” إنها الساعة الثانية، وثلاثون..”

بقلم : إنصاف قلعجي

كلما سعيتَ لإغلاق باب الوجع، وقلت في نفسك أن العالم يحتفل بما يسمى عيد الحب أو الفالنتين، هذا إن بقي هناك”حب”، تُشَرّع نوافذ الوجع، ويعود جرحك ليفتح من جديد، أكثر إيلاما، وأكثر إيغالا في الروح. تطل عليك ذكرى حزينة، ذكرى حرق ملجأ العامرية في حيّ العامرية غرب مدينة بغداد يوم الثالث عشر من فبراير/ شباط عام 1991، فأي ذكرى هي، وأي ألم يغشّي روحك وبدنك.
الإرهاب ومنذ بدايته، أمريكي الصنع، قنابلها الذكية تحرق أكثر من 400 مدني عراقي أغلبهم من النساء والأطفال، لجؤوا لهذا المكان الآمن بانتظار أن ينتهي العدوان الظالم على العراق، وقد بررت القوات الغازية بأن الغارات كانت تستهدف مراكز قيادية عراقية، يعني عمى البصر والبصيرة. لكن ثبت بأن العدوان كان متعمدا. فهل تركت أمريكا إرهابا، أي إرهاب لم تمارسه على دولة العراق الوطنية وشعبها الأبي، هل تركت أي فن من فنون القتل والتدمير والتعذيب، وخاصة جريمة ”أبو غريب”، ولم تتعمده في العراق، وقد خرس العالم كله أمام هذه الجرائم البشعة، ولم يزل بوش الأب والابن يمرحان دون أية محاكمة. واكتملت المأساة بتدمير وسرقة كل حضارة العراق، بعد غزوه وتشريد أهله ليرتاح الكيان الصهيوني من أول عدو يؤرقه.
وتوالت أحداث القتل والتدمير تحت شعار برّاق يسمى الربيع العربي من إنتاج أمريكي صهيوني بامتياز وبأدوات عميلة تسمى” الثورة”، فدمروا بلدانا كانت آمنة، وجاؤوا في النهاية بإرهاب لم يشهد له التاريخ مثيلا، فأنشؤوا ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام وغيرها من التنظيمات، لتزود بالأسلحة والمال لتكمل مشوار أمريكا الأسود وتقضي على ما تبقى من عالمنا العربي من عروبة وإسلام وحضارة وتاريخ. وآخر مشوارها التغاضي عن قتل الشهيد معاذ الكساسبة. والصمت إزاء أحداث غزة الإجرامية.
تدمينا الأحداث المتسارعة نحو الهاوية، ونقف مكتوفي الأيدي، عاجزين عن الصراخ، ونحن نرى أمريكا وحلفاؤها يسعون جاهدين إلى تدمير الدولة السورية بكل مكوناتها الحضارية، وتدمير شعبها وتشريدهم في مخيمات الشتات، وتدمير كل البنى التحتية. أربع سنوات عجاف، والجيش العربي السوري البطل يحقق انتصارات كاسحة رغم تآمر وتحالف ثمانين دولة لإسقاط الدولة السورية ومقاومتها الباسلة…
” إنها الساعة الثانية،
وثلاثون.. من بعد منتصف الليل..
بغداد نائمة.. والهزيع ثقيلْ..
وحده النهر مستيقظ.. والمنائر
والقلق المتربص، خلف جذوع النخيلْ..
فجأة
صرخت طفلة الخوف من نومها..
وتخبّط في العش فرخُ يمام
وصاح المؤذن في غير موعده:
استيقظوا أيها النائمون
وماد المدى.. وتجعّد جلد الظلام
واقشعر السكون…
….
وتصعد من بين الإسمنت المحروق،
تراتيل الخوف، ترافقها أصوات مخاض
تسقط قنبلةٌ.. تسقط أخرى.. أخرى
ينفجر الملجأ.. ينهدم السقف.. وتحترق الدنيا
فنموت..
ونسمع بين الموت وبين اليقظة..
صوت جنين.. يضحك في الأنقاض ”
الشاعر الكبير الراحل يوسف الصائغ.
فهل كبر هذا الجنين ليثأر لكل الذي كان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى