التأسيس للهاوية !!

في كل لحظة من لحظات العرب العصيبة الراهنة التي نتأمل فيها الواقع العربي الراهن، ونعاين أحداثه، ونتألم من مجرياته ومعطياته ومخرجاته، نجد أنفسنا أمام مشهد سياسي غريب تتضافر كل تفاصيله وجزئياته للتأسيس للهاوية، والهاوية التي نشير اليها أصبحت  تتبدّى سياسياُ واجتماعياً في هذا الإنهدام والانعدام والغياب الرسمي والشعبي والقصور والاستباحة والاستنقاع  وفقدان الهيبة والماهية وانتظار اكتمال مناخات ومقومات الوصول إلى حالة الدول الفاشلة التي لا معنى لها ولا وجود على خريطة العالم والممعنة في تجاهل الحرائق القادمة إليها والمتمنّعة على التغيير ومواجهة العواصف.

والتأسيس للهاوية في لحظتنا الراهنة تتشارك فيه قوى داخلية وخارجية ، أما الخارجية فنحن نعرف أهدافها القديمة والحديثة ونعرف مشروعها بحذافيره وعناصره، وأما القوى الداخلية فهي تلك التي تتبارى الآن لتدمير أوطانها تحت عناوين مختلفة وبذرائع واهية، وهي أيضاً الجماهير العربية التي تتفرج الآن وتصمت صمت القبور وتبدي كل ألوان اللامبالاة ولا تبادر إلى أي فعل جماهيري يوقف الانحدار ويغير المسارات الشاذة والتلاطمات المتصاعدة، ويوقف هذا النزيف والاستنزاف العربي الذي أضحى أمثولة للخراب والانتحار والتدمير الذاتي.

والتأسيس للهاوية يأتي من قبل قوى ظلامية تولدت في هذا الخضم المضطرب وأصبحت تتقدم من خلال هذه العتمة الماحقة والإفلاس السياسي والاجتماعي لتقود الأمة الى الهاوية والجحيم دون أن يكون لها مشروع سياسي واضح ومعلوم أو رؤية تستحق القراءة والتحليل، وأداتها الافناء والقتل والتدمير، ولذا نرى هذه القوى الغامضة وقد تسيّدت الموقف وأصبحت تحتل عناوين التفكير والتحليل وتثير الكثير من المخاوف حول الحاضر والمستقبل العربي وأهواله القادمة.

وهذه ليست صورة تشاؤمية مفزعة نخترعها من وحي الخيال أو لغايات الاستسلام للواقع الراهن، وإنما هي توصيف مؤلم وملتهب وجارح لكل ما يجري في كافة أنحاء الوطن العربي بعد أن بلغت الأمور هذا الحد من الاضطراب والفوضى والتلاطم، وكيف لا يكون الأمر على هذا النحو ونحن نرى تساقط العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى، ونرى المقتلات والمجازر التي غدت تأتي على الشجر والبشر وتشرد الآمنين وتشتت شملهم وتضعهم في العراء على حواف الدول ومخيماتها . ونلحظ عصابات كانت طريدة ومهمشة في غابر الازمان  تصبح لاعباً ورقماً سياسياً يتحكم بمصائر بعض الدول العربية ويشلً جيوشها وقرارها .

ألا يشكل كل ذلك لوحة سياسية عربية غرائبية ضاغطة ولحظة إنهدامية صاعقة لم تشهدها الأمة العربية في أسوأ لحظات تاريخها ؟ ألا يحتاج الأمر والمشهد الى وقفة ووقفات للتحديق فيه  والتمعن في أخطارة والاصرار على التصدي له ومواجهته بكل السبل والوسائل ؟ والجواب “لابد” ، أن الأمر عاجل وخطير ولا عذر لمن يراه على غير ذلك، أو يراه مساراً طبيعياً وقدرياً لابد من القبول به والاستسلام لمعطياته . ذلك أن الأمر أولاً وأخيراً بيد أبناء الأمة العربية في كافة أقطارهم، وهم وحدهم من يقدر على تحريك الأمور بالاتجاه الايجابي المعاكس وأنتشال الأوطان من واقعها المرير ووقف هذا التراجع وتصحيح المسارات، فالقرار دائماً وفي كل الأحوال لدى أبناء الأمة ممن يتألمون من هذا الواقع ويرفضون معطياته ويتحسسون أخطاره وتداعياته .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى