الذكرى الـــ96 لميلاد الزعيم جمال عبد الناصر
بقلم : عبد الهادي الراجح

لن يضاف اي جديد لكل ما قيل عن الزعيم جمال عبد الناصر وعصره الذهبي وشخصيته الفذة ومجيئه في ليلة كانت سماء الأمة ملبدة بالغيوم السوداء، وكان الاستعمار القديم يسيطر على كل المنطقة، وفي قلبها وطننا العربي الكبير.
لقد قيل الكثير وبما لا يتسع ذكره عن جمال عبد الناصر في جميع أنحاء العالم ، وأريقت بحار من الحبر في وصف مزاياه الإنسانية والثورية، كل جهة انطلاقا من مصالحها سواء كانت دولاً أو حتى أشخاصاً، ولكن المشترك بين كل الكتابات أن جمال عبد الناصر كان أحد ابرز صناع القرن العشرين واحد المؤثرين جدا في القرن الواحد والعشرين، وهو يؤكد ما قاله كل أحرار الأمة والعالم بأن الناصرية بعد رحيل صاحبها وجدت لتبقى كونها أصبحت من أهم الأسلحة للمحافظة على الأمة وكيانها وتراثها سواء بالقوة الناعمة أو بافراز المناضلين حيث يقتبسون من التجربة الناصرية بايجابياتها التي لا ينكرها منصف وتحاشي سلبياتها كأي تجربة إنسانية غنية .
جمال عبد الناصر الذي نحتفل اليوم بذكرى ميلاده الــ69 في ظروف صعبة ولحظات مصيرية في حياة الأمة في مطلع هذا العام الجديد 2015 الذي وصفه الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل بعام الحقيقة أي العام الذي يجب على الأمة إثبات وجودها أو الخروج من التاريخ والجغرافيا معا حيث تعاني هذه الأمة من محنتها الممتدة منذ انقلاب السادات الرجعي في 15 أيار/ مايو عام 1971م ، ومن المفارقات التي لم تكن من صنع الصدف أن يتوافق ذلك التاريخ المشؤوم مع ذكرى النكبة وأمتنا العربية على رأسها مصر تعيش الثورة المضادة بكل ما معنى الكلمة وزادت أكثر وكشفت عن وجهها القبيح بعد حرب أكتوبر المغدورة .
ذكرى ميلاد عبد الناصر ليست مجرد روتين شأن أعياد استقلال الكثير من الأقطار العربية، ولكنها ذكرى تأمل، ووقفة، ومحاولة للاستفادة من أعظم التجارب الثورية والإنسانية في تاريخ أمتنا المجيدة لمواصلة النضال والكفاح ، واثبات وجودنا كأمة على وجه هذا الكوكب أو الخروج من الجغرافيا والتاريخ معا لا سمح الله .
إن الحكم الموضوعي على أي تجربة عظيمة بحجم تجربة جمال عبد الناصر لا يكون بمنظار عام 2015م ، في القرن الواحد والعشرين مع تشابه الظروف بعودة الاستعمار الكونيالي المباشر ليس في فلسطين وحدها كما كان ولكن إضافة إليها العراق وليبيا وتقسيم السودان نتيجة ممارسات وسياسات النظام الذي يقوده عمر البشير، ولكن الحكم التاريخي على تجربة بحجم تجربة جمال عبد الناصر حسب مرحلته وعصره وليس كما يفعل مرتزقة البترودولار من بعض المتشدقين بالثقافة والعصرنة، حيث أصبحوا أقلاماً مأجورة لمن يدفع، وخناجر للخيانة والعار كزرع ثقافة الهزيمة، وتكريس الفساد والاستبداد لتبقى الأمة الميت الحي بمحاولة تشكيكها حتى بأعظم رموزها .
ولكن وعي أمتنا وثقافة المقاومة التي هي جزء من ثقافة الأمة الكامنة في النفوس لكل الأحرار هو ما دعا أحرار الأمة للقيام بثورة 25 يناير التي أسقطت نظام السادات – مبارك وكانت كل شعاراتها ناصرية بامتياز وهو ما أذهل كل المحللين في العالم ، وحين سرقت الثورة من التيار المتأسلم جاءت ثورة التصحيح الحقيقية في 30 يونيو/حزيران التي قادها المشير عبد الفتاح السيسي وهو زعيم امتلك شجاعة القرار لانقاذ مصر من حرب أهلية كانت على الأبواب، وكانت شعارات الثورة التصحيحية أكثر ناصرية من سابقاتها، مما جعل الكثير من الصحافة تقول في عناوينها الرئيسية عودة الناصرية للشارع المصري، وهي في الحقيقة لم تغادر الشارع حتى تعود إليه ، كل ما في الأمر ان مصر عادت لذاتها رغم وجود بعض المرتزقة بالبترودولار والشيكل والريال ، أولئك الذين يحاولون إعطاء براءة ذمة للسادات ، ولكن هؤلاء يتناقضون مع أنفسهم وقد اثبت التاريخ بما لا يقبل الجدال ان السادات هو الخائن الأكبر ، وان جمال عبد الناصر هو الثائر الأعظم .
في ذكرى ميلاد ناصر نتذكر عصره الذهبي وكفاحه ونظامه ومقدرته على تحريك الشارع العربي حتى تمكن من إجلاء الاستعمار ورفع رايات الحرية والاستقلال في كل قطر عربي ، وساهم في دعم الحركات الثورية في القارات الثلاثة الأمر الذي جعل الكثير من قادة العالم في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا ينظرون إليه كثائر أممي كطراز خاص من الأحرار.
شخصية عبد الناصر وعقليته الثورية هي التي دفعت قامة كبيرة بوزن هوغو شافيز ليقول أمام العالم أجمع بأنه ناصري حتى العظم ، وجعلت نلسون مانديلا يقول عندما وصل القاهرة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، بأنه قد تأخر أي -مانديلا – عن لقائه مع عبد الناصر أكثر مــن 82 عاما، وان يقول جيفارا العظيم ويشاركه بالرأي رفيقه فيدل كاسترو أن جمال عبد الناصر كان ملهما لهم في ثورتهم الكوبية عام 1959م. ولا نبالغ اذا قلنا ان أصدقاء ومحبي عبد الناصر هم خيرة مناضلي الكون وثوار العالم ما يتطلب كتابة مجلدات لذكرهم جميعا .
وفي ذكرى ميلاده نؤكد أننا سنبقى أمناء على عهدنا بالسير في طريقه ، وأن فجر الحرية والاستقلال والكرامة الذي بشر به جمال عبد الناصر سيأتي لا محالة، وراية الكفاح والنضال التي رفعها ستبقى خالدة حتى يتحقق للأمة ما تصبو إليه من الحرية والوحدة والاشتراكية.
رحم الله الزعيم جمال عبد الناصر يوم ولد ويوم استشهد وهو يوحد صفوف الأمة ويوم يبعث حيا ، فقد كان وسيبقى تجربة إنسانية خالدة خلود الأهرامات والنيل ودجلة والفرات، ولا نامت أعين الجبناء .