الاردن يغامر باستقلاله وينزلق تدريجياً تحت الابط الاسرائيلي

يوماً بعد يوم، ينزلق الاردن سياسياً واقتصادياً تحت الابط الاسرائيلي، ويتخلى تدريجياً عن ابرز ركائز ومقومات سيادة الدولة واستقلالها الوطني، لحساب عدو صهيوني غادر وطامع وصاحب مشروع تسلطي وتوسعي لا يخفى على احد.

وقد انتهز المسؤولون في بلادنا حالة الانشغال الشعبي بالمآسي العربية المجاورة، والتخوف من تسرب المخاطر الارهابية الى البيت الاردني، ليسارعوا الى تعميق العلاقات مع الكيان الاسرائيلي في سائر المجالات، وبما يتخطى حدود التعاون والتنسيق الى دوائر التحالف والمشاركة، ولكن من موقع التبعية والالتحاق، وليس المناددة والمساواة.
هذا التطبيع الاستراتيجي المتسارع مع اسرائيل، والتفريط المتدرج في السيادة الاردنية، يمكن ان يؤدي الى تقويض استقلال الدولة ولجم ارادتها والتحول بها الى ”حديقة خلفية” ملحقة ”بالمركز” الاسرائيلي، ودويلة ذاتية الحكم تدور في فلكه، وتأتمر باوامره ونواهيه، ولا تملك في قادمات الايام ان تتراجع – فيما لو رغبت – عن اي اتفاق تورطت في ابرامه وبات يستند الى قوة ”الامر الواقع”.
هذا الاوان صارت الروابط الاردنية مع اسرائيل اشد واكثر من اية روابط لنا مع الاقطار العربية الشقيقة، فقد بدأت حكوماتنا اول الامر بتأجير اجزاء من اراضينا في منطقتي الباقورة والغمر لمزارعين اسرائيليين، ثم تشاركت مع السلطات الاسرائيلية في المرفق المائي وارتضت تخزين حصتنا من مياه النهر في بحيرة طبريا، ثم وقعت سلسلة توافقات بيئية وبروتوكولات برية وبحرية بين العقبة وايلات، ثم استبدلت اسرائيل بفلسطين في المناهج المدرسية، ثم ابرمت اتفاقية ناقل البحرين الذي يشكل تحالفاً، بل تداخلاً ابدياً بين الجغرافيتين الاردنية والاسرائيلية، وها هي المفاوضات جارية حالياً بين عمان وتل ابيب لاستيراد الغاز الاسرائيلي عما قريب.. والحبل ما زال على الجرار.
لم يعد التداخل الأردني الإسرائيلي وتعزيز علاقات البلدين مما يمكن التغاضي عنه، فقد دخل مرحلة التطبيق الاستراتيجي الخطير مع توقيع عمان وتل أبيب على اتفاق تنفيذ مشروع ربط البحر الأحمر بالبحر الميت، حيث يعتبر هذا التوقيع استكمالا لمذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين البلدين في واشنطن اواخر 3102 الماضي.
ويأتي توقيع هذا الاتفاق في وقت تشهد ساحات منطقة الشرق الأوسط العديد من الاضطرابات والتقلبات، ما يعني أن العلاقات الأردنية- الإسرائيلية قد دخلت فعليا مرحلة جديدة ومتقدمة، كشفتها صحيفة ”يديعوت أحرونوت” الصهيونية، حيث اكدت مؤخراً متانة العلاقات الاستخباراتية بين تل أبيب وعمان.
خطورة الخطوة الجديدة التي تخطوها حكومتنا مع إسرائيل هذا الاوان، أنها تنعكس سلبا على القضية الفلسطينية، حيث يصب هذا المشروع في صالح الكيان الصهيوني من جميع الاتجاهات، سواء لجهة الهيمنة الاسرائيلية على الجانب الاردني أو إحداث تغيير في الخريطة الديموغرافية داخل الأراضي المحتلة.
هذا المشروع سوف يؤمن لاسرائيل احتياجاتها من الطاقة والمياه على المدى البعيد، فضلا عن انها سوف تتخذه ذريعة للتواجد بالأراضي الأردنية من أجل مراقبة وتأمين هذا المتنفس البحري، ناهيك عن ان محطات تحلية المياه التي سيتم إنشاؤها في الأردن تمنح الكيان الصهيوني فرصة هذا التواجد بشكل علني ودون خلاف.
وبهذا الخصوص قال النائب رائد حجازين إن الأرض التي سيبنى عليها المشروع أردنية، كما أن المياه من حق الأردن في الأساس، إضافة إلى أن المشروع سينفذ من جهة البحر الميت المقابلة للأردن، وبذلك فإن الخاسر عربي والرابح إسرائيلي.
واكد حجازين أن كمية المياه التي سيحصل عليها الأردن من المشروع، هي بالأساس حقه الطبيعي من المياه القادمة من طبريا باتجاه وادي الأردن، وقد قامت إسرائيل بسرقة حصة الأردن وهو ما يعني ان اتفاقية البحرين تشكل مكافئة للص الاسرائيلي فضلاً عن مساهمتها في تحقيق حلم قديم جديد لساسة إسرائيل مثل ”هيرتزل” و”بيريز”، مدللاً على ذلك بمقولة لوزير التعاون الإسرائيلي سيلفان شالوم ”إن هذا المشروع أهم حدث بعد اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل.
ومن جانبها اكدت لجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع النقابية إن الشعب الاردني سوف يتحمل كل الأضرار البيئية والاقتصادية والسياسية والعسكرية الناتجة عن هذه الاتفاقية، التي قالت في بيان صادر عنها امس انها تندرج ضمن المشاريع التطبيعية الحكومية الكبرى الهادفة الى ربط ورهن الإقتصاد الاردني ومقدراته بالعدو الصهيوني، وذلك تماشياً مع الإملاءات الامريكية وتحقيقاً لحلم هرتزل.
واعتبرت اللجنة ان هذه الاتفاقية تشكل جريمة بحق الاردن وفلسطين، وتمثل انجازا تطبيعيا جديدا للحكومة التي تحول دورها بالتالي من الراعي للتطبيع الى دور الشريك والمنفذ.
اما الدكتور عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الفلسطينية فقد اعرب عن مخاوفه من تغلغل إسرائيل في البيت الأردني، وقال ” سوف نرى مزيدًا من الخبراء الإسرائيليين في الأردن بحجة أنهم يشرفون على المرافق المائية والكهربائية المتولدة عن مشروع قناة البحرين ”.
واضاف قاسم يقول: إن هذا المشروع بالنسبة لإسرائيل مكسب كبير وخسارة كبيرة للامة العربية والقضية الفلسطينية، لأن إسرائيل سوف تضاعف تغلغلها في الساحة العربية على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ومع أن هذا المشروع ليس بالجديد بل مطروح من سنوات طويلة الا ان تنفيذه في الوقت الحاضر يحمل الكثير من المعاني والدلالات الخطيرة.
وتوقع قاسم ان تعمد اسرائيل لاقامة مستوطنات جديدة في منطقتي الأغوار والنقب وستكون المياه هي العنصر الأساسي في إنشاء هذه المستوطنات، مشيرًا إلى أن اتفاقية ناقل البحرين قد حققت لإسرائيل هدفها الذي تناور فيه منذ زمن بعيد.
وفي المقابل، اعتبر وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي سيلفان شالوم أن توقيع اتفاق إطلاق مشروع ناقل البحرين، يشكل تحقيقاً لرؤية مؤسس دولة إسرائيل ثيودور هرتزل.
وقال شالوم : ”إننا نحقق اليوم رؤية مؤسس دولة إسرائيل هرتزل الذي قد تنبأ في أواخر القرن الـ19 بضرورة إحياء البحر الميت”؛ في إشارة إلى ما جاء في كتاب هرتزل ”الأرض القديمة الجديدة”.
كثير من المراقبين اعتبروا هذه الاتفاقية المشؤومة جزءاً من الرؤية الإسرائيلية لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشر به الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرز منذ بدايات عملية التسوية في المنطقة مطلع تسعينيات القرن الماضي، كونه يوفر لإسرائيل شريكاً أساسياً في المحيط العربي.
الغريب العجيب ان الطاقم الحاكم في بلادنا لا يتورع عن الانخراط في مخطط المشاركة البعيدة المدى مع الكيان الاسرائيلي، فيما هو يرى يومياً وبام العين حجم العناء الذي تكابده السلطة الفلسطينية ازاء غطرسة هذا الكيان، وعجز السلطة عن تحصيل اي حق من حقوقها، او انتزاع ادنى تنازل من لدن هذا الغاصب المحتل الذي ما زال ماضياً في اعمال التهويد والاستيطان في عموم الضفة الغربية، ورافضاً لتنفيذ الحدى الادنى من اتفاق اوسلو الذي ابرمته منظمة التحرير الفلسطينية واشهد العالم عليه.
وعليه.. بعد اليوم يتعين على القوى الوطنية والهيئات الحزبية والشعبية والنقابية تصعيد وتائر نضالها لوقف مسيرة الهرولة نحو وضع البيض الاردني في السلة الصهيونية، وترك البلاد والعباد فريسة سهلة يستفرد بها شيكوك اليهود الذي استطاع الهيمنة والتسلط على دول عظمى من وزن امريكا وبريطانيا وفرنسا، فكيف بدولة صغيرة وفقيرة مثل الاردن ؟؟
لا يجوز التقليل من خطر ”داعش” واخواتها على المنطقة العربية، ولكن هذه الزوبعة الارهابية آيلة للانهزام ومرشحة للزوال خلال وقت قصير، في حين تزداد ”داعش الاسرائيلية” قوة وعنجهية ونفوذاً بشكل مطرد، ويتضاعف خطرها على الاردن والعرب يوماً بعد يوم، وتتواصل حلقات مشروعها التوسعي وتتسع دوائره على حساب المشرق العربي كله.
قوى شعبية وقطاعات نخبوية قليلة ومتناثرة باتت تتحسب وتترقب وتضع اليد على القلب تخوفاً من عواقب هذا الاندفاع الحكومي للترابط والتكاتف مع اسرائيل، وتحاول وضع العصي في دواليبه، غير ان المطلوب اكبر من ذلك واكثر لزوماً والحاحاً قبل فوات الاوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى