المنظمات الإسلامية بأوروبا تبحث سبل ترشيد الخطاب الديني وتجديده
نظّم قسم الدعوة والتعريف بالإسلام، في اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ندوة “الخطاب الديني في أوروبا”، في باريس يومي 22 و23 تشرين ثاني الجاري، تحدث فيها عدد من الأساتذة الذين تناولوا موضوعها في محاور متعددة، كما ساهم في أعمالها بالحوار والنقاش خمسون مشاركاً ومشاركة من أنحاء القارّة الأوروبية.
وقد استهلّ منسِّق الندوة الدكتور علي أبو شويمة بطرح بعض التساؤلات عن واقع الخطاب الديني الإسلامي في العالم اليوم وفي أوروبا بصفة خاصة، ومدى الحاجة إلى تطوير هذا الخطاب في الواقع الراهن، وكيفية التعامل مع بعض المشكلات والتحديات التي تكتنف هذا الخطاب في المرحلة الحالية.
وأشار إلى أنّ التجديد الرشيد في الخطاب الديني يعني مراعاة مقاصد الشريعة، والتقييم السديد دون التنطّع والانحراف عن هدي الإسلام وما جاء به الوحي.
وأوضح منسق الندوة أنّ انعقادها يأتي ليبحث كيف يكون ترشيد مسالك الخطاب الديني أيضاً باختيار الأساليب والوسائل المناسبة ذات التأثير في فهم مكوِّنات المجتمعات ومنابع تفكيرها واتخاذ الطرق الأنسب لمخاطبتها والمشاركة في الحوار المجتمعي العام، بما يتناسب والواقع الأوروبي.
ثمّ تحدّث الدكتور فؤاد العلوي، رئيس قسم الدعوة والتعريف بالإسلام في اتحاد المنظمات الإسلامية بأوروبا، مبيِّناً أهمية انعقاد هذه الندوة، شارحاً أنها تأتي ضمن سلسلة ندوات يعقدها القسم لبحث موضوع الخطاب الديني وسبل تطويره بما يستجيب للواقع ويتعامل مع التحديات القائمة.
وأوضح الدكتور العلوي أنّ مسلمي أوروبا يعيشون في قارة مترامية الأطراف متعددة الأعراق والديانات والثقافات، وذات خبرات تاريخية متعددة مع الإسلام والمسلمين، مما يتطلّب فهم مكوِّنات التنوّع الديني والثقافي وما يخالجها من قوالب نمطية وأحكام مسبقة ومكامن سوء فهم، والمحافظة على المكتسبات الحضارية والمدنية والقيمية في الواقع الأوروبي. كما يستدعي ذلك الإجابة عن تساؤلات مثارة في البيئات الأوروبية بخصوص موقف الإسلام من جملة مسائل وقضايا.
وفي مداخلة بعنوان “الواقع الدعوي في أوروبا”، استعرض محمود الخلفي بعض ملامح الوجود المسلم الراهن في المجتمعات الأوروبية، خاصة في ما يتعلق بالشأن الديني. وتحدث الخلفي في محاور أربع؛ هي الواقع الجغرافي والديمغرافي، والواقع السياسي، والواقع الديني، والواقع الدعوي. ومن بين الصعوبات التي رصدتها المداخلة، جاء ضعف التواصل بين الجيل الأول والجيل الثاني، وما يعانيه المهتدون الجدد إلى الإسلام من صعوبات في التواصل مع مجتمعهم الأصلي وصعوبات في الاندماج مع المجتمع المسلم المحلي أيضاً.
وفي مداخلته التي جاءت تحت عنوان “الأدوار المنتظرة من الخطاب الديني الإسلامي في الواقع الأوروبي”، تحدث محسن نقزو عن أهمية الخطاب الديني التي تكمن في أنه عامل أساس في تشكيل العقل المسلم. ولاحظ نقزو من مظاهر الإغراق في الخطاب الديني ميلُه إلى التشدد، والتحريض على مخاصمة الحياة، والاستغراق في الحديث عن الماضي والذهول الحاضر والخوف من المستقبل. وحثّ الأستاذ نقزو على الدخول الواعي في الزمن الإنساني، وتنقية المفاهيم.
أمّا يوسف إبرام، فتحدث عن “دور العلماء في ضبط الخطاب الديني ونماذج للخطاب الناجح قديماً وحديثاً”، وأشار إلى أنّ الخطاب كمرجعية يتمثل في الكتاب والسنة، وذكر دور العلماء في ترشيد الخطاب الديني. وقال إبرام إنّ دور العلماء يتجلّى في ترشيد الخطاب الديني، في مجالات منها الإفهامُ والإقناع، ومراعاة الأولويات، ومراعاة المصالح والمفاسد، ومراعاة المآلات، وإبراز القيم الإيجابية.
وذكر إبرام جملة من التحديات التي تواجه الخطاب الإسلامي اليوم، منها الجهل، والتخلف، والموازنة بين رسالة الإسلام والواقع الحضاري، والردّ على هجمات تشويه الإسلام، وتحدي الانهزامية من بعض المسلمين والتشكيك في قيم الإسلام، وتحدي التيار التوفيقي.
ثمّ قدم طارق أوبرو مقاربة لتطوير الخطاب الديني الإسلامي بما يتناسب مع العصر والبيئة الأوروبية، تنطلق من إدراك الواقع ومكوِّنات تشكّله. وأعطى الأولوية في هذا للانطلاق من معرفة الله تعالى والبعد العقدي، باعتباره الأساس في الخطاب الإسلامي. ونبّه إلى أهمية فهم الخلفيات الفلسفية التي يقوم عليها منطق التفكير في البيئة الأوروبية. ونادى أوبرو بالانطلاق من مقتضيات العصر، وهو ما يتطلب خطاباً يتصدى لقضايا العصر، وأن يتنزّل أيضاً في واقع الأفراد.
كما اكد الدكتور خالد حنفي على أهمية التوازن في الطرح مع الفئات المتعددة، وتنويع مسالك الخطاب ووسائله، وأهمية التفريق بين المقاصد والوسائل، ومراعاة المآلات، وضرورة استحضار فقه التوقّع. ونبّه أيضاً إلى أنّ الخطاب السائد يتميّز بأنه خطاب دفاعي أو اعتذاري، ولا يتعامل مع الأعراف والتقاليد، علاوة على أنه خطاب تشريعي أكثر منه خطاب أخلاقي.
كما تحدث الدكتور محمد الطلابي في مداخلة بعنوان “مدى إمكانية بناء حوض حضاري متوسطي في تسوية تاريخية بين الإسلام والحضارة الغربية”. فأكد أنه يمكن بناء وئام حضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي وذلك على أساسين، الأساس الفلسفي؛ وقام بشأنه بمقارنة بين الإسلام كعقيدة والحداثة كفلسفة، ثم الأساس المقاصدي؛ ويتجلّى في البقاء والرخاء والهناء الذي تنشده كلّ حضارة. ويرى أنّ هذه المقاصد تدعو الجميع إلى التقارب والوئام. وذكر معوقات لهذا التقارب تتجلّى أساساً في الصور النمطية السلبية والأحكام المسبقة المتبادلة بين العالمين الاسلامي والغربي.