لأنه يزرع شجرة زيتون

حتى قبل أن يحل الكنيست الصهيوني نفسه، ويحدد موعدا للانتخابات المبكرة في الكيان الصهيوني، هو اليوم السابع عشر من الشهر الثالث من عامنا المقترب، كانت حمى التحضير لهذا الاستحقاق كاحتمال كان مرجحاً قد سبقت. والآن، وأما وقد تم الحل وتحدد الموعد، فقد بات ما من صوت في الكيان يعلو على قرع طبول الحملات الانتخابية. كما وبلا انتظار لنتائجها، لا من شيء يشغل تلاوين المستوى السياسي اكثر من الانخراط في بازار المزايدات والمقايضات لحوك الائتلافات المحتملة سعياً للفوز بقصبة تشكيل الحكومة التالية لتشكيل الكنيست. لسنا هنا بصدد البحث في جنس هذه الحكومة، أو لون هذا الكنيست الذي سوف يلي انتخابه عملية تشكيلها. شاكلته وشكلها ليستا مما يصعب توقعه على أحد، فالسباق في حلبة هذا الاستحقاق هو بين الغلاة والمتطرفين، والكنيست القادم لن يكون إلا ساحةً لهذين الصنفين السائدين، مع ديكوراته الهامشية المطلوبة، ممن تصنَّف بالأقل تطرفاً، و تلك التي تدعى باليسارية، أما الحكومة القادمة، فإن لم يشكِّلها نتنياهو، وهذا هو المرجَّح، فلن يفعله من هو الأقل سوءاً منه، ذلك أن إنتخاباتهم إن غيَّرت حكوماتهم فلن تغيِّر سياساتهم.

من ألان وحتى الإنتخابات اصبحت حكومة نتنياهو مجرد حكومة تصريف اعمال، هذا يعني أنه لامن قرارات حكومية ستتخذ، أو هى باتت في حكم المعلَّقة حتى حينه…باستثناء ثابتين لايتوقفان ولا من تعليق لهما: قمع الفلسطينيين والتفن في ابتداع المستجد من ضروب التضييق على الوجود الفلسطيني باشكاله المادية والمعنوية، ومواصلة التهويد وسلب ما تبقى من الإرض الفلسطينية. الأول، يعد فعلاً يومياً تشهده القدس المنتفضة وتكابده سائر مدن وقرى الضفة، ومثاله الصارخ بلوغه حد اغتيال الوزير في السلطة الشهيد زياد ابوعين، المناضل والأسير السابق، الذي قضى في السجون الأميركية والصهيونية ثلاثة عشر عاماً، وكان المحكوم بالمؤبد واطلق سراحه ابان صفقة تبادل للأسرى…اغتياله ضرباً وبأعقاب البنادق ابان مشاركته في مظاهرة ضد سلب اراضي قرية ترمسعيَّا وقيامة بزراعة شجرة زيتون في ارضها المسروقة… ومواصلة ابشع انواع الحصار الإبادي على غزة، بوجهيه الصهيوني والعربي، والذي تصفه منظمة العفو الدولية ب”العقاب الجماعي”، والمستمر بعد حربهم العدوانية الأخيرة عليها، وتصف المنظمة ذاتها ما ارتكبوه خلالها بأنه “يرقى الى جرائم الحرب”…وحتى قبل حل الكنيست، لم يعد احد يتحدث عن مصير المفاوضات غير المباشرة المفترضة لفك الحصار عنها، وفقاً لاتفاق وقف اطلاق النارالذي اوقف الحرب، بعد أن اعلن الوسيط المصري تأجيلها الى اجل غير مسمى، كما لم تعد مسالة اعادة اعمارها اولوية لدى ما تدعى دجلاً “حكومة الوفاق الوطني” لسلطة أوسلو، التي لازالت تمنع الرواتب عن موظفيها، وتتلكأ في اعادة اعمارها، وآخر ما يشغلها هو العمل على فك الحصار عنها، حتى استحقت بجدارة ان توصف ب”حكومة حصار غزة والتخلي عن القدس”!

وفي التهويد، هناك ما يسرَّب عن قرارات تهويدية جديدة تشتمل على مصادرة المزيد من المساحات المحيطة بالمستعمرات في الضفة وضمها اليها، لاسيما في الأغوار وتلك القريبة الى مايسمى بالخط الأخضر… الى جانب هدم قرية العراقيب في النقب المحتل في العام 1948، وللمرة التاسعة والسبعين، مع مستوجب الإشارة إلى أن اهلها المرابطين على انقاضها قد شرعوا في إعادة بنائها للمرة الثمانين فور هدمها، رافعين شعارهم: “نبني فيهدمون، ويهدمون لنبني”، ومما يجدر ذكره أن هناك مايزيد على الأربعين قرية فلسطينية نقبية يصنفها الصهاينة الغزاة بأنها غير شرعية، وبالتالي هي تحت طائلة الهدم بغية تهجير سكانها وسلب أرضها، وفقاً لمخطط تجميعهم القسري في ثلاث تجمعات أو غيتوات رغماً عنهم.

…من المراد له أن يكون على رأس المعلَّق إلى ما بعد انتخابات الكينيست الصهيوني القادم هو حملة العلاقات العامة الأوسلوية الساعية لتدويل الاعتراف الرمزي بالدولة الفلسطينية الافتراضية، والذي على اهميته الرمزية ليس له من مردود عملي على الأرض، ثم أنه   بالنسبة للأوسلويين ليس اكثر من هدف تكتيكي محض من شأنه أن يفضي الى قرار دولي يسهِّل عليهم ويحسِّن لهم شروط العودة لطاولة المفاوضات إياها، وفي سياق المراهنة ذاتها على الراعي الأميركي ذاته… هذا هو ما تشي به الضغوط المنثالة عليهم الآن لثنيهم عن التوجه للأمم المتحدة والتوقيع على المعاهدات الدولية، وتؤكده ثلاث: مشروع القرار البريطاني الفرنسي الألماني، الذي يحدد مهلة سنتي تفاوض وليسا لقيام الدولة، وارجاء البرلمان الأوروبي لتصويته المزمع على الاعتراف بالدولة الفلسطينية الى مابعد الانتخابات الصهيونية، واللقاء المزمع بين نتنياهو وكيري في ايطاليا لبحث سبل احتواء هذا التوجه.

إثر جريمة اغتيال الشهيد زياد ابوعين اشيع، ولم يعلن رسمياً، أن السلطة قد اوقفت التنسيق الأمني، فاستبشر من استبشر في الساحة الفلسطينية بنقطة تحوَّل أمل أن يكون لها مابعدها، بيد أن الصهاينة سارعوا لنفي علمهم، ليتضائل ما اشيع فيرسوا على تدارس للأمر، ثم ليقال إنه خطوة من خطوات متدرجة قد يعلن عنها لاحقاً…عذر المستبشرين نسيانهم أن انهاء التنسيق الأمني يعني نهاية السلطة لأنها بالنسبة للصاينة لا تعني سواه، ثم غفلتهم عن أن كل ماجرى في غزة، وما يجري الآن في القدس، لم يدفعها لانهاء “مُقدَّسها” التليد، فهل في اغتيال وزير من وزرائها ما سيدفعها لإنهائه؟؟!!

…لكن هل من عذر لمن سينسى أن شهيد ترمسعيَّا اغتيل لأنه كان يزرع في ارضها المسروقة شجرة زيتون.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى