نجد أنفسنا في بداية العام الجديد وبإيعازات وضغوط مما يجري في الوطن العربي نحذّر من كل هذا الذي يحدث وهو كثير ومؤلم وضاغط وملفت للنظر ومحير للعقل، ويحتاج إلى ثقافة إدراك حقيقية تتمعن فيه وتستجليه وتنتقل فيه من التوصيف والتشخيص إلى البحث عن مخارج عاجلة وحلول ناجزة، وطرح مبادرات وطنية داخل الأقطار، وقومية على صعيد الأمة يمكن أن تكون بمثابة نقاط بداية ومرتكزات للتفكير بأحوال الأمة والشروع في إشتقاق أفكار عملية وواقعية، جزئية وكليّة للبدء في وقف التراجع وترتيب العقل الوطني والقومي نحو مجمل القضايا وفقا لأولوياتها وضغوطها وأخطارها وأهوالها .
قائمة طويلة من المشكلات والأخطار التي أصبحت في اللحظة الراهنة تطال الوجود العربي ذاته وتهدد كيانيته، وتطال كل ما انطوت عليه الأمة من أفكار ومشاريع للنهضة وأحلام في الوحدة، وتطلعات الى المستقبل، وركام هائل من الخراب والتخريب الذي يعيد إلى الحقب القروسطية وما قبل الدولة والبدائية السياسية والتوحش، واكتئاب قومي يطال النفوس الحائرة المبتورة ويعجزها عن امتلاك الادراك الواضح والصحيح .
ولذا أصبح التحذير واجبا فكرياً – سياسياً قومياً يستدعي ويرتبط بسؤال مفتاحي عما يمكن عمله إزاء ما يجري على طول وعرض الوطن العربي، وخصوصاً بعد أن لاحظنا وأدركنا بأن هذا الاقتتال والتذرير والاستنزاف والتبديد والانتهاك نمارسه نحن وبأدوات عربية تحت عناوين طائشة وأفكار شاردة ولغايات سياسية ابتذالية، وليس قتالا مع عدو خارجي أو محتل للبلاد ( على الرغم مما لهؤلاء من أياد فيما يجري ) فالسلطة والمعارضة في واقعها الراهن وفي تنازعها الصراعي التناحري تقتل الوطن في النهاية لكي لا يبقى للأفرقاء سوى الرايات بلا أوطان، مما يعني أن السؤال يجب أن يدور بيننا وينهض في عقلنا رسمياً وشعبياً ونخبويا، ويجب أن نتأمله ونتعقله بأدواتنا الفكرية، وأجهزة مفاهيمنا الذاتيه، ذلك أن اشتغاله وانبثاقه وانبناءه مرتبط بنا أولاً وهو قضيتنا التي لا يسأل عنها أحد غيرنا والجواب عليه هو أحد واجباتنا الوطنية والقومية الراهنة والملحة التي يجب أن ننخرط فيها جميعا من أجل استجلاء حقيقتها وطريقة تجاوزها .
الذي يجري هو تحديات قومية كبرى أكثر مما هو نزاعات وسوء تفاهمات عرضية وطارئة أو اقتتالات مرحلية ستؤول إلى هدوء وانتظام في وقت قريب، وهي في مآلاتها تحولات واضطرابات وتناقضات أصبحت تنذر بتغييرات كارثية بعد أن يتم تحويل الدول الى دويلات وكانتونات، والقوميات إلى أصوليات وطوائف، والشعوب الى ملل ونحل وينعدم منطق الأمة الواحدة، ويستباح التاريخ والجغرافيا ويصبح موطنا لاستدخالات كيانية طارئة ومنازعات أبدية على الأرض والوجود والهوية .
إننا إذن لا نتحدث عن أمور عابرة ومرحلية سوف تفضي إلى نهايات طبيعية وإنما نتحدث عن كوارث ستطال الوجود والحاضر والمستقبل العربي وسوف تكون مؤشرات هامة على ابتداء زوال أمة وانقراضها وانعدام وجودها ومعناها التاريخي، وإدخالها في مدارات جديدة من التذرر والتبدد والانقسام والاستباحة وفقدان الهيبة.
لا أحد يملك حلولا سحرية بالطبع في المرحلة العصيبة الراهنة لمثل هذا اللون من الأزمات الكارثية الشاخصة في بلاد العرب، ولكن كل قطر عربي وقواه الحية والفاعلة يستطيع أن يتأمل مشكلاته بطريقة وطنية جديدة وصادقة مرتبطة بتحديات الوجود والمستقبل وتحدياته، ومن خلال الاجابة على سؤال إلى أين نمضي بهذه الأوطان بالتنازع والاقتتال والتوحش، وسوف يجد الوطني والقومي واليساري والاسلامي والليبرالي حقيقة ووجاهة في طرح هذا السؤال واستنطاق الحال في ذاته وفي أطر تفاعلاته وبناء مواقفه، وسوف تظهر لابد إجابات ترتبط بمضمون ومستوى الوعي بهذه العناوين التي يلصقها كل طرف بقضيته التي يقاتل الآن بوحشية عنها وعن أوهامها.
والأمر لا يتعلق هنا بالأماني والتأملات، بقدر ما يرتبط بالوعي بكارثة الحاضر العربي وما يمكن أن يترتب عليها من مصائر قد لا تكون في مصلحة أحد، أو أنها تكون تلبية صريحة لأمنية صهيونية ثابتة بأن تصبح الأمة العربية دويلات ويصبح الكيان الصهيوني مركزا لإدارة هذه الدويلات .
ولا يمكن لأحد أن يتصور أن هناك من يعمل قصدا وعمدا لتلبية هذا النداء الصهيوني وتحقيق هذه الأمنية الصهيونية العتيقة – الحديثة بوازع فكري مسبق ومدبّر ومخبوء، إلا أنه يبقى هناك التخوف من عدم إدراك البعض بأن ما يقوم به من اقتتالات وصراعات داخل الوطن العربي يخلق المناخات المناسبة لتسويد الرؤية الصهيونية وتحقيق أمانيها، وهي من التخوفات الكبرى التي نضيفها إلى كل ما يحدث داخل الوطن العربي ونضعها دائما برسم القوى الحية ، وكل القوى التي تتقاتل وتمزق أوطانها وتضعفها من أجل تحقيق برامج سوف تكون ضد الأمة بالقطع والتمام ولصالح الصهيونية والقوى الاستعمارية .
في ذكرى رحيله الـ ٥٣ .. قراءة في حيثيات “العروة الوثقى” بين عبد الناصر وجماهير الشعب العربي
بعض الناس يشبهون الوطن، إن غابوا عنا شعرنا بالغربة (نجيب مح... إقرأ المقال