، قبل الاحتكام للقضاء في كل ما سبق يتم التنازع عليه من مواريث.
وفي المعلومات ان العديد من الشخصيات الاخوانية القيادية التي سبق ان تم فصلها من عضوية الجماعة لاسباب عديدة، قد ابدت عتبها على فريق الذنيبات لعدم استقطابهم، او مشاورتهم او اشراكهم في الامر، وهو الذي دفع احد اعضاء الجماعة الجديدة ”نبيل الكوفحي” الى الرد قائلاً انه سيكون هناك اتصالات مع كل المفصولين من الجماعة من القيادات التاريخية لاستقطابهم.
ويرى المراقبون ان التعنت من لدن الجهتين الاخوانيتين الهمامية والذنيباوية سيجر الى خلافات وصدامات لا تحمد عقباها، خاصة في ظل توافر معلومات عن نية الحكومة – التي اكدت عدة مرات انها ليست طرفاً في الخلاف، وان على الاخوان ان يقلعوا شوكهم بايديهم – انها تفكر في اعادة جمعية المركز الاسلامي الخيرية الى التنظيم الجديد في حين ان الذنيبات نفسه اعلن- ومن منطلق ان هذه الجمعية تعتبر الذراع الاقتصادية والاجتماعية والبنك المالي – انه ينوي التقدم بطلب اعادة الجمعية ”لحضن الاخوان بعد ان تم تصويب اوضاعها القانونية”.
الى ذلك فان ملف هذه الجمعية التي يقال انها تمتلك نحو مليار دينار من الموجودات والعقار والمدارس والمستشفيات والجمعيات والاذرع الخيرية، منظور امام القضاء منذ عدة سنوات جراء اتهام نحو 25 شخصاً من القائمين عليها باساءة الائتمان.
من بين الخلافات المرشحة التفاقم بشدة ملف حزب جبهة العمل الاسلامي وهو الذراع السياسي لـ ”جماعة همام” ولا يعترف معظم قياداته بجمعية الذنيبات، ما يعني ان الجسم الجديد يعيش قلق انتماء هذا الحزب لاي من الجسمين الراهنين، ما يرجح ان يعمد الذنيبات الى التقدم بطلب لانشاء حزب جديد يكون ذراعاً سياسياً لجماعته.
بعيداً عن صراع الاستحواذ على التركات، وعض الاصابع والضرب تحت الحزام، يؤكد العديد من المراقبين ان ما يجري اليوم في الجماعة من تصعيد للخلافات وصل الى حد الانقسام، قد تم بتدخل وترتيب نشأ عن استغلال الظروف من قبل عدة جهات بهدف فرط عقد الجماعة وشطبها من المعادلة السياسية في المنطقة العربية رغم ان ذلك الشطب قد يولد جماعات لا تجد من يضبط معظمها في المنطقة، وستصبح نهب وتجاذب التيارات والتصورات والاجندات المتطرفة والتكفيرية.
اصحاب هذا الرأي يغوصون عميقاً في لجة التشاؤم، ويتهمون من خطط او سهل او دفع بالعمل الاسلامي الاردني الى حافة الهاوية، كان يهدف الى ان يخلي الساحة من الطرف الاخر، ليضمن ان تمر القضايا الخلافية في السياسة الداخلية والخارجية دون الوقوف عندها، وحيث يجري تغييب متعمد للصوت الشعبي والجهة الشعبية التي يمكن ان تحدث التوازن السياسي المطلوب.
لكن هؤلاء تناسوا او غاب عنهم ان هذا الطرف الذي ينتصرون له قد نأى بنفسه على مدى السنوات الاربع الماضية عن الغوص في لجة القضايا المحلية، معتبراً ان دوره غدا اكبر من الانغماس في ساحة سياسية صغيرة مثل الساحة الاردنية.
بعيداً عن هذا التوصيف يؤكد العديد من المراقبين ان ما كان يجري بين الاخوان في الاصل هو نزاعات شخصية عصبوية لا صلة لها بالبرامج، وهي قضايا نفسية اكثر مما هي سياسية، ومع استفحالها صار من الطبيعي ان يجري تخريجها بالصورة التي خرجت بها، مع التشديد على ان من حق كل شخص ان يطرح ما يريد او ان يجرب المسار الذي يراه، بعيداً عن التصعيد والاستقواء، تطبيقاً للقاعدة الشرعية ”امساك بمعروف او تسريح باحسان”.
ويعوّل هؤلاء على العقلاء والكبار داخل الجماعة وخارجها للملمة الامور وتدارك ما يمكن تداركه والاكتفاء بالحد الادنى من الضرر تمهيداً لطمسه وتجاوزه، منطلقين من فرضية ان لا تعارض بين الهمين الاردني والفلسطيني لجهة الصراع مع الاحتلال الصهيوني البغيض الرابض على الثرى الفلسطيني والذي يهدد باقي المكونات العربية بالهيمنة والسيطرة.
وختاماً في مواجهة هذا الانشطار الذي يصر كل طرف من طرفيه انه على حق، مطلوب تغليب المصلحة العامة، واحالة الاسماء والقيادات المستهلكة التي اكل عليها الدهر وشرب الى الاستيداع، واستحضار الطاقات الشابة المتفهمة للظروف والمستجدات، شريطة ان لا تنغمس في مستنقع الافساد الدولي الراغب في تقسيم كعكة المنطقة الى جزيئات سهلة على القضم والابتلاع، وكفانا معارك دونكيشوتية، وبيانات عنتيرة لا تساوي بعض الحبر الذي كتبت به، ولا الورق الذي تسوّد بخطوطها.