خواطر عربية في الذكرى الثامنة لاستشهاد القائد صدام

عقدت الأمة العربية آمالا سياسية قومية كبيرة على المقاومة العراقية الباسلة التي انطلقت في العراق بعد الغزو عام 2003 ، لكي تكون مثالا في المقاومة المعبرة عن والمرتبطة بالمشروع القومي الكبير من أجل الاستنهاض ورفض الاستنقاع  وتكريس التحدي على صعيد العراق والأمة العربية ، وتجاوز حالة التردي الطامّة .

وقد انتبهت أطراف كثيرة في الوطن العربي إلى رمزية ونموذجية المقاومة العراقية وإنجازها ، وأصبحت تتمعن في معطياتها ومعانيها وتدرجها في عمليات تأسيس بدايات وطنية – قومية ، ومراجعات فكرية – سياسية  وإعادات نظر واسعة للموقف من الحكم الوطني وتجربة العراق ومشروعه القومي ، وخصوصا عندما تحول بمنطق ثوري قومي متعالِ من  نظام حكم استمر لأكثر من خمسة وثلاثين عاما  الى حركة مقاومة مباشرة وسريعة للاحتلال الأمريكي ، كما أصبحت الأمة تتطلع إليه وتبني عليه بشكل ايجابي رؤيتها الجديدة في تصور القوة والممكنات المفترضة والكامنة في الأمة اذا ما أجمعت على خيار المقاومة طريقا للتحدي ومواجهة المشروع الاستعماري .

ومما لاشك فيه أن قسطاً كبيراً من التداعيات والاستبصارات القومية النوعية التي بدأت تتململ في أوساط الشعب العربي في معظم أقطاره وتحديدا في الأربعة أعوام الأخيرة  وانطلاق الاحتجاجات الشعبية العارمة  ضد أولئك الذين تآمروا على الأمة والعراق وتركوه وحيدا فريسة لكل قوى الشر في العالم ، هو ما أشعل وأثار سؤالا ( لماذا يترك العراق وحيداً ؟ ولماذا يعدم قائده الذي كان يبني ويؤسس لمستقبل قومي ويتحدّى أعداء الأمة في الداخل والخارج ويقرأ الفاتحة على أرواح شهداء فلسطين ويدعم بطولاتهم ضد العدو الصهيوني ، ولماذا يعدم بهذه الطريقة البشعة الاستفزازية يوم عيد الأضحى وهو من أطلق أول نداء للمقاومة في العراق بعد الغزو مباشرة وضحى بالأهل والولد والحكم ليكون رمزا للعربي المقاوم الأبي الذي يرفض الخنوع والانقياد ؟ )   كما إستنهض حراكا إنطلق بعد السؤال المدبّب وبدأ يتحدى الأنظمة المتآمرة على الأمة ويسقطها الواحد تلو الآخر في حركة سريعة كادت أن تتحول إلى حدث قومي عربي- عالمي نموذجي لولا أن تكالبت قوى كثيرة لإحباط هذا المسعى القومي الواعد الذي كان للمقاومة في العراق وبطولاتها ومعانيها دورا كبيرا في الايحاء به والدفع باتجاهه لتجاوز حالة التردي التي أحاقت بالأمة العربية وأدخلتها في سبات ارتدادي طويل .

لقد كان هذا المعنى القومي في النهوض والاستنهاض والتحدي هو قمة ما أراده الشهيد صدام المجيد وسعى إليه ، بأن يكون تحديه للقوى الاستعمارية وإعدامه  إطلاقا لسؤال وحالة وحقيقة داخل عقل الأمة ، ولكي يؤكد بأن الأجساد والزعامات تفنى ولا يبقى إلا ما تتركه من أثر ومعنى وإيحاءات ، وكيف اذا كان المعنى تجميع أبناء الأمة على خيار التحدي والمقاومة في أدق لحظة من لحظات وجودها وتحدياتها ، وكانت تلك فعلاً وواقعاً لحظة تراجيدية ملحمية في التاريخ العربي أرادت أن تزحزح هذا التاريخ الراكد الى حالة جديدة من الحراك والاشتغال والإنبناء ، وأن تسقط كل الادعاءات القائلة بأن هذه الأمة محكومة بالعجز والاستعصاء والهوان ، وكان تغيير هذه الصورة هو الجانب والمعنى الرمزي الآخر لعملية البطولة في الاستشهاد الوضّاء المبتسم والمكتظّ بالمعاني الكبيرة .

اننا إذن في إستذكار وإستحضار الشهيد المجيد صدام حسين لا نستذكر رجلاً عادياً  ، ولا نقيم موالد قومية احتفالية وافتخارية طقوسية في ذكراه ، وإنما نستذكر نموذجا قوميا رائدا أراد من خلال تحديه أن يكون عنوانا محفزا ودافعا الى المزيد من التحدي والمقاومة ، وكنا قد تتبعنا ولاحظنا زخم المقاومة العراقية الذي تضاعف بعد استشهاده ثأرا له وتمجيدا لمأثرته البطولية ، إذ كان صدام المجيد حادي الركب ورمز البطولة الذي رأت فيه المقاومة الباسلة صورتها ورمزها وعنوانها ، فاندفعت الى آخر مدى في إعادة إنتاج بطولته وتضحياته في معركتها المتواصلة التي تتوجت بهزيمة المشروع الاستعماري في العراق .

نستذكر في مسيرة الشهيد المجيد الملحمية الدرس والإيمان العميق بفكرة البعث والانبعاث   والجسارة وقوة القلب الفائضة ، ونقرأ المعاني المتزاحمة في صفحات تاريخه وجهاده وتضحياته ، ونواصل القراءة في هذه البطولة الكامنة المضمرة فيه وفي رفاقه الأبرار سواء من استشهد منهم ومن بقي في الأسر وكلّ أولئك الذين ضحوا وقدموا الكثير لا من أجل بناء نظام حكم تقليدي واستمراره ، وإنما من أجل نهضة العراق ونهضة الأمة ، ولذا تضعهم الأمة دائماً في ثنايا الصدور وحدقات العيون ، وبقيت وستبقى تستذكرهم مادام في الأمة عرق نابض بعروبتها وأصالتها وحتمية انتصارها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى