نطالب الحكومة بالمضي قدماً في تنفيذ احكام الاعدام وتجاهل الانتقادات الخارجية غير الموضوعية

هدأت الاحاديث العامة عن تنفيذ احكام الاعدام، ولكن الجهات القليلة الرافضة لهذا الاجراء السليم والقديم لم تهدأ، بل ما زالت تحاول جهد طاقتها وضع العصي في دواليبه، خصوصاً وقد اسقط في ايديها بعدما رأت كيف ثمنت الاوساط الشعبية على كافة المستويات قيام الجهات المعنية بتنفيذ حكم الاعدام اواخر شهر كانون الاول الماضي بحق احد عشر مداناً بارتكاب جرائم قتل، ما يعني ان الشارع الاردني بغض النظر عن موقف ذارفي دموع التماسيح الذين يحتطبون في حبال التمويل الاجنبي المشبوه – قد وقف خلف الحكومة وآزرها في هذه الخطوة، آملاً ان تكون ذات مفاعيل رادعة لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على حق الحياة لدى الاخرين، مطمئناً الى ان حياته ستظل مصانة، يحميه السجن الذي يقبع فيه من ايدي طالبي الثأر والانتقام، وتحميه الضغوط الدولية المطالبة بوقف تنفيذ هكذا عقوبة، ملوحة بالمقابل بعقوبات مالية واقتصادية، وضغوطات من كل شكل ولون ضد الدول التي تخرج عن بيت الطاعة، وتعمل على انفاذ العقوبة بحق من ثبت ضلوعهم في ارتكاب الاعتداء على حياة الاخرين، واتخذت احكامهم القضائية الدرجة القطعية، وباتت جرة قلم، وارادة سياسية حرة تفصلهم عن اعواد المشانق.
معروف ان مجلس الوزراء لم ينسب الى الملك منذ العام 2006 بأي من هذه الاحكام التي اصدرتها محكمة الجنايات الكبرى، اي ان الحكومة هي التي جمدت تنفيذ العقوبة طمعاً في ارضاء الخارج الداعي الى الغائها، وتحت ضغوط مراكز في الداخل تأتمر بامر ذلك الخارج الذي يعمل على فرض وجهة نظره وفكره دون ان يقيم وزناً لمعتقداتنا وعاداتنا وثقافتنا وتقاليدنا وظروفنا.
هذا التجميد ادى الى تصاعد عدد الجرائم التي يعاقب عليها القانون بالاعدام، وباعتبار ان ”من امن العقوبة اساء الادب” فقد تصاعدت جرائم القتل العمد، وكانت بحسب احصائية نقلتها تقارير صحفية عن المحامي محمد الصبيحي على النحو التالي :
– بلغ عدد هذه الجرائم عام 2007 نحو 89 جريمة، وقد ارتفعت بنسبة %50 في العام 2012، فبلغت 153 جريمة قتل، وفي العام 2013 بلغت 144 جريمة.
– اما جرائم الشروع في القتل فكانت 324 جريمة في العام ,2007 وارتفعت الى 561 جريمة في العام 2013، في حين ان جرائم الاغتصاب ارتفعت من 109 جرائم عام 2007، الى 155 جريمة في العام 2013.
المحامي الصبيحي اعقب احصائيته بالقول ”ان اسباب ارتفاع الجرائم متعددة، ولكن من خلال مشاهداتنا كرجال قانون في قاعات المحاكم لمسنا ان يقين المجرمين بأن الاردن لا ينفذ عقوبة الاعدام قد ادى الى الاستهتار بالقانون، وخاصة لدى عتاة المجرمين، مؤكداً ”ان المجتمع الذي لا يتعامل مع الانحراف وفق مبدأ العين بالعين والسن بالسن مجتمع معرض للفوضى، ومجتمع يوجه رسالة الى اهالي الضحايا ليأخذوا ثأرهم بأيديهم ”.
في اطار الجدل الذي ولده تنفيذ احكام الاعدام الاخيرة، والذي دفع مسؤولين دوليين اجانب، وموظفين دوليين من ابناء جلدتنا، وسفراء وكبراء، وربما خفراء، الى التنديد بهذا التنفيذ، قال رئيس محكمة التمييز، وزير العدل السابق الدكتور راتب الوزني ”انه ليست كل جريمة قتل عقوبتها الاعدام، فالغالبية العظمى من جرائم القتل لا تفرض فيها عقوبة الاعدام، حيث ان الاعدام يفرض اذا ارتكبت الجريمة مع سبق الاصرار، ويقال له القتل العمد،اي الذي يرتكب من شخص صمم، وأعدّ، ودبّر، وفكر بهدوء، ثم ارتكب الجريمة”.
واوضح الوزني في تصريحات صحفية ”ان عقوبة الاعدام تفرض ايضاً اذا ارتكبت تمهيداً لجناية او تنفيذاً لها، او تسهيلاً لقرار المحرضين على تلك الجريمة، او فاعليها، او المتدخلين فيها، او للحيلولة بينهم وبين العقاب، ومثال ذلك ان يقوم الجاني بقتل صاحب البيت او حارس البنك ليتمكن من السرقة او ان يقتل شخصاً من اجل تمكين المحرضين على القتل او الفاعلين او المتدخلين من الفرار، كذلك تفرض عقوبة الاعدام اذا ارتكب القاتل الجريمة على احد اصوله، اي الاعتداء على والده او والدته او جده او جدته، او اذا تم اغتصاب انثى او هتك عرض ولد ثم قام الجاني بقتل الانثى او الولد من اجل الحيلولة دون معرفته وعقابه.
وبحسب الوزني فان هذه الجرائم المعاقب عليها بالاعدام لا تمثل اكثر من %20 من جرائم القتل، بينما يظن كثير من الناس خطأ ان جميع انواع جرائم القتل يفرض القانون فيها عقوبة الاعدام، بينما جرائم القتل الاخرى، مثل القتل اثناء مشاجرة، او بسبب استفزاز المجني عليه للجاني، او ارتكاب القتل فور الاستفزاز وغيرها من جرائم القتل التي ترتكب بدون سبق اصرار لا تفرض فيها عقوبة الاعدام.
مؤيدو عقوبة الاعدام يرون ان الهدف منها ردع الآخرين عن ارتكاب جريمة القتل، حتى لا تنفذ فيهم عقوبة الاعدام، واشباع غضب والم ذوي الجاني وتهدئة نفوسهم ومنع حصول ثأر، وذلك باعدام الجاني مقابل ارتكابه جريمة القتل، علاوة على احداث الالم لدى الجاني خلال فترة انتظاره عقوبة الاعدام وايلام الجاني بنفس الالم الذي سببه للضحية، وارضاء المجتمع والدولة بايقاع الاعدام بمن يعتدي تعدياً كبيراً على قوانين الدولة وعلى السلم الاهلي للمجتمع.
ورداً على رهط المتباكين على انفاذ عقوبة الاعدام بحق من ادينوا بجرائم تستوجب ذلك يرى العميد السابق لكلية الشريعة في الجامعة الاردنية الدكتور امين القضاة ان الاسلام شرع عقوبة القصاص ”الاعدام” لتكون عقوبة ليست بحق القاتل فقط، وانما هي اجراء وقائي لتنبيه من تسوّل له نفسه بالقتل ان يعلم ان هناك ردعاً وحدوداً يجب ان يلتزم بها ولا يخالفها كما امر الشرع.
وبين القضاة في تصريح صحفي ان الرسالات السماوية الثلاث تضمنت تشريعات واحكاماً حددت بموجبها العقوبات المترتبة على من اقترف جرماً، او ارتكب جناية، مشيراً الى ان عقوبة الاعدام تستمد مشروعيتها من نصوص شرعية اعتبرتها من اعظم الكبائر، مبيناً ان كل من تسوّل له نفسه الاستخفاف بحياة البشر وازهاق ارواحهم عمداً وظلماً فلا بد ان يرتقب العقوبة الرادعة الزاجرة التي لا تبرر جريمته، ومؤكداً ان الاسلام يرى ان تشديد العقوبة امر ضروري للحفاظ على السلامة المجتمعية، وبتراً لكل يد آثمة مستهترة تعبث بالمجتمع قتلاً وفساداً وانحرافاً.
ورغم نعيق العديد من الدبلوماسيين وزعيق الجهات ”الحقوقية” ومن لف لفهم وتهافت على فتاتهم، فقد اظهر استطلاع اجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية ان الغالبية العظمى من المواطنين مع تفعيل عقوبة الاعدام حيث بين الاستطلاع ان %81 من مستجيبي العينة الوطنية، و%80 من مستجيبي عينة قادة الرأي يؤيدون تنفيذ عقوبة الاعدام، فيما يعارضها %17 من مستجيبي العينة الوطنية، و81% من عينة قادة الرأي.
وبرر المستجيبون الذين عارضوا تنفيذ عقوبة الاعدام مواقفهم باسباب واهية، فقد افاد %28 من مستجيبي العينة الوطنية، و%18 من قادة الرأي بأن السبب الرئيسي لرفضهم حكم الاعدام هو ”ان الاعدام امر غير انساني والحياة والموت بيد الله”، فيما افاد %22 من مستجيبي العينة الوطنية و%12 من عينة قادة الرأي بأن سبب رفضهم هو الخوف من ان يكون بعض المحكومين بالاعدام ابرياء، كما افاد %20 من مستجيبي العينة الوطنية، و%21 من عينة قادة الرأي باعطاء فرصة ثانية للمحكومين بالاعدام (!!).
نتائج هذا الاستطلاع، ورصد ردود الفعل تفيد بأن الغالبية الساحقة من الاردنيين تؤيد خطوة الحكومة في استئناف تنفيذ عقوبة الاعدام، بعد تجميد استمر لمدة ثمان سنوات، ارتفعت خلالها نسبة جرائم القتل، وما صاحب بعضها من بشاعات، منها انتهاك الاعراض والسطو المسلح، والكثير من مظاهر الاستهتار بحرمة المجتمع وامنه.
في هذا السياق استشف المراقبون حزمة من الحقائق التي حثوا على وجوب قراءتها قراءة معمقة منها ان الجماهير الشعبية تؤيد القرارات الصائبة وتلتف حولها حتى وان كانت قاسية، وبالتالي فهي توفر لهذه القرارات الحاضنة الشعبية التي تعطيها القوة والقدرة على مواجهة الضغوط مهما كان مصدرها، وان المواطنين يقدمون الامن على سائر ضروراتهم واولوياتهم الاخرى، ولديهم الاستعداد في سبيل الحفاظ على الامن تحمل الكثير من الصعاب.
اضافة لما تقدم فان عملية التنفيذ كشفت حجم البون الشاسع بين رغبة وارادة المجتمع وقيمه واحتياجاته، وبين ما تريد فرضه اقلية قليلة من زبائن مراكز التمويل الاجنبي، على المجتمع من قيم ومفاهيم تتنافى مع قيمه ومفاهيمه، مستقوية على الدولة والمجتمع بالمال والنفوذ الخارجي في ابشع صورة من صور استقواء الاقلية على الاكثرية، وابشع عملية من عمليات سلب ارادة المجتمع وتشويه هويته، الامر الذي يجب التصدي له بحزم لانه يمثل عدواناً على المجتمع في اهم مكوناته، وهي منظومة القيم والمفاهيم والمعتقدات، ومن ثم الهوية والسيادة الوطنية، ذلك ان استقواء البعض بالمنظمات الدولية لفرض مفاهيم وتشريعات تتناقض مع السيادة الوطنية مثلما تتناقض مع الاعراف والتقاليد، يمثل خروجاً على القانون، واعتداء على السيادة الوطنية وقرارها المستقل وحريتها في التشريع.
خلاصة القول : ان تنفيذ حكم الاعدام ليس غاية في حد ذاته، لكنه رادع حين تنفلت عرى النظام العام، وتتراخى قبضة الدولة عن اليد الملوثة بالدم، وان من حق الاردن ان يمارس تطبيق قوانينه، وان يراعي تقاليده، ويحترم تشريعاته، وان ينفذ قرارات محاكمه خدمة لمصالح شعبه وامنه واستقراره الذي يحتاج الى الحزم في كل مجالات حياته، وبناء على ذلك لا يجوز ان تترك الانتقادات الخارجية غير الموضوعية تأثيراً على اصحاب القرار، ليتراجعوا عن قرار لاقى استحسان اغلبية الاردنيين وصب في مصلحة الدولة والناس !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى