لم ولن نصفق للعدو.. ولسنا مع من يهز الدبر
بقلم : اسماعيل القاسمي الحسني
لم يفاجئني موقف البعض من عملية الاغتيال التي تعرض لها عناصر من حزب الله في القنيطرة السورية مؤخرا، خاصة وأغلبهم من بلد عربي أعلنت قيادته السياسية بشكل واضح ورسمي وقوفها ضد هذا الحزب، ليس لانتمائه الطائفي كما يوهمون الناس، وإنما لكونه جزء من محور أعلن بدوره عداءه لكيان إسرائيل؛ موقف كما وصفه أحدهم في مقال صادر له ينضح نقمة وغضبا وتشفيا، متسائلا بصيغة تقريرية في عنوانه عن كيفية تصفيقهم لإسرائيل، مستعرضا الحجج التي يعتقد أنها تشرع هذا الموقف وتبرره. لم يختلف موقف الكاتب عن واحد من أبرز دعاة ابن بلده، الذي رأى عبر حسابه في التويتر، بأن اغتيال كوكبة من أبناء حزب الله مدعاة لفرح “المؤمنين” حتى وإن كان القاتل إسرائيل. وشخصيا ليس لدي اعتراض بالمرة على مواقف أشخاص أوشخصيات، ومرد ذلك أن القاعدة تقول: الشيء من معدنه لا يستغرب. فليس من المنطق ولا هومن العقل وحصافته في شيء، أن تنتظر من فاقد الشيء أن يعطيك إياه.
لكن أن يصدر الموقف باسمنا نحن “الشارع العربي”، وأن يتم تسويقه باسم ديننا الحنيف، فهذا ما يفرض علي التوقف عنده. وباختصار شديد أقول:
أولا، بالنسبة لمن يوصف بالداعية والعالم، التشفي في إسلامنا سلوكا وخلقا وعقيدة غير مقبول نهائيا في حالة موت العدو، وقد سجل عن مشرع هذه الأمة (ص)، موقفا عالي الإنسانية، حين وقف عند مرور جنازة يهودي، وقد تغير لون وجهه أسفا من باب الشفقة والرحمة، وأذكر هنا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيسه، قد أكد مرارا على صحة إسلام الإخوة الشيعة، وقبله وبعده الأزهر الشريف بإجماع علمائه، وحتى لمن اغتر بصفتكم من أفراد، واتبع تكفيركم لجزء هام وأصيل من الأمة الإسلامية، فإنه لا يصح على الإطلاق التشفي في حالة الموت، هذا لمن يتبع محمدا الرسول، وأما من يتبع غيره، ويعتقد في رسل جاءت من بعده، فلا نملك إلا أن نقول له سلاما.
ثانيا، ألفت عناية من يتساءل مقررا التصفيق للعدوالإسرائيلي، أن هذه الحالة من هستيريا التصفيق ليست أبدا وليدة عملية الاغتيال، بل تعود لفترة طويلة لعل أول ظهور لها علني كان ذات صيف 2006 إثر عدوان هذا الكيان على لبنان، ومذكرات صناع القرار الأمريكي تفيض بشهاداتهم، حول التصفيق حد احتراق الأكف، من أجل مواصلة ضرب حزب الله، وعدم التوقف عن القصف حتى تستأصل شأفته، ما كانت تُمنّيه به أحلامهم؛ وكشفت عن ذات درجة التصفيق بشكل واضح وبكل جرأة تسيبي ليفني ورئيس حكومتها حينذاك أولمرت عام 2009، إثر العدوان الإجرامي على قطاع غزة (السني العربي وليس الفارسي الشيعي قطعا). أما القول بأن العداء لإيران بدأ منذ التدخل في الشأن السوري، فإنه لعمري أكثر من الهذيان، أولعل التاريخ يبدأ عند صاحب هذا الزعم المضحك بعام 2011، وكأن دول الخليج تحديدا لم تعلن الحرب 1980 على إيران، ودفعت عشرات المليارات لإسقاط نظامها، الذي كان أول عمل قام به رفع علم فلسطين، الذي لم يكن قد رفع في عاصمة عربية قبلها بشكل رسمي، ولا أعتقد أن إيران كانت تمنعهم عن فعل ذلك. وبالأرقام الموثقة يتبين أن بين عامي 2011 و2013 كان عدد الايرانيين في سورية كخبراء لا يتجاوز 60 عنصرا، بالعربي الفصيح واحد من ألف نسبة لعدد خبراء أمريكيين في دولة خليجية يبدأ اسمها بحرف، على صيغة السيد حسن نصر الله، ذات الوقت دخل في تلكم الفترة للأراضي السورية ما يزيد عن ألفي مجاهد كما كان يحلولدعاة ذلكم البلد وصفهم، قبل أن ينقلب الأمر ويوصفون بالإرهاب؛ وإنه لمن خفة العقل حتى لا نقول توصيفا آخر، أن يجعل من نفسه الكاتب في عملية إجرامية كتلكم التي تعرض لها رفيق الحريري، قاضي تحقيق وشاهدا ثم قاضيا ليوجه الاتهام ثم الإدانة والحكم النهائي غير القابل حتى للطعن، فإذا كانت المحكمة الدولية التي ابتدعت للفصل في هذا الموضوع مازالت على علاّتها وتحفظنا، لم تتهم ولم تفصل بحكم، فليت شعري بأي مسوغ يتجرأ صانع رأي للقفز على مسألة بهذا الخطر والتعقيد؟
إن تبرير الاصطفاف مع العدوالإسرائيلي في الصراع الإقليمي القائم، باسم الشارع العربي أمر مرفوض بشكل قاطع، ونقف في وجه كل من يدعي ذلك وبكل قوة، وإن سلمنا بأن هؤلاء الدعاة والكتاب يعكسون حقا رأي الشارع الخليجي (وهوأمر غير صحيح)، فبكل احترام وتقدير نقول هناك شعوب عربية تعدادها عشرات أضعاف عدد أشقاءنا في الخليج، ولهم كتابهم وقنواتهم التي تعبر عن رأيهم، من المغرب إلى الجزائر وتونس وليبيا ومصر وسلطنة عمان والسودان واليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين والبحرين، هذه الشعوب العربية لا تقر لداعية أوكاتب من دولة يبدأ اسمها بالحرف الذي بات معروفا لدى الجميع، أن ينسب لها ما يحمل هووحده من غل مرضي، وعاهة فكرية باتت محل تندر وسخرية.
أختم بكلمتين موجزتين: أجهزة استخبارات عربية ومنها الجزائرية، لديها ما يثبت تورط جهاز مخابرات خليجي في عملية اغتيال الشهيد عماد مغنية 2008 ، وبشكل مباشر في تعاون مع العدوالإسرائيلي، إذن ليكن واضحا أن الحرب على حزب الله قبل تدخله في سورية بخمس سنوات، وقبل النغمة الطائفية وكل مفردات الهراء التي يعتمدها اولئكم القوم، وشخصيا اطلعت على ملف استخباراتي حول محاولة اغتيال بائسة للسفير السوري السابق الدكتور بهجت سليمان، انتهت طبعا بالفشل كان متورطا فيها جهاز استخبارات لتلكم الدولة بشكل رئيسي، وكذلك قبل دخول حزب الله على خط مبررات هذه العقول.
أخيرا، إن كان القوم يتحدثون تطاولا باسم الشارع العربي، فلن أدعي ذلك لنفسي، وأكتفي بالحديث عن الجزائر، الشعب الجزائري وتعداده أربعون مليون نسمة، لا يمكن بحال من الأحوال توهم وقوفه مع العدوالإسرائيلي ضد إيران كما يصور بهتانا القوم، بل لن يقف معه ضد أي كان، والعكس هوالأصح وهو القائم على الأرض، الشعب الجزائري شعبا وجيشا وقيادة ونخبا يقف ( وهنا ليست عنتريات ولا مزايدات إنها عقيدة) ويدعم ويساند بدون أدنى تحفظ، كل من يقف في وجه العدوالإسرائيلي بغض النظر عن عرقه ودينه فضلا عن طائفته، وفي المحافل الدولية تقف الجزائر رسميا إلى جانب إيران في حقها المشروع للحصول على الطاقة النووية، ومن يجهل مواقف الجزائر أكانت الرسمية أوالشعبية، فمن الإجرام الحديث باسم الشارع العربي، ولا أقله الحديث باسم الجزائر، وتلطيخ سمعتها وشرفها بالعمالة للعدوالإسرائيلي تحت عنوان طائفي مقيت، وموقف سياسي أقرب للتبعية العمياء منه لقرار سيادي مستقل، فما صفقنا يوما للعدوالإسرائيلي ولن نهز كما يفعل البعض اليوم أردافه، فنحن وبكل فخر رجال عركنا وعركتنا الحرب، وعجينة ثورة أسطورية خالدة، لا يطأطئ أبناؤها رؤوسهم ولا يصفقون لعدوالأمة، ومعاذ الله أن يهزوا له أدبارهم.
فلاح جزائري