ثقافة الكذب !!

بقلم : اسماعيل أبو البندوره

ثقافة الكذب هو عنوان كتاب للكاتبة الكرواتية ” دوبرافكا أوجريشيتش” تناولت فيه الأحوال السياسية والثقافية السائدة في دول أوروبا الشرقية الشمولية ، أو دول المنظومة الاشتراكية سابقا ، ودول يوغسلافيا السابقة تحديدا ، وتعرضت الى كل أشكال التلفيق والتدليس والتلبيس التي أصبحت نسقا جديدا من أنساق السياسة والثقافة المتداولة في تلك البلاد .

وفي الكتاب ايماءات وايحاءات تكاذبية وكلبية في أحيان كثيره يمكن توظيفها لفهم حال الكثير من الدول والشعوب والمؤسسات القائمة ، ذلك أنها تتناول أنماطا من الثقافات والعلاقات التي تقوم على المخاتلة والتدليس من أجل الدفاع عن المكاسب والمصالح الأنانية المحدودة ، والترويج للحالة البئيسة على أنها حالة عابرة وانتقالية ، أو أن متطلبات الوجود أصبحت تتطلب مثل هذا اللون من التهافت الثقافي والسياسي المدمّر .

كثيرا ما نشهد الآن ونقرأ “أن هذه الدولة أو تلك تحادثتا بايجابية وتوصلتا الى تطابق في الآراء”  بعد أن كادت العلاقات تصل بينهما الى حد الحرب والاقتتال قبل فترة قصيرة ، أو ” أن الخلاف أصبح وراء ظهورنا ” مع أن الخلاف لا يزال في الصدور ” وأن الخلاف لايفسد للود قضية ” بعد أن أفسد الكثير وكاد أن يعطب كل شيء .

وهذه ألوان من بدع ومصطلحات ثقافة الكذب السائدة والتي أصبحت تستدعي التحليل والنقد والاعتراض والتأمل ، ذلك أن جزءا من فوضى العالم الراهن تتأتى من هذه البدع التكاذبية والضلالات السياسية وفيها يتبدى واضحا جلّ اللامفكر به ، أو المستحيل التفكير فيه ، أو المسكوت عنه اللائذ في ثنايا الكلام التدليسي وثقافة التلفيق والمخاتلة .

وكلنا يعلم أن الكثير من العلاقات السائدة بين الدول وخصوصا بين دولنا العربية وأنظمتنا السياسية تقوم على هواجس ونظرات ورؤى وسواسية وفي معظم الأحيان تكاذبية ولذلك تبقى العلاقات في دائرة التحول الانهياري والارتدادي ، وانتظار الانفجار في ظل غياب الصدق والشفافية وحسن الاستبصار والتدبير ، ولذا يأتي الكذب وثقافته التحريفية ليكون النمط السائد في التداول والتبادل وتنعدم المعاني ، وتضيع الحقيقة والمصلحة في دهاليز وعتمات هذا الانحسار وهذا النمط من الثقافة النكوصية التدميرية .

تصوروا لو أن الكل يتحدث مع الكل بعيدا عن التكاذب والتدليس والتلفيق !  وتصوروا لو يعود هؤلاء الناس والقادة والساسة ممن أصبحوا يعاقرون الكذب والتدليس الى فطرتهم الانسانية الأصيلة بقول الحق واظهار الحقائق ووضع الأمور أمام العقل باحتراس واحترام ! لو حدث ذلك يوما “وهذا على كل حال من الأفكار الرغبية والأماني” فاننا لابد سنخطو الخطوة الأولى نحو تأسيس فضاء انساني وحضاري وقومي ودولي جديد ، وسوف نكون حتما في دائرة انسانيتنا وبحثنا الدائم عن البيت والمعاش المشترك ، وسوف نكون في حالة شفافية ، وعلنية ، ومصارحة ، واعادة بناء ، ولكن ليس على طريقة غورباتشوف وما فعله اكراهيا في بلاد تعودت على الانغلاق وفرض الآراء والشمولية والأحادية والجمود العقائدي ، ذلك أن ثقافة التلفيق تشابه وتتغذى من ثقافة الكذب وتنتسب اليها في الكثير من المواضع .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى